«زيلينسكي»: “ماكرون غيّر رأيَه بشأن أوكرانيا” - الإيطالية نيوز
Facebook social icon TikTok social icon Twitter X social icon Instagram social icon WhatsApp social icon Telegram social icon YouTube social icon

آخر الأخبار

الأحد، 17 سبتمبر 2023

«زيلينسكي»: “ماكرون غيّر رأيَه بشأن أوكرانيا”

 الإيطالية نيوز، الأحد 17 سبتمبر 2023 - في 8 فبراير الماضي، قبل التوجه إلى باريس في زيارة رسمية، أجرت صحيفة "لوفيغارو" مقابلة مع الرئيس الأوكراني «فولوديمير زيلينسكي»، وتحدث عن الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» فقال: “أعتقد أنه تغيّر. وهذه المرة تغيّر حقا.” ووفقا لـ «زيلينسكي»، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، تبنى «ماكرون» موقفا متساهلا للغاية اتجاه روسيا وسعى إلى الحوار مع الرئيس «فلاديمير بوتين» في عدة مناسبات، بدلا من إدانته. وقد شارك في هذا الرأي أيضًا العديد من المعلقين الغربيين، وكذلك رؤساء دول وحكومات بعض الدول الأوروبية، الذين أكدوا كيف يمكن لسياسات «ماكرون» بشأن الحرب أن تعزز الموقف الروسي.


لكن في الأشهر الأخيرة، غيّر «ماكرون» موقفه، لدرجة أن صحيفة "بوليتيكو" تحدثت عن "تحول كامل" بشأن قضية أوكرانيا: يحاول الرئيس الفرنسي الآن تقديم نفسه كواحد من أقوى المؤيدين للقضية الأوكرانية، وهو متوافق تمامًا مع مواقف الحلفاء الغربيين وحلف شمال الأطلسي. ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من العقبات والمشاكل، التي قد تجعل محاولة «ماكرون» إعادة تموضعه في السياسة الخارجية أكثر صعوبة.


في بداية الحرب، في فرنسا، تم تلخيص موقف «ماكرون» من الغزو الروسي لأوكرانيا بصيغة "في الوقت  نفسه"، في إشارة إلى نية الرئيس جعل فرنسا دولة يمكنها التوسط بين الطرفين المتحاربين. وكانت فكرة «ماكرون» هي دعم أوكرانيا، ولكن "في الوقت نفسه" إبقاء الحوار مفتوحا مع روسيا.


وفي 9 مايو 2022، قال «ماكرون»، خلال كلمته أمام البرلمان الأوروبي، إنه لا ينبغي "إذلال" روسيا، مكررا هذا المفهوم بعد بضعة أسابيع خلال مقابلة مع الصحف الفرنسية. «كلمة «إذلال» يصعب قبولها أمام الصور التي تصلنا كل يوم من أوكرانيا»، هكذا علق الصحفي الفرنسي «بيير هاسكي» (Pierre Haski) على "فرانس إنتر" آنذاك، لأن الرئيس الفرنسي، بتلك التصريحات، بدا وكأن الأمر يتعلق أكثر بالحفاظ على موقف تفاوضي جيد مع «بوتين» بدلاً من وقف قصف المدن الأوكرانية.


وبحسب «هاسكي»، فإن إصرار «ماكرون» على ضرورة عدم إذلال «بوتين» بدلاً من وقف العدوان الروسي كان من شأنه أن يجعل "يد «ماكرون» الممدودة ل«فلاديمير بوتين» من أجل التوصل إلى حل تفاوضي أكثر إثارة للريبة في عيون الأوكرانيين وأوروبا الشرقية".


وفي الأشهر التالية، أدلى «ماكرون» بتصريحات أخرى مماثلة. على سبيل المثال، في معرض حديثه عن النهاية المحتملة للحرب، قال إنه سيكون من الضروري إيجاد حل سلمي يحمي أوكرانيا والدول الحليفة، ولكنه سيكون قادراً "في نفس الوقت على إعطاء ضمانات لروسيا بشأن أمنها".


كل هذه التصريحات لماكرون لاقت انتقادات شديدة، خاصة أن مواقفه الأكثر دبلوماسية وتصالحية اتجاه بوتين لم تؤد إلى أية نتائج ولم تخفف عن ضحايا العدوان الروسي. قبل بدء الحرب، عندما بدا بالفعل أن الغزو كان وشيكًا، وكان «ماكرون» هو الزعيم الذي حاول، أكثر من أي شخص آخر، التحدث مع بوتين في محادثات طويلة ومتكررة، عرض فيها على روسيا ضمانات أمنية واسعة النطاق وتعاون فرنسا والغرب. ولم يكن هناك أي فائدة: فقد قام بوتين بالغزو على أية حال، لأنه لم يثق في وعود الرئيس الفرنسي، وبالأخص أن الناتو ينبش على عتبة الحدود الأمنية لروسيا من داخل أوكرانيا.


إن البحث عن حوار غير مثمر مع «بوتين» والفكرة التي تم المضي بها إلى ما بعد بداية الحرب، القائلة بإمكانية إقناع «بوتين» بوقف الغزو، كلفت «ماكرون» اتهامات ثقيلة للغاية، مثل تكرار الموقف الفرنسي في مؤتمر ميونيخ عام 1938 عندماوافق رؤساء دول وحكومات فرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا على مطالب ألمانيا النازية بضم جزء كبير من "تشيكوسلوفاكيا". وكانت تلك السياسة، التي أطلق عليها اسم "الاسترضاء"، مبنية على الأمل في أنه إذا كانت القوى الغربية قد استوفت مطالبات "هتلر" الإقليمية في البلدان المجاورة، لكان من الممكن تجنب غزوات جديدة واسعة النطاق.


في الواقع، لم تساعد هذه التنازلات في وقف الحرب، بل أدّت فقط إلى تأجيلها لمدة عام، وفوق كل شيء، أصبحت رمزًا لاستسلام الديمقراطيات.


وبطبيعة الحال، ليس من الخطأ في البحث عن حل تفاوضي لصراع مسلح. لكن إصرار «ماكرون» على محاولة الإبقاء على قناة حوار مفتوحة مع «بوتين» والتعاطف مع النظام الروسي، حتى عندما كان من الواضح بما لا يدع مجالا للشك أن بوتين لن يتفاوض، كان يُنظر إليه على أنه يؤدي إلى نتائج عكسية.  فمن ناحية، أعطت دعاية بوتين ذريعة للاستمرار في الادعاء بأن بعض الزعماء الغربيين المهمين يتفقون معه، ومن ناحية أخرى، أضعفت قضية المقاومة الأوكرانية والوحدة الأوروبية بشأن هذه القضية.


كان هذا الضعف حقيقيًا أيضًا: فقد ظلت فرنسا لعدة أشهر مترددة في إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا. كان «ماكرون» يركز على فكرة القيام بدور الوسيط بين «بوتين» و «زيلينسكي»وقال «فرانسوا هايسبورغ» (François Heisbourg)، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو معهد أبحاث بريطاني مهم في مجال الشؤون الدولية، لصحيفة "بوليتيكو"، إن هذا دفعه إلى توخي الحذر الشديد بشأن تسليم الأسلحة، على سبيل المثال.


وفي يناير 2023، ألقى الرئيس الفرنسي خطابا لا لبس فيه قال فيه إنه سيدعم أوكرانيا "حتى النصر". وفي مايو، منحت فرنسا المملكة المتحدة الإذن بتزويد أوكرانيا بصواريخ "ستورم شادو" الفرنسية البريطانية بعيدة المدى، وفي يوليو سلمت صواريخ "سكالب" الفرنسية بعيدة المدى مباشرة إلى كييف.


وعلى الرغم من هذه التغييرات، فإن "القصائد الدبلوماسية السابقة لماكرون اتجاه «بوتين» تركت بصماتها"، كما تقول صحيفة "بوليتيكو"، التي أجرت مقابلات مع بعض الدبلوماسيين الفرنسيين الذين فضلوا عدم الكشف عن هويتهم: وأضاف "لسنا ساذجين، لقد خطونا خطوة كبيرة... لكن دعونا لا نخدع أنفسنا بالاعتقاد أن فرنسا تغيرت بين عشية وضحاها". وبحسب البعض، فإن موقف «ماكرون» خلال الأشهر الأولى من الحرب «طغى على ما قمنا به، الدعم العسكري والوحدة الأوروبية»، لكن قبل كل شيء كان الخطأ الذي أضعف «ماكرون» على الساحة الدبلوماسية الأوروبية والدولية.


تتعلق إعادة توجيه سياسة «ماكرون» الخارجية أيضًا بمسألة توسيع الاتحاد الأوروبي، وهو موضوع عزيز جدًا وخاصة بالنسبة لدول أوروبا الشرقية والذي أظهرت فرنسا دائمًا أنها حذرة للغاية بشأنه في الماضي. وفي خطاب ألقاه مؤخراً، دعا «ماكرون» إلى إجراء تغييرات مؤسسية في الاتحاد الأوروبي، لا سيما فيما يتعلق باستقبال دول غرب البلقان في الاتحاد: قال: «يجب أن يكون قلب أوروبا أكثر تكاملاً إذا أردنا مواجهة تحديات اليوم»، وأوضح لاحقًا أنه «يجب أن نتحلى بالشجاعة لقبول المزيد من التكامل في بعض السياسات، وربما بسرعات مختلفة في أوروبا هذه».


وبعد المبادرات الدبلوماسية الأولى لفرنسا مع «بوتين»، والتي تعرضت لانتقادات شديدة خاصة من قبل الدول الواقعة على الجانب الشرقي من الاتحاد الأوروبي، وفقًا للعديد من المراقبين، تبحث فرنسا الآن بشكل استراتيجي عن حلفاء جدد. وهدفها هو أن تضع نفسها على رأس الدول المؤيدة للتوسع واستعادة مصداقيتها ومركزيتها. ومع ذلك، هناك بعض الشكوك حول ما إذا كانت فرنسا قادرة على النجاح: وفقًا ل«هايسبورغ»، لا يزال من الممكن أن يتعرض زخم «ماكرون» للخطر بسبب "إغراءاته للتوسط".


وعلى الرغم من تغير الموقف بشأن الصراع الروسي الأوكراني، يظل «ماكرون» مقتنعا بأن المفاوضات يجب أن يكون لها دور مركزي، وخاصة في ضوء بناء نظام جديد للسلام والأمن في القارة الأوروبية.  بالنسبة ل«ماكرون»، تقول صحيفة "لوموند"، إن هذا البناء لا يمكن أن يحدث بدون روسيا -حتى روسيا التي يحكمها «بوتين»- في حين أن جزءًا كبيراً من دول أوروبا الشرقية "يعتقد، على العكس من ذلك، أنه من الضروري ضمان أمن القارة ضد موسكو، من أجل كبح ميلها الإمبريالي بشكل أفضل: سوء التفاهم ليس مقدراً له أن يختفي".


باختصار، يخلص «هينسبورج» إلى أن إغراء «ماكرون» للتوسط يجعل شركاء فرنسا متشككين، "على الرغم من التغيير الحقيقي والعميق" الذي أظهرته البلاد.