وقد تعهدت الهند، التي تستضيف حاليًا مجموعة العشرين، بدعوة مصر لحضور الاجتماع القادم للمجموعة في "نيودلهي". هناك أيضا همسات من أن مصر ربما تكون خطوة أقرب إلى عضوية "البريكس" المحتملة. في حين أن تعميق العلاقة مهم بشكل واضح لكلا البلدين، فهو أيضًا علامة على تحول أكبر في التحالفات الجيوستراتيجية. ماذا يعني هذا المشهد الجديد للاقتصادات الناشئة والدول النامية التي طالما اعتبرت الوضع الراهن أمراً مفروغاً منه؟
إن تحرك الهند مؤخَرًا بطريقة ملفتة للانتباه هو تحرك مدروس، لا يختلف عن تحرك جمهورية جنوب إفريقيا والصين والبرازيل، ما يعني أن هذه الدول والمتحالفة معها تتحرك في إطار تحالف لبناء نظام عالمي جديد، ربما في إطار مجموعة "البريكس" الصاعدة بقوة. وكان الهدف من زيارة الوزير الأول الهندي للقاهرة هو تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية في وقت تقترب فيه الأسواق الناشئة من بعضها البعض لمعالجة تداعيات ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، والتضخم المتفشي، والفراغ السياسي الذي خلفه تراجع الولايات المتحدة عن السياسة الخارجية.
تمر مصر بمرحلة حرجة في خطتها للانتعاش الاقتصادي وتحتاج إلى البناء على الزخم مع الأسواق الجديدة لجذب الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها. بينما تسعى الهند إلى ترسيخ مكانتها باعتبارها صوت الجنوب العالمي قبل اجتماعات مجموعة العشرين في "نيودلهي" في سبتمبر.
إن العلاقة الوثيقة بين القوتين هي أيضًا رمز لاهتمام مصر بتوسع "البريكس".
من الناحية السياسية، تريد الهند الاستفادة من موقع مصر الدبلوماسي في جامعة الدول العربية وكذلك موقعها في إفريقيا، كجزء من مساعي الهند لتكون صوت الجنوب العالمي". وأكد «السيسي» على أهمية العلاقات الثنائية بمنح «مودي» "وسام النيل"، وهو أعلى وسام مدني مصري. في المقابل، غرد «مودي»: “كانت المحادثات مع الرئيس السيسي ممتازة. استعرضنا النطاق الكامل للعلاقات الهندية المصرية واتفقنا على زيادة الروابط الاقتصادية والثقافية.”
في هذا الصدد، قال «ألياسجير بوتوالا»، مدير الإعلام في "غايتواي هاوس": “إن المجلس الهندي للعلاقات العالمية يعتقد أن كلا الجانبين يعتزم العمل معًا بشكل وثيق في المستقبل. وإن حقيقة دعوة الهند لمصر كمراقب في رئاسة مجموعة العشرين تتحدث عن أهمية هذه العلاقة الثنائية.”
في حين أن العلاقة المتجددة قد تكون تطورًا حديثًا، فقد تم تداول مصر والهند معًا منذ آلاف السنين. في الخمسينيات من القرن الماضي، اشتهر «جواهر لال نهرو»، أول رئيس وزراء للهند بعد الاستقلال، وشغل المنصب من 15 أغسطس 1947 حتى وفاته في 27 مايو 1964، و«جمال عبد الناصر»، ثاني رؤساء مصر، الذي تولى السلطة من سنة 1956 حتى وفاته يوم 28 سبتمبر 1970، بالعمل معًا لتأسيس حركة عدم الانحياز، قبل أن تهدأ العلاقات في السبعينيات والثمانينيات حيث ركزت الدولتان على الشؤون الداخلية أثناء الحرب الباردة.
محادثات المال
قال «ماتيو كولومبو»، الباحث في "معهد أبحاث الصراع في كلينجينديل"، لصحيفة "العربي الجديد": "كانت زيارة الرئيس مودي موجهة نحو الأعمال حيث يسعى البلدان إلى التعاون في العديد من المجالات".
يأتي تكثيف العلاقات في وقت تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية وتسعى للحصول على شركاء تجاريين جدد لجذب الاستثمار الخاص. وتتوقع مصر أن يصل عجز الحساب الجاري للسنة المالية المقبلة إلى 848.8 مليار جنيه مصري (27.4 مليار دولار)، ومن أكثر الطرق فعالية لسد الفجوة جذب استثمارات جديدة وزيادة الصادرات.
تراجعت الصادرات المصرية إلى الهند إلى 1.7 مليار دولار العام الماضي، من 3.5 مليار دولار في العام السابق، وفقًا لإحصاءات وكالة الحكومة المصرية "كابماس". قد تؤدي العودة إلى التجارة القوية مع الهند إلى تخفيف العجز في مصر.
وقال «بوتوالا»: “من الناحية الاقتصادية، يسعى البلدان إلى زيادة العلاقات الثنائية من 7.26 مليار دولار إلى 12 مليار دولار.” وأضاف: “تنظر الهند إلى مصر كسوق مستهدف لصناعة الدفاع المزدهرة. وقال بوتوالا لـ TNA: "فيما يتعلق بالدفاع ، يعمل البلدان معًا في وقت تنتقل فيه الهند من مستورد دفاعي إلى مصدر.”
ووفقا لخارجية الهند والتعاون الدولي، ناقش «مودي» و«السيسي» أيضًا المواضيع المتعلقة بالأمن الغذائي ووقعا مذكرة تفاهم للتعاون في الزراعة. وباعتبارها أكبر مستورد للقمح في العالم، اتجهت مصر إلى الهند بعد الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، وارتفعت الواردات الزراعية من الهند في السنوات الأخيرة.
هو الأخر، من جهته، قال «كبير تانيجا»، الزميل في مؤسسة "أوبسيرفر" للأبحاث ومقرها دلهي: “إن الهند تتطلع نحو مصر لتجديد الصادرات الزراعية. عندما دخل حصار البحر الأسود حيز التنفيذ، وجدت الهند مصر كسوق قابلة للحياة لمنتجاتها الزراعية.”
بالإضافة إلى التجارة الثنائية المباشرة مع مصر، تتطلع الهند إلى فرصة للعمل مع مصر لتحسين روابط بنيتها التحتية مع الأسواق الأوروبية وتسخير طرقها عبر قناة السويس.
في هذا الصدد، قال «كولومبو»: “البنية التحتية هي أحد الموضوعات الرئيسية قيد المناقشة. إن مصر في موقع استراتيجي لأنها تمتلك قناة السويس وتحتاج الهند إلى تحسين روابط بنيتها التحتية لتحسين التجارة مع أوروبا. يمر أكثر من 12 في المائة من التجارة العالمية عبر قناة السويس، وأصبحت القناة التي يبلغ طولها 193 كيلومترًا أكثر أهمية بشكل متزايد منذ حصار البحر الأسود العام الماضي.”
من جهته، ختم الخبير الهندي بالشؤون الاستراتيجية المصرية الهندية، «بوتوالا»، قائلًا بأن “مصر شريك مهم لموقعها الاستراتيجي. وقال: "إنها تتصل بإفريقيا وآسيا وأوروبا مما يجعلها ضرورية للتجارة والاستثمار حيث تحاول الهند زيادة تواجدها في غرب آسيا وأفريقيا.”