هل الحملة الشعبية ضد «أخنوش» تدفعه إلى الاستقالة أو إلى إعادة "تربية" منتقديه؟ - الإيطالية نيوز

هل الحملة الشعبية ضد «أخنوش» تدفعه إلى الاستقالة أو إلى إعادة "تربية" منتقديه؟

 الإيطالية نيوز، السبت 30 يوليو 2022 - يشهد المغرب منذ أسابيع حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب برحيل رئيس الوزراء «عزيز أخنوش»، بسبب الارتفاع الكبير والمستمر في أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك المحروقات.


بلغ العدد الإجمالي لمن شاركوا "الهاشتاغ" الذي يطالب برحيل رئيس الوزراء وخفض أسعار الوقود أكثر من 4.5 مليون حساب على مواقع التواصل الاجتماعي.


وفي مواجهة الحكومة، التي يعتبرها المواطنون الغاضبون حكومة "كراكيز" وعدم عناد رئيس الوزراء، الذي هدد ، في مناسبة سابقة، بإعادة "تربية المقاطعين لمحطات البنزين التي يملكها، إلى جانب الارتفاع المستمر في الأسعار، من المرجح أن يكون للحملة تفاعل أكبر على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تتحول إلى احتجاجات في الشوارع.


ما يمنع الناس من النزول إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم هو حالة الخوف التي تسود المجتمع، إضافة إلى ما وصفه عالم الاجتماع «محمد الناجي» بـ "التواضع المذهل المصنوع من الكرامة". نشر هذا الباحث على صفحته على فيسبوك متسائلاً: "كيف يصمت المغاربة رغم كل هذا البؤس، وكيف لم تنزل الحشود بعد إلى الشوارع بقوة؟" ثم أجاب على سؤاله بالقول: "البؤس موجود داخل ملايين العائلات، ولا يمنع الكثير منهم من إظهار بؤسهم في الأماكن العامة حتى لو بكوا فيما بينهم في ستر". ويتوقع «الناجي» أن "هذا التبعية التاريخية والثقافية المروّعة  للحوف ستنهار عاجلاً أم آجلاً، وستنهار معها سدود الاستسلام والصمت، تفسح المجال لزلازل عنيفة ذات عواقب مجهولة".


نعم، هذا هو السيناريو المخيف الذي يتوقعه الكثيرون ويخشونه، لأنه إذا خرج الغضب الصامت عن السيطرة في العالم الافتراضي، فلا أحد يستطيع أن يتنبأ بحجم وقوة الغضب المعبر عنه، ولا إلى أي مدى سيستمر. الوضع الاقتصادي صعب، والوضع الاجتماعي متوتر، وحالة التوتر تتصاعد في صمت. من ناحية أخرى، لا توجد عروض سياسية مقنعة يمكن للغاضبين اللجوء إليها بحثًا عن حلول لبؤسهم.  أما الحكومة ورئيس الوزراء وأحزابها، فهم منقسمون بين "الشامتين" وفي حالة من "الغضب الفعلي" و"الصامتين" المنتظرين في خوف مما سيحدث.


على الطرف الآخر، يوجد نوعان من المعارضين: المؤسسات التي تحاول الاستفادة من "حالة الغضب" المعلنة لتسجيل نقاط صغيرة ضد الحكومة، والمعارضة الشعبية غير المنظمة، وهو ما يتجلى اليوم في فضاءات وسائل التواصل الاجتماعي.


الشعب الغاضب من التضخم وغلاء المعيشة وقزم الأجور وجه نداء الاستغاثة إلى أعلى مستوى في التسلسل الهرمي السياسي المغربي، والذي يظل العامل الحاسم في مثل هذه الظروف. لذا ترى الأغلبية تنتظر الإشارات التي قد تأتي من دائرة اتخاذ القرار الضيقة، ومن المتوقع أن يلقى الملك «محمد السادس» خطابا بمناسبة ذكرى توليه العرش في 30 يوليو ستفضح هذه الإشارات.


الخطاب الملكي لحظة مهمة على الساحة السياسية المغربية لأنه يرسم الاتجاهات الرئيسية للدولة ويتوقع الآفاق المستقبلية لسياساتها الاستراتيجية في المجالات الحيوية. توجد ثلاثة سيناريوهات ممكنة للتخفيف من حالة التوتر الشعبي واحتوائه قبل أن ينفجر ويتجاوز وسائل التواصل الاجتماعي ويصل للشوارع:

 الأول هو أن ما يطالب به مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي يتحقق، أي تنحي رئيس الوزراء، وهذا أمر غير مرجح في ظل الظروف الحالية، لأنه يظل منتخبا رغم تشكيك البعض بنزاهة العملية الانتخابية في المغرب. علاوة على ذلك، لا تزال حكومته تحتفظ بالأغلبية في مجلسي البرلمان. تظهر نتائج الانتخابات التشريعية الجزئية التي شهدتها بعض مناطق المغرب، أن الأغلبية الحكومية قد تم الحفاظ عليها رغم كل الانتقادات بشأن شفافية العمليات الانتخابية في المغرب.


وبما أن رئيس الوزراء يعينه الملك ويقيله، فليس من المرجح أن يقيله الملك من دون مبررات دستورية مقنعة، أو في ظروف استثنائية مفروضة على البلاد، وشروط ذلك غير متوفرة في الواقع المغربي اليوم.


السيناريو الثاني المحتمل هو أن يستجيب رئيس الوزراء، بناءً على أوامر الملك - حتى لا يحصل رئيس الوزراء على كل الفضل، لمطالب الشعب لتخفيف ارتفاع الأسعار، وبالتالي احتواء حالة الغضب نسبيًا. هذا هو السيناريو الأكثر واقعية، لامتصاص حالة الغضب والحفاظ على الوضع كما هو. ومع ذلك، فإن ضغوط الأزمة الاقتصادية العالمية وحالة التضخم في الاقتصاد العالمي لا تترك الكثير من السبل أمام صناع القرار المغاربة لكي يختاروا هذا النهج. وتفاقم ذلك أيضا بسبب الجفاف الشديد وندرة المياه التي تهدد المغاربة بالعطش، واندلاع العديد من الحرائق التي شردت آلاف العائلات ودمرت آلاف الهكتارات من الغابات والمزارع.


أما السيناريو الثالث، وهو السيناريو الأكثر واقعية على الإطلاق، فهو أن يبقى الوضع على ما هو عليه، وأن تظل الحكومة صامتة وغير مستجيبة أو لينة، ولا يتدخل الملك لإيجاد حلول تخفف من حالة التوتر الاجتماعي. هذا ما يحدث دائما عندما يتحدى الشعب السلطة، لأنه، كما هو معلوم،  بناءً على التقاليد السياسية المغربية، نادراً ما تُتخذ القرارات السياسية الكبرى تحت ضغط الشارع. المرة الوحيدة في التاريخ المغربي التي تغير فيها هذا الحكم العرفي كانت بمناسبة احتجاجات 2011، والتي تعتبر النسخة المغربية للربيع العربي، والتي رد عليها الملك بإعلان دستور جديد وإجراء انتخابات مبكرة. لكن الوضع اليوم يختلف عما شهدته مظاهرات 2011 التي اجتاحت المنطقة ووصلت المغرب. 


طالما أن الشارع المغربي هادئ، فإن إدارة الأزمة ستترك لوقت للقيام بعملها، ولكن إلى متى؟ هذا سؤال يصعب الإجابة عليه.