وقد جعل مساعدو الرئيس «جو بايدن» هذا الدفع الدبلوماسي أولوية في السياسة الخارجية على الرغم من درجات متفاوتة من الشكوك من قبل الخبراء حول ما إذا كان التوقيت والظروف والقيادة الإقليمية الحالية مناسبة لصفقة ضخمة يمكن أن تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط.
ويمثل هذا تراجعا دراماتيكيا للرئيس الذي قضى معظم فترة ولايته في الابتعاد عن التدخل الدبلوماسي الأعمق في مشاكل المنطقة، مما يثير تساؤلات حول سبب التزامه بمثل هذا الهدف الصعب، وما الذي سيكسبه وما إذا كان قد ينتهي به الأمر إلى دفع ثمن باهظ للغاية.
إن محاولة التوسط في العلاقات بين العدوين القدامى إسرائيل والمملكة العربية السعودية هي محور المفاوضات المعقدة التي تنطوي على مناقشات حول الضمانات الأمنية الأمريكية والمساعدة النووية المدنية التي تسعى إليها الرياض بالإضافة إلى التنازلات الإسرائيلية للفلسطينيين، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر.
وفي حين يصر المسؤولون الأميركيون على أن تحقيق أي انفراجة أمر بعيد المنال، فإنهم يقدمون سراً كل الفوائد المحتملة، بما في ذلك إزالة نقطة اشتعال محتملة في الصراع العربي الإسرائيلي، وتعزيز الحصن الإقليمي ضد إيران، ومواجهة غزوات الصين في الخليج. وسيحقق «بايدن» أيضًا فوزًا في السياسة الخارجية حيث يسعى لإعادة انتخابه في نوفمبر 2024.
وقال «جوناثان بانيكوف»، النائب السابق لضابط المخابرات الوطنية لشؤون الشرق الأوسط في الحكومة الأمريكية، والذي يعمل الآن في المجلس الأطلسي: "هناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تسوء، ولكن إذا حدث ذلك فقد يكون إنجازًا كبيرًا في السياسة الخارجية".
وتقول المصادر إنه على الرغم من أن الجدول الزمني لا يزال غير مؤكد، إلا أن مساعدي «بايدن» يعتقدون أنه قد تكون هناك فرصة حاسمة لصياغة صفقة قبل أن تستهلك الحملة الرئاسية أجندته.
لكن المسؤولين الأميركيين يعترفون بوجود العديد من العقبات التي تجعلهم لا يملكون أي ضمانة للنجاح. وقد أجريت المفاوضات الإسرائيلية السعودية مع مبعوثي «بايدن» كوسيط.
وقال مسؤول أمريكي طلب عدم الكشف عن هويته: "نحن نتحدث بنشاط". "لكن لا توجد حتى مجموعة من المبادئ حول الشكل الذي سيبدو عليه الاتفاق في الوقت الحالي."
ومع ذلك، بدأ مساعدو «بايدن» في إحاطة المشرعين الرئيسيين، كما يقول أشخاص مطلعون على المناقشات. وينصب التركيز على زملاء «بايدن» الديمقراطيين الذين أدانوا السعودية بشأن حقوق الإنسان ولكن دعمهم سيكون ضروريًا إذا كان أي اتفاق يتطلب موافقة الكونجرس.
ويشمل التقاء العناصر التي تحرك الإدارة شعوراً بإلحاح الجهود التي تبذلها الصين للحصول على موطئ قدم استراتيجي في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، ورغبة الولايات المتحدة في إصلاح العلاقات مع الرياض، التي تعهد «بايدن» ذات مرة بجعل ولي عهدها محمد بن سلمان "منبوذًا".
ومن الممكن أن يساعد الجمع بين القوتين العسكريتين، إسرائيل والسعودية، في إضفاء طابع رسمي على التعاون ضد إيران، العدو المشترك الذي تريد واشنطن احتواؤه.
وتتطلع الإدارة أيضًا إلى إعادة تأكيد القيادة الإقليمية لمنع المملكة العربية السعودية ودول الخليج النفطية الأخرى من الانجراف بعيدًا عن الجهود الرامية إلى عزل روسيا المنتجة للطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التطبيع من شأنه أن يجذب الناخبين المؤيدين لإسرائيل في الانتخابات ويجعل من الصعب على الجمهوريين مهاجمته بسبب العلاقات المتوترة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو».
على الرغم من أن السياسة الخارجية نادرا ما تؤثر على الانتخابات الأمريكية، فإن «بايدن»، الذي يواجه معركة إعادة انتخابه ضد الرئيس الجمهوري السابق «دونالد ترامب»، ربما يفكر في إرثه.
وقال «آرون ديفيد ميلر»، المفاوض السابق في الشرق الأوسط الذي يعمل الآن في "مؤسسة كارنيجي" للسلام الدولي: "ستكون صفقة كبيرة، لكن السؤال هو ما المبلغ الذي يرغب «بايدن» في دفعه مقابل ذلك".
ومن بين التحديات إرضاء ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، الحاكم الفعلي للسعودية.
ويقال إنه يسعى إلى معاهدة على غرار معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو) تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة في حالة تعرضها لهجوم، ويريد أيضًا أسلحة متقدمة ومساعدة لبرنامج نووي مدني.
ويطالب السعوديون من الإسرائيليين بتنازلات كبيرة للفلسطينيين للحفاظ على آفاق إقامة الدولة، وهو أمر يسعى «بايدن» أيضًا لتحقيقه، لكن حكومة «نتنياهو» اليمينية المتطرفة لم تظهر استعدادًا كبيرًا لمنحه.
ومن شأن تحسين العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية أن يواجه مقاومة في الكونغرس، حيث ينتقد الكثيرون «محمد بن سلمان» بسبب مقتل الصحفي «جمال خاشقجي» عام 2018 وتدخل الرياض في اليمن.
وقال السناتور «كريس ميرفي» (Chris Murphy) لرويترز "أنا بالتأكيد قلق للغاية بشأن معاهدة دفاع تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن الحكومة السعودية التي أثبتت أنها تتصرف بشكل غير مسؤول بشكل لا يصدق في المنطقة".
وقال «مورفي»، وهو ديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إنه يفضل التطبيع الإسرائيلي السعودي وهو منفتح على مراجعة أي اتفاق أوسع نطاقا ولكن لن يكون من السهل إقناعه.
ومع ذلك، فإن «جاريد كوشنر» (Jared Kushner)، الذي قاد في عهد «ترامب» ثلاث اتفاقيات عربية إسرائيلية تُعرف باسم اتفاقيات أبراهام، حث والد زوجته على النظر في دعم جهود «بايدن» تبريرًا لسجل «ترامب» في الشرق الأوسط، وفقًا لشخص مطلع على المناقشات.
بالنسبة لـ «نتنياهو»، فإن العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية، خادمة الحرمين الشريفين، ستكون جائزة طال انتظارها ويمكن أن تشجع الدول الإسلامية الأخرى على أن تحذو حذوها وتمهد الطريق أيضًا لتوسيع التكامل الاقتصادي لإسرائيل في الشرق الأوسط الكبير.
لكن من المرجح أن يقاوم ائتلاف «نتنياهو» أي شيء أكثر من مجرد الإيماءات المتواضعة للفلسطينيين، الأمر الذي قد يؤدي إلى عرقلة أي اتفاق تطبيع.
يمكن أن تقدم محادثات «بايدن» مع «نتنياهو» في الجمعية العامة للأمم المتحدة غدًا مؤشرًا على مدى استعداده للذهاب.
ومثل «محمد بن سلمان»، لم يفعل «نتنياهو» الكثير لتبديد الانطباع بأنه قد يفضل التعامل مع رئاسة «ترامب» الثانية، مما يزيد من احتمال انتظار نتيجة الانتخابات.
ويقول الخبراء إنه إذا نفاد الوقت، فقد يتعين على الإدارة القبول بصفقة محدودة أكثر أو محاولة الاتفاق على الخطوط العريضة لاتفاق مستقبلي.
وستكون الفكرة بعد ذلك هي تسوية التفاصيل لاحقًا إذا فاز «بايدن» بولاية ثانية.