الإيطالية نيوز، السبت 2 سبتمبر 2023 - اجتمع الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» (Emmanuel Macron)، الأربعاء، مع زعماء الأحزاب الحاضرة في البرلمان بهدف التوصل إلى حلول وسط مع القوى السياسية الأخرى وتنفيذ برنامجه الخاص، خاصة بعد الصعوبات التي واجهها العام الماضي. خلال أكثر من ست سنوات من رئاسته، حاول «ماكرون» مراراً وتكراراً "البحث عن الإجماع"، كما عنونت صحيفة "لوموند" مقالتها افتتاحيتها: تعرض الرئيس لانتقادات كثيرة بسبب ما أطلق عليه خصومه السياسيون والصحف "العمودية" و"المركزية"، وقد حاول في الواقع في عدة مناسبات إدخال قدر أكبر من الأفقية والجماعية في عملية صنع القرار.
وفي عام 2019، بعد أشهر من الاحتجاجات التي نظمتها "السترات الصفراء"، دعا الرئيس، على سبيل المثال، إلى "نقاش وطني عظيم". وفي عام 2021 أطلق نظام "الولايات العامة للعدالة" بمشاركة قضاة وحقوقيين ومحامين وكتاب عدل وشرطة ومواطنين غير مرتبطين بالمهن القانونية. وفي عام 2022، افتتح المجلس الوطني لإعادة التأسيس، وهي مبادرة كان من المفترض، في رأيه، أن "توحد الأمة" حول القضايا والأولويات الكبرى.
كل هذه المبادرات تم تفسيرها قبل كل شيء على أنها عمليات اتصالات واسعة النطاق صممها الرئيس لتغيير النظرة إلى نفسه لدى الرأي العام، ولم يكن لها في الواقع تأثير كبير أو عواقب كبيرة. وكتبت صحيفة "نيويورك تايمز" أن «ماكرون» ظل "زعيمًا ينظر باستخفاف إلى الأمور، ويستمع قبل أن يتخذ القرار، لكنه بالكاد يفكر في التسوية". باختصار، إن تلك الصورة لرجل النخبة والبعيد عن الناس التي «بقيت ملتصقة به منذ البداية ، رغم محاولاته في دفن هذه العلاقة».
لكن لقاء الأيام الأخيرة مع زعماء الأحزاب كان يحمل شيئاً مختلفاً عن محاولات الحوار التي كان يرغب فيها وينظمها حتى الآن الرئيس. لقد كان، قبل كل شيء، عملا سياسيا.
وجاء الاجتماع بعد عام صعب للغاية بالنسبة للأغلبية الحاكمة. وشهدت الأشهر القليلة الماضية لحظات احتجاج قوية وإضرابات وتعبئة اجتماعية واسعة النطاق ضد إصلاح نظام التقاعد. وفي أوائل الصيف، اندلعت أعمال شغب واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد بعد مقتل «نائل م.» (.Nahel M.) البالغ من العمر 17 عامًا على يد الشرطة في "نانتير". والموضوع الآخر الذي احتل مساحة كبيرة في النقاش العام هو موضوع التضخم، الذي انقسم بين الأطراف حول الحلول التي يتعين اعتمادها.
في عام 2016، خلال الحملة الرئاسية التي أدت إلى انتخابه لأول مرة، قدّم «ماكرون» نفسه كبديل للأحزاب التقليدية الكبيرة التي حكمت فرنسا حتى تلك اللحظة: فقد حاول الرئيس الشاب "عدم تسييس" السياسة، كما كُتب في صحيفة "لوموند". وتقديم نفسه على أنه "رجل العمل". لقد عيّن مجموعة من الوزراء الفنيين، معظمهم من المجتمع المدني، من دون تدريب أو ثقافة سياسية: خبراء في خدمة مصلحة عامة مزعومة تخدم الدفاع عن القيم الليبراية للجمهورية الفرنسية. ولكن بعد ذلك تغيّر السياق المؤسسي.
منذ أكثر من عام، خسر «ماكرون» أغلبيته المطلقة في "الجمعية الوطنية"، واضطر بالتالي إلى مفاوضات معقدة مع القوى السياسية الأخرى حول النصوص قيد البحث. ومع ذلك، في كثير من الأحيان، كان المسار الذي اختاره «ماكرون» هو تجاوز البرلمان عن طريق تجنب التصويت من خلال اللجوء المتكرر إلى المادة 49.3 من الدستور: وهي أداة قانونية، ولكنها ليست شرعية دائمًا، وفقًا للكثيرين، خاصة عندما يتم تطبيقها لفرض عملية الإصلاح المتنازع بشأنها داخل وخارج البرلمان مثل المعاشات التقاعدية.
وكتبت صحيفة "لوموند" أن العزلة المتزايدة والمعارضة الشديدة على نحو متزايد وخسارة الأغلبية في "الجمعية الوطنية" أعادت الرئيس إلى الواقع: في التعديل الحكومي الذي أُجريَ في يوليو الماضي، تم استبدال العديد من الوزراء الفنيين بشخصيات حزبية. وقال المتحدث باسم الحكومة إن هذه المرحلة "تمثل عودة إلى السياسة"، التي، حسب ما يبدو، أن «ماكرون» وما يسمى بـ "الماكرونية" يتحركان فيها بصعوبة كبيرة.
وكان الهدف من الاجتماع الذي عُقِدَ يوم الأربعاء 30 أغسطس في مدرسة جوقة الشرف التي أنشأها نابليون عام 1809 هو إيجاد تسوية سياسية مع الأحزاب بشأن النصوص التشريعية المستقبلية وتمهيد الطريق "إذا لزم الأمر" لإجراء استفتاءات محتملة حول الموضوع نفسها، كما تم التأكيد على ذلك في رسالة الدعوة التي أرسلها الرئيس.
عُقدت الاجتماعات خلف أبواب مغلقة: مُنعت الهواتف (حتى بالنسبة للرئيس)، وتم استبعاد المتعاونين، وتم إبقاء الصحفيين على مسافة بعيدة. وحضر الاجتماع أحد عشر زعيمًا يمثلون تشكيلاتهم السياسية، بالإضافة إلى «ماكرون» أيضًا رئيس "الجمعية الوطنية" ورئيس مجلس الشيوخ على التوالي.
وناقش المشاركون بشكل رئيسي موضوعين: الوضع الدولي وعواقبه على فرنسا، و"فعالية العمل العام"، وبالتالي التبسيط والإصلاحات المؤسسية واللامركزية. واستمرت المحادثات خلال العشاء حيث دار الحديث عن "تماسك الأمة": المدرسة والاندماج وعدم المساواة. واستمر اللقاء نحو اثنتي عشرة ساعة واختتم عند الساعة الثالثة صباحا.