تتصارع الدول الكبرى للهيمنة عليها، لأن أوراسيا موطن الدول الأقدر سياسياً والأكثر دينامية في العالم. فالدول الست التي تلي الولايات المتحدة الأميركية في ضخامة الاقتصاد وحجم الانفاق على التسلح العسكري تقع فيها.
وتطورت الإستراتيجية الروسية منذ استلام الرئيس "فلاديمير بوتين" الرئاسة عام 2000، إلى استحداث دولة روسيا العظمى عن طريق التكامل مع الجمهوريات السوفييتية السابقة، وبالدرجة الأولى الأقاليم التي ينطق أهاليها باللغة الروسية مثل القرم وأوكرانيا الشرقية، كما ظَهرت النظرية الأوراسيانية لإنشاء الإتحاد الأوراسي "ضمن أوراسيا الكبرى" بعد مقترح رئيس كازخستان "سلطان نزارباييف" في 3 يونيو 1994، بإنشائها كمؤسسة ما فوق قومية، وأُنشِأت في 29 مايو 2014 بين روسيا وبيلاروسيا وكازخستان، وانضمت لاحقاً كل من قيرغيزستان وأرمينيا.
ولكن الولايات المتحدة الأميركية تنظر إلى أن جوهر الجيواستراتيجيا الأميركية في دول جنوب القوقاز وفي الفضاء ما بعد الإتحاد السوفييتي والذي صاغه بشكل كامل "زبيغينيو بريجنسكي" مستشار الأمن القومي في عهد "جيمي كارتر" على النحو التالي: "إن المهمة الأولى في أوراسيا غير المستقرة هي أنه يجب خلق الظروف حتى لا تتمكن أي دولة بمفردها أو مجموعة دول مجتمعين من التضييق على الولايات المتحدة الأميركية، أو حتى التقليل من دورها الحاسم". لأجل ذلك كانت أميركا تضع العراقيل وتجُرّ الإتحاد السوفييتي وروسيا بعدها إلى حروب لإلهائها وعدم استقرارها.
كانت أفغانستان في العهد السوفييتي هي الشوكة التي تمنعها من الإستقرار. أما سورية .. فقد عَرف "بوتين والإستراتيجيون الروس، أن من يسيطر على سورية باعتبارها قلب المشرق العربي، يسيطر على كل الشرق ومنطقة أوراسيا، وتدرك روسيا أن من يسيطر على سورية يسيطر على الممر الإستراتيجي لجلّ الشرق الاوسط وبالتالي يتحكم ويسيطر على كلّ أوراسيا العظمى وآسيا الوسطى وأوراسيا الروسية، وأنّ تخلّي روسيا عن الرئيس السوري "بشار الأسد" سيعني أنها تكتب بنفسها شهادة وفاتها ووفاة العالم المتعدد الأقطاب وموت فكرة السيطرة الأورراسية.
أما أوكرانيا ، وهي المربع الجديد والمهم في رقعة الشطرنج الأوراسية، فهي أحد المحاور الجيوبوليتيكية، فمجرد وجودها كدولة مستقلة يساعد في تغيير وضع روسيا. فبدون أوكرانيا لا تعود روسيا إمبراطورية أوراسية.
وقد أدّى انهيار القوة العظمى السوفياتية والإنفجار الروسي من الداخل إلى نشوء الظروف المؤاتية من وقف سباق التسلح بين الولايات المتحدة وروسيا. حيث حَدَث تقدم حقيقي في البداية، فموّلت أميركا برنامج "نون – لوغار" لتوحيد الترسانات النووية السوفياتية ضمن الأراضي الروسية، واكتمل في سنة 1996، وبذلك تم تجنّب بروز أوكرانيا التي ورثت من الإتحاد السوفييتي القدرة النويية التي جعلتها تحتل المرتبة الثالثة في العالم، إلّا أن قيادة البلاد قَبِلت من دون شروط عَرْض الولايات المتحدة الأميركية بنزع السلاح النووي.
المهم لدى أميركا، أن لا يظهر أي متحدٍّ أوراسي، قادر على السيطرة على أوراسيا وبالتالي يكون قادراً على تحدّي أميركا، فهي تجر أوروبا وروسيا إلى حرب – لن تكون نووية – تجعلهما غير مستقرتين وغير مؤهلتين للسيطرة على الزعامة الأوراسية. سورية وأوكرانيا - برأي - إحدى الأسباب لخلق عدم استقرار لكلٍّ من روسيا وأوروبا من أجل السيطرة على أوراسيا.
وعلينا ترقّب الصين - المنافس القوي – بإلهائه بأمور تجعله أيضاً غير مستقر مثل "فيروس كورونا" وغيره، إضافة إلى إيران التي يشيطنها الإعلام الغربي.
برأي أميركا أنه لا يجب أن تتفق روسيا والصين وتركيا وإيران، ولكنه يحدث اليوم. هذا هو تموضع أحجار رقعة الشطرنج الأوراسية