الإيطالية نيوز، الإثنين 4 يوليو 2022 - كان شتاء 2021 ساخنا كالمعتاد بالشوارع التونسية، احتجاجات و اعتصامات بالجملة، مناوشات و مصادمات مع قوات البوليس االذي تعسف في استعمال القوة تجاه المتظاهرين. سياسة اعتمدها هشام المشيشي رئيس الحكومة التونسية آنذاك لقمع كل التحركات الاجتماعية التي كانت تطالب برحيله، تعمقت الأزمة أكثر فأكثر مع تدهور الوضع الصحي فيما يتعلق بموجة الكورونا حيث عاشت البلاد التونسية أزمة صحية حادة انطلقت بنقص الأكسجين في المستشفيات و اسرة الإنعاش، الى غياب تام للتلاقيح و التلاعب به. مرحلة تواصلت الى دخول شهر جويلية 2021 لنصل الى يوم الحسم و هو 25 يوليو الموافق لإحياء ذكرى الشهيد «محمد البراهمي»، حيث دعا عدد كبير من المواطنين بصفة تلقائية على مواقع التواصل الاجتماعي الى الخروج أمام البرلمان التونسي للمطالبة بحله و إسقاط حكومة «هشام المشيشي».
25 يوليو بين مؤيد و معارض
توافد المواطنون من كل الجهات التونسية أمام البرلمان بباردو محتجين على ما أسموه سياسة الموت التي انتهجتها الحكومة التونسية في التعامل مع موجة الكوفيد. تحرك اعتبرته بعض الأحزاب على غرار حزب العمال التونسي تحركا مشبوها و ممولا من جهات أجنبية في حين دعمته أحزاب أخرى ومنظمات وطنية معتبرة هذا التحرك دعوة سلمية لتصحيح المسار والتخلص من منظومة فاشلة , توج هذا التحرك الذي شمل عدد من الولايات على غرار "صفاقس" و"قابس" و "توزر" ... بقرار من رئيس الجمهورية أعلن فيه حل حكومة «هشام المشيشي» وتجميد عمل البرلمان وفقا لمقتضيات الفصل 80 من دستور 2014 . تأويل هذا الفصل اعتبرته أغلب الأطراف السياسية في تونس و على رأسهم حزب حركة النهضة انقلابا على الدستور في الوقت الذي لقي هذا القرار ترحابا كبير لدى المواطنيين، الذين خرجوا الى الشوارع محتفلين بهذا الموقف.
في المقابل واصل «سعيّد» ما بدأه في 25 جويلية و أعلن عن حل الازمة الصحية التي ضربت البلاد جراء موجة فيروس كورونا، ليتم تنظيم حملات تلقيح وطنية مكثفة بكامل تراب الجمهورية شملت القرى والأرياف وأشرف عليها الجيش الوطني في أغلب المناطق، حتى يتسنى لجميع المواطنين التلقيح ضد فيروس كورونا .
تواصل هذا المسار بقرارات من رئيس الجمهورية على رأسها الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 مرسوم أعلن من خلاله الرئيس على جملة من القرارات أهمهما الغاء العمل بدستور 2014 عدا الباب الأول و الثاني و مواصلة تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة على نوابه . هذا الأمر الذي اعتبره «سعيّد» حجر الأساس لمواصلة المسار السياسي الجديد اعتبره معارضوه من أطراف سياسية مختلفة بداية التوغل و التعسف في استعمال السلطة لينظم حراك مواطنون ضد الانقلاب عديد المسيرات و التحركات الاحتجاجية بتونس العاصمة وأمام مجلس النواب بـ "باردو".
مراسيم و قرارات حاسمة
تعددت الأوامر و المراسيم الصادرة عن رئيس الجمهورية لتشمل عدة قطاعات حساسة في الدولة و أهمها السلطة القضائية والتي اعتبرها «سعيّد» مربط الفرس لتحقيق العدالة وضمان حسن تطبيق القانون، لتتوجه بهذا النيابة العمومية الى القاضي «بشير العكرمي» وتفرض عليه الإقامة الجبرية على خلفية العديد من ملفات الفساد في مطلعهم ملف الشهيدين «شكري بلعيد» و«محمد البراهمي» والذي يعتبر فيه «بشير العكرمي» المتورط رقم 1 في إخفاء الأدلة وتعطيل سير العدالة.
لم نقف حد هذا القرار، فقد أصدر رئيس الجمهورية يوم 13 فبراير 2022 مرسوما (المرسوم عدد 11 المؤرخ في 12 فبراير 2022) يقضي من خلاله بحل المجلس الأعلى للقضاء معتبرا أن هذا الحل هو اللبنة الأولى في التخلص من قضاء فاسد باعتباره مسيسا و يخدم مصالح أطراف سياسية معينة بعيدا عن الصالح العام، و بناء قضاء مستقل، ليكون بعد ذلك مجلسا أعلى للقضاء بأعضاء جدد تم اختيارهم من قبل رئيس الجمهورية. قرار تقبله عدد كبير من القضاة بالرفض ليتم تنظيم وقفات احتجاجية وإضرابات تندد بهذا المرسوم معتبرين ذلك تدخلا واضحا في السلطة القضائية و مساس للعدالة.
وجدير بالذكر أن هذا القرار قد سبقه عدد من الاحتجاجات والمسيرات التي نددت بحل المجلس الأعلى للقضاء والتي انطلقت منذ 6 فبراير 2022 للتواصل بدعوة من هيئة الدفاع عن الشهيدين «شكري بلعيد» و «محمد البراهمي» الى تاريخ إعلان الحل.
لم يكتف «قيس سعيّد» بحل المجلس الأعلى للقضاء وإنما واصل عملية التخلص من بقايا ما قبل 25 يوليو في عديد المؤسسات والهياكل التابعة للدولة، و تواصل معه استدعاءات النيابة العمومية لعدد هام من السياسيين السابقين على رأسهم «نورالدين البحيري»، القيادي بحركة النهضة، والذي سبق أن شغل مهمة وزير عدل في حكومة "الترويكا" ليتم تنفيذ قرار الإقامة الجبرية ضده بأحد المنازل التابعة للدولة، ثم ليتم نقله لإحدى مستشفيات ولاية "بنزرت" بعد تعكر حالته الصحية.
و بموجب الأمر عدد 516 قام «قيس سعيّد» بعزل 57 قاضي ورفع الحصانة عنهم وعلى رأسهم «بشير العكرمي» و«الطيب راشد»، الرئيس السابق لمحكمة التعقيب، و«سفيان السليطي»، الناطق الرسمي السابق باسم المحكمة الابتدائية بتونس وقطب الإرهاب، ليعلن القضاة من خلال هياكلهم النقابية و جمعية القضاة الدخول في اضراب عام في جميع المحاكم و دخول عدد من القضاة في اضراب جوع مفتوح. وجدير بالذكر أن هناك أنباء عن صدور قائمة عزل جديدة تضم 100 قاض اخرفي الأيام القادمة.
وشملت هذه القرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، إذ أقيل رئيسها السيد «نبيل بفون» بأمر رئاسي ليتم تعيين السيد «فاروق بوعسكر». اعتبر «نبيل بفون» هذا العزل بمثابة سيطرة على الهيئة، إذ يقضي المرسوم أن للرئيس وحده الحق تعيين وتغيير أعضائها و هو مس من مصداقية أي انتخابات قادمة.
اختتمت هذه القرارات و المراسيم و الايقافات المتعددة لمختلف مكونات النظام السياسي السابق بقرار من رئيس الجمهورية بإالغاء العمل بدستور يناير 2014 والإعلان عن يوم 25 يوليو 2022 تاريخا للإستفتاء الشعب على مشروع الدستور الجديد وإعلان 17 ديسمبر 2022تاريخ الانتخابات التشريعية. قرار لم يستصغه أغلب الأطراف السياسية، على رأسها "حركة النهضة" التي اعتبرت هذا القرار تتويجا لعملية الانقلاب على الشرعية.
الخطوة قبل الأخيرة في مسار 25 يوليو
أعلن «قيس سعيّد» عن اصدرا المرسوم عدد 30 لسنة 2022 في فصله الثاني لتشكيل اللجنة الاستشارية التي يرأسها العميد «الصادق بلعيد» وعدد من الأحزاب و الشخصيات السياسية المساندة لمسار 25 يوليو وعدد من المنظمات الوطنية و الهيئات على غرار عمادة المحاميين، و التي ستتولى وفق هذا الفصل صياغة مقترح دستور الجمهورية الثالثة لتقدمه الى رئيس الجمهورية.
هيئة غاب عنها الاتحاد العام التونسي للشغل بعد أن أعلن الاضراب في القطاع العام للمطالبة بالنهوض بالوضع الاقتصادي للقطاع.
انطلقت الهيئة برئاسة الأستاذ الصادق بلعيد في صياغة مشروع الدستور، ليكون تاريخ 30 يونيو 2022 تاريخ اصدار النسخة النهائية بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وهي النسخة التي سيتم الاستفتاء عليها ب"نعم" أو "لا".
بتاريخ 30 يونيو 2022 صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية النسخة النهائية للدستور ليفتح باب الجدل و التأويل حول فصوله، بين من اقتنع ببعض من أبوابه و رفض البعض الاخر، وبين التأييد المطلق و الرفض المطلق يبقى الفيصل في هذا يوم 25 يوليو 2022 تاريخ الاستفتاء على الدستور.
ولكن الجدل لم ينحصر حول فصول الدستور بل إن الشعب التونسي قد استيقظ صبيحة الاحد 3 يوليو 2022 على تصريحات نارية لرئيس اللجنة الاستشارية المكلفة بصياغة الدستور لجريدة "الصباح" التونسية و التي أعلن من خلالها أن النسخة التي قدمت للشعب لا تتطابق و النسخة التي كتبت داخل اللجنة كما أعلن «بلعيد» إلى جريدة "الصباح" في تصريح حصري أن اللجنة بريئة من هذه النسخة. لم نكتف بهذا الحد ليخرج أستاذ القانون الدستوري «أمين محفوظ» عن صمته و يدعم تصريحات «الصادق بلعيد» ويضيف في إذاعة "شمس إف إم" أن رئيس الجمهورية يمارس سياسة العقوبة الجماعية اتجاه الأحزاب السياسية في نقده للفصل الذي يمنع الجمع بين عضوية المجلس النيابي ومهنة أخرى.
وبالعودة الى تصريحات «الصادق بلعيد» رئيس اللجنة بجريدة لومند فإنه يعتبر أن "مشروع «سعيد» يميل الى إستبداد السلطة و أن هناك خطر إقامة نوع من الديكتاتورية في البلاد لصالح الرئيس الحالي" وأمام هذه المواقف الغير متوقعة ممن ساندوا مسار 25 جويلية نشاهد في الجانب الاخر من الصورة انطلاق الحملة التفسيرية للدستور من قبل أنصار قيس سعيد عشية أمس بمنطقة حمام الشط الا ان هذه الحملة شهدت غيابا يكاد يكون تاما للمواطنيين. في المقابل فقد انطلق معارضو الاستفتاء في حملتهم بدعم التصويت بـ "لا" على الدستور من خلال شبكات التواصل الاجتماعي ومن خلال حملة "قاطع".