معسكرات الاعتقال الإيطالية الفاشية المنسية في ليبيا - الإيطالية نيوز

معسكرات الاعتقال الإيطالية الفاشية المنسية في ليبيا

 الإيطالية نيوز، الثلاثاء 4 لوليو 2023 - في 30 أغسطس 2008، وقّعت إيطاليا وليبيا معاهدة الصداقة والتعاون والشراكة، منهيةً ماضيهما المحرج من الخلاف والتوتر الدبلوماسي حول استعمار إيطاليا لليبيا من 1911 إلى 1943. كانت ليبيا تسعى للحصول على تعويضات، والاعتراف بمعاناة شعبها، وقبل كل شيء، تقديم اعتذار. لكن، كما هو الحال مع جميع القوى الاستعمارية السابقة، حاولت روما لسنوات إغلاق الأمر من دون تقديم أي شيء. كان من الممكن أن تكون المعاهدة، التي كانت نجاحًا لليبيا، قد أنهت الصراع السياسي والدبلوماسي على الماضي الاستعماري، لكنها لن تمحوه من التاريخ وذاكرة الناس.


جاءت فكرة غزو ليبيا خلال الاندفاع الاستعماري الذي شهد قيام قوى استعمارية كبرى مثل فرنسا والمملكة المتحدة ودول أخرى بتقسيم ممتلكات الإمبراطورية العثمانية المحتضرة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب أوروبا نفسها. كانت ليبيا جزءًا من تلك الإمبراطورية، وقريبة جدًا من إيطاليا عبر البحر الأبيض المتوسط، وقبل كل شيء، كان الليبيون يفتقرون إلى الوسائل الفعالة للدفاع عن النفس بعد أن غادرت الحامية العسكرية العثمانية البلاد.


أعطى صعود الحزب الجمهوري الفاشي إلى السلطة، بقيادة «بِنيطو موسّوليني» (Benito Mussolini) في عام 1922، احتلال ليبيا بعدًا آخر من الحنين إلى الماضي، حيث آمن الفاشيون بشدة بالفكرة الخادعة بأن إيطاليا الحديثة كانت الوريث الشرعي للإمبراطورية الرومانية، وبالتالي فهم كانوا مسؤولين عن استعادة ممتلكات الإمبراطورية القديمة. سبب آخر جعل ليبيا أكثر جاذبية لإيطاليا الفاشية هو حقيقة أن إيطاليا، التي اتحدت قبل 50 عامًا فقط، أصبحت مكتظة وكان مزارعوها، خاصة في الجنوب، حريصين على امتلاك الأراضي التي تمتلك ليبيا الكثير منها. كما اعتاد «موسّوليني» على تسمية ليبيا بـ "الشاطئ الرابع لروما".


اعتقد الإيطاليون أن الاستيلاء على ليبيا لن يستغرق أكثر من بضعة أيام رحلة بحرية وسيتم غزو البلاد بأكملها. ومع ذلك، بمجرّد أن حاولت القوات البرمائية الأولى الهبوط على شواطئ طرابلس في عام 1911، واجهت مقاومة شديدة من السكّان المحليين، الذين سارعوا للدفاع عن بلادهم بالقليل من الموارد المتاحة لديهم.


مع زيادة أعداد الغزاة وتوسيع وجودهم، تحوّلت المقاومة إلى تكتيكات جديدة، باستخدام تكتيكات حرب العصابات المتمثّلة في الكر والفر. لقد أدرك الليبيون، الذين كانوا أقل عددًا وعتادًا، ومعظمهم من البدو والرعاة، أن المواجهة المباشرة مع أحد الجيوش الأكثر حداثة في ذلك الوقت كانت انتحارية ومُدمِّرة.


بدلاً من مواجهة الجيش الإيطالي مباشرة، خاضوا معارك صغيرة إلى حد ما، معظمها في الليل. وبفضل الاستفادة من معرفتهم التفصيلية للأرض وجغرافيتها، تمكن المجاهدون من جعل الحياة صعبة على الجيش الإيطالي أينما حل. هنا بدأ الجيش الإيطالي في استخدام أساليب حرب لم يسمع بها من قبل  في مواجهة عدو شبح يقاتل على ظهور الخيل.


على سبيل المثال، كانت إيطاليا أول دولة تستخدم الحرب الجوية، وأصبحت ليبيا أول دولة تتعرض للقصف من الجو. وصف طيار إيطالي يدعى الملازم «جوليو غافوتّي» (Giulio Gavotti)، في رسالة إلى والده، كيف ألقى القنبلة الأولى على معسكر عربي [ليبي] في نوفمبر 1911، بعد شهر واحد فقط من الغزو. كتب الطيار الشاب "اليوم قررت أن أحاول إلقاء قنابل من الطائرة"، قبل أن يشير إلى أنها كانت "المرة الأولى التي نحاول فيها [الجيش الإيطالي] هذا، وإذا نجحت، فسأكون سعيدًا حقًا بأن أكون أول شخص يفعل ذلك."


نجح الطيار «غافوتّي» بالفعل في إلقاء أول قنبلة على الإطلاق من طائرة، مستهلًا عصر الحرب الجوية لأول مرة في تاريخ البشرية. كتب "وبعد فترة وجيزة، أستطيع أن أرى سحابة مظلمة صغيرة في وسط المخيم" في "عين زارة"، اليوم بلدة، ولكن في ذلك الوقت كانت مجرد واحة جنوب شرق طرابلس. أصبحت "عين زارة" أول مكان على وجه الأرض يتم قصفه من الجو. لم يدرك الطيار الإيطالي ما فعله للتو ولم يكن لديه أي فكرة عما فعلته قنبلته بالناس  على الأرض، ومعظمهم من المدنيين. عاد إلى القاعدة، غارقًا في نجاحه في ضرب "الهدف" وذهب مباشرة ليبلغ الجنرال «كانيفا» بأنه سجل اسمه في التاريخ كأول شخص يقصف هدفًا من الجو. وكان «كارلو كانيفا» (Carlo Caneva) أول قائد إيطالي يعلن أن "طرابلس ستكون إيطالية"، حيث شنت قواته أولى الهجمات على ليبيا. قاد المراحل الوحشية السابقة للغزو قبل أن يتم استبداله لاحقًا بالجنرال القاسي «رودولفو غراتسياني» (Rodolfo Graziani) في عام 1930.


في العام نفسه، سمح «بِنيطو موسّوليني» للجيش الإيطالي ، لأول مرة، باستخدام "خردل الكبريت" لإخضاع الليبيين. قصف تشكيلات مقاتلين وقرى مدنية يشتبه في دعمها للمجاهدين من الجو لكن هذه المرة باستخدام الغازات السامة والمتفجرات. في عشرينيات القرن الماضي، اشتدت المقاومة الليبية، لا سيما في شرق ليبيا مع بروز «عمر المختار»، السبعيني الذي عانى من الشيخوخة وآلام الظهر المزمنة، وأصبح القائد الوطني للمجاهدين ضد الاحتلال الإيطالي الفاشي.


أجبر هذا الجنرال «غراتسياني» على العودة إلى استخدام العقاب الجماعي ضد مجتمعات مدنية بأكملها من خلال إجبارهم على الالتحاق بمعسكرات الاعتقال عبر شرق ليبيا. في وقت من الأوقات، كان هناك نحو 16 مخيماً مختلفاً في صحراء "سرت" وشرقاً أبعد منها آلاف المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن والشباب، أُجبروا على العيش مع حيواناتهم في أراضي صحراوية محاطة بأسلاك شائكة وحراسة حولها على مدار الساعة بواسطة جنود مسلحين.


على الرغم من هذه الوحشية ، قاتل المختار وزملاؤه لمدة 20 عامًا ، حتى تم القبض عليه في 11 سبتمبر 1931 ، بعد إصابته في قرية تسمى سلونتا ، جنوب بلدة البيضاء في منطقة الجبل الأخضر شرق ليبيا.


وبعد محاكمة سريعة، حُكم عليه بالإعدام شنقًا في 16 سبتمبر. أُجبر مئات المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، على مشاهدة المختار يُشنق في معسكر الاعتقال "سلوق"، أحد أكثر المعسكرات شهرة في جنوب غرب بنغازي. من خلال تنظيم مثل هذا العرض الشنيع، أرادت السلطات الإيطالية ترويع الليبيين الذين قد يفكرون في السير على خطاه ومحاربتهم.


ليبيا الحديثة، قبل غزو الناتو عام 2011

 اعتادت ليبيا الحديثة، قبل غزو الناتو عام 2011، على إحياء ذكرى 16 سبتمبر كيوم حداد وطني لتذكر «المختار» وتذكير الأجيال الشابة بما حدث في ليبيا، قبل عقود. لكن ليبيا الجديدة نسيت يوم الحداد، بينما لم يتم ذكر معسكرات الاعتقال الفاشية أبدًا خارج الدوائر الأكاديمية.