الإيطالية نيوز، الأحد 31 يوليو 2022 - عندما بدأت الدول العربية، الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب في إقامة علاقات مع إسرائيل على مدى السنوات القليلة الماضية ولانت لخصمها القديم، اعتبرها الكثيرون بداية حقبة جديدة.
وفي بعض النواحي، كان الأمر كذلك: يمكن أن تتدفق التجارة الآن بشكل علني بين دول المنطقة، ويمكن للعالم العربي أن يستفيد بشكل أكبر من التكنولوجيا وبرامج التجسس الإسرائيلية.
فيما عدا الأمور لم تَسر بالكامل وفقًا للخطة الإسرائيلية. قبل أسابيع من زيارة الرئيس الأمريكي «جو بايدن» إلى الشرق الأوسط في وقت سابق من هذا الشهر، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي عن تشكيل تحالف إقليمي مع الدول العربية، فيما يُزعم أنه "حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط". تحت هذه اللافتة، سينسّق الحلفاء الجدد للدفاع عن بعضهم البعض ضد ما يسمونه بالنفوذ والعدوان الإيراني، وقيادة الهجوم المضاد.
على عكس آمال تل أبيب في وجود محور عربي إسرائيلي موحَّد ضد إيران، بدأت الشقوق في التحالف الناشئ تظهر وتثبت للقيادة الإسرائيلية وحلفائها الغربيين أن القضية ليست سوداء وبيضاء.
هذا الشهر، أدلى عدد من الدول العربية بتصريحات أو تحركات للإشارة إلى أنها ليست معارضة مباشرة لإيران، حيث أنكر الأردن أن تكون طهران تشكل تهديدًا للأمن القومي، وصرّح المستشار الرئاسي الإماراتي «أنور قرقاش» بأن الإمارات سترسل سفيراً إلى دولة إيران وأنها ضد محور مناهض لإيران. يأتي ذلك على الرغم من محاربة عمّان لتجار المخدرات المدعومين من إيران على طول حدودها مع سوريا، واعترافت أبو ظبي بمخاوفها بشأن برنامج إيران النووي.
وحافظت عُمان أيضًا على علاقاتها مع إيران وسعت إلى توسيعها، وأجرى مسؤولون مصريون وإيرانيون محادثات سرية في العاصمة العُمانية "مسقط" الشهر الماضي. حتى المملكة العربية السعودية، العدو الرئيسي لإيران منذ فترة طويلة، تواصل الانغماس في المحادثات مع جارتها عبر الخليج. أما دول المنطقة الواقعة تحت النفوذ الإيراني - سوريا والعراق ولبنان - ليس لديها بالطبع أي تطلعات لمعارضة طهران.
ليس هناك شك في أن معظم العالم العربي معني بإيران على مستوى ما، لا سيما فيما يتعلق بطموحاتها النووية المزعومة، لكنهم جميعًا ينظرون إلى البلاد وقيادتها بشكل مختلف من خلال منظور وجهات نظرهم أو أهدافهم في السياسة الخارجية. فبينما ينظر البعض إلى طهران بحذر وعداوة، ينظر إليها آخرون إما بفرصة أو بحياد.
اعتقاد إسرائيل والولايات المتحدة بأنهما سيكونان على استعداد للالتزام بلا شك بهيكل عسكري إقليمي جديد تمامًا مخصص لمحاربة العدو الإيراني كان بمثابة تعميم وسوء تقدير منذ البداية.
ربما يكون أفضل تلخيص لوجهة نظر الدول العربية اتجاه إيران - أو رغبتها في ذلك - هو خطاب ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» في طهران في افتتاح قمة جدة للأمن والتنمية الأسبوع الماضي. ودعا إيران كدولة مجاورة نشترك معها في الروابط الدينية والثقافية إلى التعاون مع دول المنطقة لتكون جزءًا من هذه الرؤية، من خلال التمسك بمبادئ الشرعية الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والوفاء بالتزاماتها فى هذا الصدد".
وتشكك الدول العربية في المنطقة في فكرة إنشاء حلف شمال الأطلسي أو التحالف العسكري العربي الإسرائيلي لسبب واضح وهو أن مثل هذا المشروع سيمثل مستوى خطيرًا من التصعيد في وقت يكون فيه غير ضروري وغير مبرر، ولكونه يفتقر إلى التطبيق العملي في سياق الوضع الحالي، حيث لا توجد حاجة ملحة للدول العربية - ولا سيما دول "مجلس التعاون الخليجي" (GCC) - لشن أي هجوم أو دفاع ضد إيران، لأنها لا تشكل تهديدا حقيفيا، أو تصنع ظروفا ملحة تهدد وجود دول أخرى مجاورة على الرغم من التوترات الإقليمية المستمرة.
وكما ذكر الصحفي المصري «سليمان جودة» في عموده في صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية هذا الشهر، فإن فكرة المشروع كانت في الأساس فكرة إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدة، بأجنداتها الخاصة التي لم تتلاقى بالكامل مع مصالح الدول العربية. وكتب «جودة»: "كانت هذه الفكرة في جميع مراحلها أشبه بنبتة اقتلعها شخص ما وحاول زرعها في تربة أجنبية، وفي كل مرة كانت تذبل وتموت".
وأوضح «سليمان جودة» أن "الدول التي أعلنت صراحة رفضها [مبادرة] الناتو العربي لم تفعل ذلك من منطلق الرغبة في التعبير عن دعمها لإيران لا سمح الله، ولكن إيمانا منها بأن المشكلة الإيرانية لا يمكن حلها إلا عبر الحوار، وليس من خلال الحرب أو المواجهة. ومن خلال رفضهم العلني لهذه المبادرة، نقلوا إلى حكومة المرشد [الأعلى] الإيراني أنه ينبغي لها أن تأخذ في الاعتبار نهجهم العقلاني في علاقاتهم مع إيران وأنهم يتوقعون منها أن تتخذ نهجا مماثلا. وبالتالي، فإن اقتراح تحالف إقليمي يشبه حلف الناتو ضد إيران، أصبح "ميتًا".
وأضاف: "هناك أيضًا احتمال أن الدول العربية - سواء تلك التي تعترف بإسرائيل أو تلك التي يُعتقد أنها على وشك القيام بذلك - قد لا تثق بالكامل بعد في دعم تل أبيب وواشنطن بما يكفي للمخاطرة بأي تصعيد أو مواجهة خطيرة مع طهران. قبل كل شيء، إذا أراد المرء حقًا مقارنة آفاق وفعالية هذا التحالف الشرق أوسطي مع حلف الناتو، فإن الاختلاف الأكبر هو أن الأخير موحد إلى حد كبير في رؤيته بينما الأول ليس كذلك. تنظر جميع الدول الأعضاء في الناتو إلى روسيا باعتبارها العدو المشترك، أو على الأقل خصمًا مزعجًا، بينما ليست كل الدول العربية موحدة ضد "التهديد الإيراني".
ستدرك إسرائيل والولايات المتحدة قريبًا أن العلاقات الدافئة بين الدول العربية تجاه تل أبيب لا تُترجم بالضرورة إلى إرادة لمواجهة طهران، وأن الحلفاء الجدد لدولة الاحتلال يعملون على مستوى من البراغماتية - وإن كانوا في غير محلها غالبًا - مما دفعهم إلى إقامة علاقات معها في المقام الأول.