وجاء القرار بعد زيارة ماكرون هذا الأسبوع إلى إسرائيل والضفة الغربية والأردن، ويمكن قراءته على أنه رد من الرئيس الفرنسي على أولئك الذين اتهموه في الأسابيع الأخيرة باتباع سياسة مؤيدة لإسرائيل بشكل مفرط.
ومع ذلك، فإن استخدام مثل هذه السفينة المهمة اعتبره الكثيرون، بما في ذلك صحيفة "لوموند"، الصحيفة الفرنسية الرئيسية، بمثابة تدخل مباشر من جانب فرنسا في الصراع بين إسرائيل وحماس، مع عواقب لا تزال غير واضحة: السفينة مجهزة بمعدات اتصالات واعتراض متطورة يمكنها تزويد المخابرات الفرنسية بمعلومات قيمة. وفي حال تدهور الوضع في المنطقة أكثر، فمن الممكن أيضًا استخدامها لإجلاء العديد من المواطنين الفرنسيين الذين يعيشون في المنطقة، وخاصة من لبنان.
"تونير" (Tonnerre) والتي تعني باللغة العربية "الرعد"، هي حاملة مروحيات برمائية من طراز "ميسترال"، أي سفينة قادرة على نقل وإنزال الوحدات العسكرية بمعداتها على أرض العدو، حتى في النقاط التي يصعب الرسو فيها (إحدى العمليات العسكرية الشهيرة من هذا النوع كانت عملية الإنزال في "نورماندي"). يصفها مقال حديث من موقع "بوليتيكو" الإخباري بأنها "قرية عائمة": يبلغ عرضه 32 مترًا وطوله 199 مترًا (ما يعادل ملعبي كرة قدم تقريبًا) وهي قادرة على نقل أكثر من 21 ألف طن. وتتسع على متنها 16 طائرة مروحية، و60 عربة مدرعة، و13 دبابة، وقوارب صغيرة للرسو والإخلاء، وأنواع مختلفة من الأسلحة مثل الرشاشات والصواريخ الصغيرة، وما يصل إلى 900 جندي.
وتضم السفينة أيضًا منشأة طبية تضم غرفتي عمليات و69 سريرًا، أي ما يعادل مستشفى لمدينة يبلغ عدد سكانها 25 ألف نسمة، وتعمل على إجراء العمليات الجراحية في أقرب مكان ممكن من منطقة القتال. ونظرًا للوضع الإنساني الحالي في قطاع غزة، فإن المساهمة الفرنسية لن تكون أكثر من مجرد رمزية (يحتوي مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وهو أكبر مستشفى في القطاع، على 1500 سرير)، لكن وصولها سيكون مفيدًا على أي حال لتخفيف الضغط على الطواقم الطبية الفلسطينية. وأضاف ماكرون في إعلانه الأربعاء، أن فرنسا سترسل طائرة محملة بمعدات ومستلزمات طبية إلى مصر، لنقلها إلى قطاع غزة.
وبالإضافة إلى ما يقرب من 200 شخص يشكلون الطاقم عادة، غادرت "تونير" مدينة "تولون"، جنوب فرنسا، وعلى متنها وحدة قتالية تابعة للجيش مع جميع معداتها، والتي تشمل مركبات مدرعة وشاحنات لوجستية.
جرى بناء السفن الهجومية من فئة "ميسترال"، مثل "تونير"، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتم استخدامها في العديد من العمليات الفرنسية وقوات حلف شمال الأطلسي، مثل العملية العسكرية الفرنسية في مالي عام 2013، ولكن أيضًا في إجلاء المواطنين الفرنسيين والأوروبيين من الشرق الأوسط خلال صراع عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله. وجرى استخدام "تونير" في لبنان عام 2020 بعد أن دمر انفجار كبير ميناء بيروت وزودت فرنسا البلاد بالإمدادات الغذائية ومواد البناء.
ومن المتوقع أن تصل السفينة إلى مياه جزيرة قبرص التي تقع شمال غرب سواحل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها تلك الفلسطينية المحاصرة، خلال ثلاثة أو أربعة أيام. وهناك تنضم إلى سفينتين فرنسيتين أصغر حجما موجودتين بالفعل في المنطقة: "سوركوف"، وهي فرقاطة من طراز "لافاييت" تحمل نحو 150 من أفراد البحرية الفرنسية وطائرة هليكوبتر، و"ألزاس"، وهي فرقاطة متعددة المهام تحمل 130 شخصا.
وكانت "سوركوف" موجودة بالفعل في المنطقة كجزء من مهمة الاستخبارات والمراقبة الدائمة لفرنسا في العملية الدولية ضد تنظيم داعش. وبدلا من ذلك وصلت إليها سفينة "الألزاس" منذ أيام: وهي من أحدث السفن التابعة للبحرية الفرنسية ومتخصصة في الدفاع المضاد للطائرات حيث أنها مجهزة بصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى يمكنها الحماية من الهجمات الجوية وبعض أنواع الصواريخ والطائرات من دون طيار.