هنا يتعلق الأمر بـ «ريشي سوناك» (Rishi Sunak)، وهو من أبوين من أصل هندي هاجرا إلى بريطانيا من شرق إفريقيا، وأصبح رئيس وزراء البلاد على الأقل. في حين أن الأخرى، وهي «سويلا برافرمان» (Suella Braverman)، وزيرة الداخلية ، لديها أبوين من أصل هندي هاجرا من "موريشيوس" وكينيا على التوالي. وُلدت زوجة «سوناك» في الهند، وزوج «برافرمان»، على الرغم من ولادته في المملكة المتحدة، فهو يهودي مهاجر.
مع هذه الخلفيات الخاصة، وحتى كسياسيين من حزب المحافظين، يُتوقع منهما أن يكونا أكثر تقديرًا للمهاجرين ومساهمتهم في المملكة المتحدة، وأن يظهرا المزيد من اللطف مع أولئك الذين يلتمسون اللجوء بدلاً من إرسالهما إلى رواندا القاتمة كعقاب لهم على الهروب من الحروب والصراعات والكوارث الطبيعية والعوز.
ليس فقط السياسات المناهضة للمهاجرين التي ينفذها «سوناك» و«برافرمان» هي التي تسبب الحيرة، ولكن الخطب اللاذعة السامة ضد الأشخاص الذين يسعون للوصول إلى سواحل المملكة المتحدة والذين قد يكونون في يوم من الأيام ناجحين مثلهما.
للأسف، لا يكتفيان بالإشارة إلى المهاجرين بسخرية، ناهيك عن وصف طالبي اللجوء بأنهم "غزاة"، لكن ليس لديهما مقاربة منطقية أو واقعية لهذه القضية. من المؤكد أن رئيس الوزراء ووزير داخليته ليسا الوحيدين اللذين يكون موقفهما من الهجرة مدفوعًا برد فعل كراهية للأجانب وليس استجابة مدروسة قائمة على الحقائق. ومن ثم، عندما نشر مكتب الإحصاءات الوطنية مؤخرًا أرقام الهجرة الصافية للعام الماضي، والتي كشفت أن صافي الهجرة إلى المملكة المتحدة قد ارتفع من 488.000 في عام 2021 إلى 606.000 في عام 2022، انتشر الذعر بين المحافظين. هل هذه الأرقام حقيقية أو مُضخَّمة لبلوغ هدف ما؟، يمكن طرح هذا التساؤل لأنهم يملكون حقوق الطبع والنشر لخلق هذا الجو الكاره للأجانب الذي يصور الهجرة والمهاجرين على أنهم تهديد للبلاد، مع العلم أنهم كانوا في السلطة ووعدوا مرارًا وتكرارًا على مدى السنوات الـ 13 الماضية بتخفيض الأرقام بشكل كبير، ولكن فشلوا مرارًا وتكرارًا في القيام بذلك: من الواضح الآن أنه ليس لديهم أي دليل على كيفية تحقيق هذا الهدف.
وعلى نقيض ذلك، هناك أدلة كثيرة على أهمية مساهمة المهاجرين في كل مناحي الحياة في المملكة المتحدة، وهو الشيء الذي لا يضعه «سوناك» و«برافرمان» بعين الاعتبار أو كجوهر لمنهجهما المتعلق بإدارة الهجرة بطريقة سليمة، وهذا لا يعني أنه لا توجد حاجة إلى نهج معقول ومدروس للهجرة، أو لا يوجد أحد يقترح حدودًا مفتوحة تمامًا، وبالتأكيد ليس غلق الحدود بإحكام. والأهم من ذلك، هناك حاجة إلى سياسة تقوم على الحقائق، سياسة تتجاهل المشاعر المعادية للمهاجرين من أجل النهوض بالمهن السياسية أو استرضاء شرائح معينة في وسائل الإعلام. أفضل مكان للبدء هو تحليل الأرقام التي نشرها مكتب الإحصاء الوطني إلى الأجزاء المكونة له. بادئ ذي بدء، تعتبر الهجرة ظاهرة عالمية تحدث لمجموعة من الأسباب، بما في ذلك الأسباب الاقتصادية والإنسانية والتعليمية والثقافية.
ثم هناك شريحة كبيرة جدًا من الأشخاص الذين يصلون إلى شواطئ المملكة المتحدة والذين على الرغم من تصنيفهم كمهاجرين يأتون إلى هنا للدراسة، مع تصريح إقامة محدد المدة. يجب أن تشجع المملكة المتحدة على القدوم إلى هذا العدد من السكان، لأنهم يمثلون الخبز والزبدة التي تدعم الأكاديميات البريطانية ذات التصنيف العالي والتي مع ذلك محرومة من الأموال العامة الكافية، وتشير التقديرات إلى أن مساهمتهم تعزز الاقتصاد البريطاني بمقدار 41.9 مليار جنيه إسترليني سنويًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن هؤلاء الطلاب، إذا بقوا، يساهمون في الاقتصاد والمجتمع، وإذا تركوا فإنهم يظلون، من خلال الشبكات والصداقات التي يشكلونها أثناء دراستهم، مصدرًا رئيسيًا للقوة الناعمة. لذا، فإن تقييد إقامتهم بعد الانتهاء من دراستهم، أو منع أسرهم من الانضمام إليهم، أمر غير مفيد، متعصب وقصير النظر.
لا يزال المجتمع البريطاني واحدًا من أكثر المجتمعات تسامحًا في العالم ولديه تقليد الترحيب بالناس من الخارج سواء على المدى القصير أو الطويل ؛ لكن الروح الشريرة لبريكست وكراهية الأجانب التي يشجع عليها لم يتم وأدها بعد. قد يساعد تشويه سمعة المهاجرين على أنهم غزاة ومستغلون في تسجيل بعض النقاط الرخيصة في التجمعات اليمينية مثل المؤتمر الوطني للمحافظة، لكن الاستطلاع بعد الاستطلاع يوضح أن الجمهور البريطاني يتبنى مواقف إيجابية للغاية اتجاه الهجرة مقارنة بمعظم البلدان، وخاصة في إيمانه بأن الهجرة تعزز التنوع الثقافي.