يشير مصطلح "المسيحيين الإنجيليين" إلى مجموعة من الحركات البروتستانتية الموجودة في جميع أنحاء العالم: أعضاؤها محافظون للغاية ومتشددون ومؤثرون في القضايا السياسية والاجتماعية. والحقيقة هي أن الظهور العلني للدين المسيحي في المملكة العربية السعودية، مثل كل الديانات الأخرى باستثناء الإسلام، لا يزال محظورًا، على الرغم من أن القانون قد اتخذ مؤخرًا خطوات صغيرة إلى الأمام.
يحدثُ تنظيم سياحة المسيحيين الإنجيليين في الغالب من خلال وكالات السفر والدعاة المسيحيين ذوي الأفكار المثيرة للجدل في كثير من الأحيان. عادةً ما يكون الأشخاص الذين يقومون بالتسجيل متقاعدين أو لديهم وظائف مشتركة، مثل المحاسبة أو الصيادلة، ويصوتون للحزب الجمهوري، ويأتون من ولايات مثل "فلوريدا" أو "أيداهو"، ونادرا ما يسافرون خارج أمريكا الشمالية. علاوة على ذلك، فإنهم جميعًا يشتركون في الاعتقاد بأن "جبل سيناء" يقع في المملكة العربية السعودية، وليس في مصر، حيث أنزل الله الوصايا العشر على موسى، وفقًا للكتب المقدسة اليهودية والمسيحية.
وهذا الاعتقاد، الذي أنكره غالبية علماء الآثار واللاهوتيين، وضعه طبيب التخدير «رون وايت» (Ron Wyatt)، الذي دخل المملكة العربية السعودية بشكل غير قانوني في الثمانينيات لإجراء أبحاثه، وجرى اعتقاله وطرده. خلال حياته، ادَّعى «وايت» أنه قام بما يقرب من 100 اكتشاف يتعلق بالكتاب المقدس، بما في ذلك موقع سفينة نبي الله «نوح»، عليه السلام، لكن أفكاره لم تُؤخَذ بعين الاعتبار إلا من قبل أقلية من المجتمع الإنجيلي.
ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، أصبحت هذه النظرية ذات شعبية متزايدة بفضل مقاطع الفيديو واسعة الانتشار على موقع يوتيوب، والتي تناولها أيضًا بعض المعلقين في قناة "فوكس نيوز". في الواقع، يمكنك العثور على جبلين على خرائط غوغل تم تحديدهما على أنهما جبل سيناء: الجبل "الحقيقي" في مصر والآخر في المملكة العربية السعودية، وتمت إضافتهما قبل عامين. هو الأخر، يدَّعي «ريان ماورو» (Ryan Mauro)، مؤلف الفيلم الوثائقي الأكثر مشاهدة حول هذا الموضوع، أن السعوديين يخفون طوعا أدلة على أن الهجرة الجماعية حدثت في بلادهم لمنع المنطقة من أن تصبح مكانا للعبادة لديانة أخرى غير الإسلام. وبالتالي، فإن هذه الرحلات ليست مجرد رحلات حج إلى أقدس الأماكن المزعومة في الديانة المسيحية، بل يُنظر إليها تقريبًا على أنها "مهمات" يمكن من خلالها اكتشاف دليل الهجرة في أي لحظة.
يمكن أن تختلف مدة وأسعار هذه الجولات ولكن تكلفتها الأكثر شيوعًا تبلغ نحو 5000 دولار (باستثناء الرحلات الجوية) وتستمر نحو 10 أيام، خمسة منها يتم قضاءها في الصحراء شمال غرب المملكة العربية السعودية، وأربعة في القاهرة، عاصمة مصر.
الجزء الأول من الرحلة مخصص لزيارة الأماكن المقدسة المزعومة، مثل الجبل الذي حدده وايت بأنه "جبل سيناء". وتحدد وكالات السفر في وصف هذه الأنشطة آيات الكتاب المقدس التي ذكرت فيها هذه الأماكن: على سبيل المثال، "وقف عند بئر موسى على شاطئ البحر الأحمر " (خروج 2: 15). وكما ورد في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرًا، نظرًا لأن المرشدين غالبًا ما يكونون من الدعاة الإنجيليين، تتوقف المجموعات للصلاة في كل مرة يصلون فيها إلى وجهة جديدة. وتشمل بعض الرحلات أيضًا التوقف في مخيم بدوي حيث يشاهد السائحون الإبل وهي تُحلَب ويأكلون مع مستضيفيهم. الجزء الثاني من الرحلة، في مصر، يشبه العديد من الجولات المنظمة الأخرى: تقيم في فندق وتتناول العشاء على متن قارب في النيل، وتزور الأهرامات والمتاحف والبازارات ولا توجد لحظات منظمة للصلاة.
كما تعزز تدفق السياح المسيحيين الإنجيليين لسبب آخر. وفي هذا المجال الذي له قيمة دينية بالنسبة لهم، تنفذ الحكومة السعودية مشروع مدينة "نيوم"، التي تبلغ مساحتها 26500 كيلومتر مربع، أي بحجم صقلية تقريبًا، والتي ينبغي أن تشمل المساكن الفاخرة وقصور العائلة المالكة والمدينة المستقبلية الشهيرة الخالية من الانبعاثات "ذا لاين"، وعرضها 200 متر فقط ولكنها مكونة من ناطحتي سحاب متوازيان بطول 170 كيلومتراً وارتفاع 500 متر: نوع من السور العظيم الذي ينبغي أن يستوعب ما يصل إلى 9 ملايين شخص حيث تتطور الأحياء عموديًا وتتوفر جميع الخدمات في غضون خمس دقائق سيرًا على الأقدام.
إن تحقيق هذا المشروع، الذي من المقرر أن يكتمل في عام 2025 على الرغم من التأخيرات الهائلة المتراكمة، يدفع بعض السياح إلى توقع رحلتهم حتى يتمكنوا من الاستمتاع بالمنطقة "بينما غير مُلوَّثة بعد".
ورغم أن هذا النوع من السياحة لم يكن متوقعا، إلا أنه وفقا لبعض المراقبين، فإن الحكومة السعودية كانت قد بدأت تعتبر وصول المسيحيين الإنجيليين فرصة جديدة لمواصلة العملية التي بدأت منذ فترة "لتنظيف" صورتها في نظر الغرب: لتظهر بالتالي أنها أقل استبدادية وأكثر تسامحاً، حتى من وجهة نظر دينية.