كان التراجع المستمر للعملة الأوروبية الموحدة منذ انطلاق الحرب الروسية على أوكرانيا من عدة علامات على تجدد المخاوف الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، والتي انعكست أيضًا في تذبذب الأسهم والسندات وإشارات التحذير الوامضة وانخفاض أسعار النفط بشكل حاد.
ارتفع مؤشر S&P 500 بشكل طفيف اليوم الثلاثاء، متعافيًا من انزلاق أعمق بكثير في وقت سابق من اليوم. كما انخفض العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات، وهو مقياس مهم لتكاليف الاقتراض، إلى ما دون عائد العامين، والذي تم تداوله عند نحو %2.8.
في هذا الصدد، رفع الاقتصاديون مؤخرًا احتمالية حدوث ركود في توقعاتهم. من هذه، شهدت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة أكبر زيادة لها منذ عام 1994، وبلغ التضخم أعلى مستوياته منذ 40 عامًا، وسجلت الأسواق المالية أرقامًا قياسية قاتمة في النصف الأول من العام. أما في أوروبا، يلقي اضطراب صناعة الطاقة والحرب في أوكرانيا بثقلهما على المنطقة. سجلت ألمانيا أول عجز تجاري شهري لها منذ عام 1991. علاوة على ذلك، من المتوقع أن تؤدّي ضغوط سلسلة التوريد إلى إبطاء أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، والذي يعتمد بشكل كبير على الصادرات، وقد يتسبّب في حدوث ركود.
وكتبت «دانييلا أوردونيز» من "أكسفورد إيكونوميكس" في مذكرة اليوم الثلاثاء حول اقتصاد منطقة اليورو: "بشكل عام، نعتقد أن التوقعات تتدهور بشكل حاد".
ظهرت علامة أخرى على القلق بشأن النمو العالمي في أسعار النفط. هبط "خام برنت"، المعيار الدولي، إلى أكثر من 9 بالمئة اليوم الثلاثاء، أي إلى 103 دولارات للبرميل، وهو أكبر انخفاض يومي له منذ مارس. كما انخفض أيضا "خام غرب تكساس الوسيط"، وهو المعيار الأمريكي، بنفس القدر تقريبًا، حيث انخفض إلى أقل من 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ مايو.
من ناحية أخرى، أدى انخفاض اليورو إلى قيمة أكثر بقليل أمام الدولار، حيث تم تداول يورو واحد مقابل نحو 1.027 دولار، وهو أدنى مستوى له منذ عام 2002. في تعليق على هذا الانهيار المأساوي للعملة الأوروبية، قال العديد من المحللين إنها مسألة وقت فقط قبل أن يصل اليورو إلى سعر صرف واحد لواحد مع الدولار، حيث تكافح الاقتصادات الأوروبية مع ارتفاع التضخم والاضطرابات العمالية والاضطرابات في أسواق الطاقة. بشأن هذا، قال «جو كوينلان»، رئيس إستراتيجية السوق في "بنك ميريل" و"بنك أوف أمريكا" الخاص: "إن أوروبا هي الحلقة الأضعف في الاقتصاد العالمي". وأضاف، مشيرا إلى اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي، :"إنهم في مرمى نيران الحرب وأزمة الطاقة."
كانت روسيا تقيّد بثبات إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا الغربية، والتي وصفها مسؤولون ألمان بأنها هجوم اقتصادي انتقاما من العقوبات والدعم العسكري لأوكرانيا، مما يزيد من شبح تقنين الغاز إذا ساءت الأمور. بعد ذلك، هذا الأسبوع، دخل عمال الطاقة في النرويج، وهي مورد مهم آخر للغاز في أوروبا، في إضراب للاحتجاج على الرواتب، مما أدى إلى تقييد الإمدادات بشكل أكبر ورفع أسعار الغاز.
وكتب في تقرير يوم الثلاثاء أن "أزمة القوة" المحتملة دفعت جوردان روتشستر (Jordan Rochester)، محلل العملات في نومورا للأوراق المالية، إلى التنبؤ بأن اليورو سيصل إلى مستوى التكافؤ مع الدولار بحلول أغسطس، مع تعرض قاعدة التصنيع الألمانية الكبيرة للخطر بشكل خاص. وللتحكم في التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوياته منذ إنشاء اليورو في عام 1999، من المتوقع أن يرفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ أكثر من عقد في اجتماعه هذا الشهر. ولكن مع سواد التوقعات الاقتصادية لمنطقة اليورو، يشعر المستثمرون بالقلق لأن، وفقًا لهم، البنك المركزي الأوروبي تأخر كثيرًا في عمليات الإنقاذ، وقد لا يكون لديه متسع من الوقت لرفع أسعار الفائدة قبل أن يجبره الركود على تغيير مساره. كما أن هناك تنبؤات متزايدة بأن اقتصاد منطقة اليورو قد ينزلق إلى الركود الخطير، الذي يجبر المواطنين على النزول إلى الشوارع للاحتجاج على رفع الأسعار بوتيرة مستمرة، خاصة إذا استمرت إمدادات الطاقة في التعطل.
من المتوقع أيضا أن يظل الاحتياطي الفيدرالي أكثر جرأة في رفع أسعار الفائدة حيث يحاول تهدئة النمو الاقتصادي وكبح جماح التضخم، ما يجعل امتلاك الأصول المقومة بالدولار أكثر جاذبية من تلك الموجودة في اليورو، علاوة على المخاوف بشأن آفاق اقتصاد منطقة اليورو. حتى الآن العقوبات المفروضة على روسيا تعود بالضرر على الغرب أولا، ثم على الولايات المتحدة بشكل طفيف.
في هذا الصدد، قال السيد «كوينلان» "إن تراجع اليورو يجعل الواردات أكثر تكلفة للأفراد والشركات في 19 دولة تستخدم العملة، مما يزيد من مشاكل المنطقة التضخمية. هذا يقلل أيضًا من قيمة المبيعات الأوروبية للشركات الأمريكية، ويقدم "متغيرًا آخر يجب أن يكون المستثمرون على دراية به فيما يتعلق بالجانب السلبي للأرباح".