هل تتجاوز الصين والهند أزماتهما الجيوسياسية لبناء "بريكس" قوي منافس للغرب؟ - الإيطالية نيوز
Facebook social icon TikTok social icon Twitter X social icon Instagram social icon WhatsApp social icon Telegram social icon YouTube social icon

آخر الأخبار

هل تتجاوز الصين والهند أزماتهما الجيوسياسية لبناء "بريكس" قوي منافس للغرب؟

 الكاتب: حسن أمحاش

الإيطالية نيوز، الأحد 24 يوليو 2022 - في هذه السنة، أكملت مجموعة "البريكس" 13 سنوات (تأسست المجموعة في 16 يونيو 2009). يحثنا هذا المعلم البارز على إلقاء نظرة واسعة على إنجازاته وإمكاناته وقيوده. جلبت السنوات المنطلقة من 2020 العديد من المخاطر سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان. من بينها، كانت هناك أحداث مثل الحرائق الأسترالية، والأزمة الإيرانية، وتحدي الحد من التسلح، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والحرب التجارية الصينية الأمريكية المستمرة، ومؤخرًا تفشي كوفيدـ19. تزامنا مع ذلك، عجز الغرب عن حل أزمات سياسية أخرى مثل تلك التي شردت ملايين المواطنين السوريين، وتناحر القوى السياسية في ليبيا والعراق، وأزمة لبنان، البلد الذي أعلن الإفلاس، فأعقبه إفلاس دولة سريلانكا، والحرب في اليمن وأزمة الغداء فيه، واضطهاد الشعوب المسلمة في آسيا، في ميانمار والصين والهند، وأخيرا، الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى آخره من التطورات. أدت كل هذه الأحداث إلى إفقار الشعوب ودفعتهم إلى العيش في بؤس وتعاسة، إذا لم نقل بالأحرى، في جحيم.  وأبرزت، من ناحية أخرى عجز الدول الغنية المتحكمة في السياسات الدولية عن إيجاد حلول ناجعة تضمن للبشرية كرامتها على حد سواء، من دون تمييز أو إقصاء.


فشلت السلطات والمؤسسات الغربية في توفير قيادة حقيقية خلال هذه الأزمات المتعددة. في غضون ذلك، يسعى البريكس إلى تحقيق تكامل جيد للمؤسسات المتعددة الأطراف الحالية. تشكل هذه التحديات المتزايدة صعوبات جديدة للمجموعة، وتتطلب دورًا نشطًا وقيادة من الخمسة الكبار (البرازيل (B)، روسيا (R)، الهند (I)، الصين (C)، وجنوب إفريقيا (S) [BRICS]. هل هذا ممكن؟ ما هي العناصر التي تفتقر إلى ضمان قدرة دول البريكس على الاستجابة لتلك التحديات والقيادة؟ من بين هذه التحديات نسلط الضوء على الأزمات التي تفاقم الخصومة بين الصين والهند، وهي أزمات، حسب خبراء سياسيين، بمثابة الحلقة الأضعف في العمود الفقري للبريكس.


تتميز العلاقات بين نيودلهي وبكين بثلاث قضايا أساسية ولن يكون للنظام الدولي الجديد الناشئ أي تأثير كبير على أي منها. الأول هو اختلال توازن القوى بين البلدين. والثاني هو الصراع الحدودي. والثالث هو العلاقة العميقة والمتنامية بين الهند والولايات المتحدة، والتي تعتبرها بكين تهديدًا.


الخلاف الحدودي الذي لم يتم حله حتى الآن

لطالما كانت الحدود المؤقتة (والمتنازع عليها) بين الهند والصين مثالاً على كيفية قيام دولتين بإدارة حالة الصراع من دون زيادة التوترات إلى مستويات تنذر بالخطر. بين عامي 1975 و 2020 لم تقع إصابات بين عشرات الآلاف من الجنود المنتشرين على جانبي خط السيطرة الفعلي البالغ 3500 كيلومتر (كما تسمى الحدود المؤقتة). في مايو 2020، أدت ال6اشتباكات العنيفة في "منطقة الهيمالايا" المتنازع عليها (والتي لم تتضمن استخدام الأسلحة النارية) إلى مقتل 20 هنديًا وأربعة جنود صينيين على الأقل. أدى الوضع إلى حالة من الجمود المستمر. ليس من الواضح ما هو الوضع على الأرض في الوقت الحالي، لكن العديد من العناصر تشير إلى أن الصين احتلت مناطق كانت تسيطر عليها الهند في السابقيعكس الوضع الذي نشأ نزعة بكين المتزايدة لإبراز قوتها في المنطقة وعجز نيودلهي الكبير عن فعل الكثير حيال ذلك.


لقد كان موقف الهند بشأن قضية الحدود تاريخيًا شديد التعنت واستنادًا إلى حقيقة أن المنطقة المتنازع عليها بأكملها هي جزء من أراضيها السيادية وبالتالي فهي مستبعدة من أي اتفاقية تبادل إقليمي محتملة. من جانبها، طالما كان موقف بكين أكثر براغماتية، لكن التفاوت المتزايد في القوى بين البلدين يقلل من حوافز الصين للسعي إلى حل وسط لتلبية احتياجات ما تعتبره قوة ثانوية يجب أن تقبل هيمنتها. في ظل هذه الظروف ، من الصعب التنبؤ بفك الوضع أو حتى العودة إلى الوضع الراهن قبل مايو 2020. هذه التنائج حتى الآن لا تصب في مصلحة مجموعة "البريكس".


في هذا الصدد، نشرت مجلة "ريفيستا تيمبو دو موندو" - متخصصة في جمع بيانات عالمية من فترات زمنية مختلفة وتقوم بتحليلها لربط الماضي بالحاضر وتهيئة المرء لرؤية المشهد الجيوسياسي / جيواستراتيجي في المستقبل - عشرات المقالات والبحوث ذات صلة بمجموعة البريكس وناقشتها بعمق من جوانب مختلفة، لا سيما في سياق انتشار الصحة العامة وأزمة الحوكمة الاقتصادية والعالمية والتوترات التجارية والتكنولوجية بين القوتين العالميتين الرئيسيتين (الولايات المتحدة والصين).


وحسب المجلة المذكورة آنفا، على الرغم من قيام مجموعة البريكس بإضفاء الطابع المؤسسي على أدوات جديدة مهمة ء مثل التمويل من بنك التنمية الجديد (NضB) ء التي توفر بالفعل آليات استجابة مهمة، فإنها لا تزال في حاجة إلى دمج الآخرين في مجالات الطاقة والعلوم والتكنولوجيا، وكذلك إنشاء مجالات جديدة في مجالات مثل الزراعة والتنوع البيولوجي والاستجابات المشتركة للأزمات العالمية. لكن التحديات الرئيسية التي تواجهها البريكس تتمثل أساسا في حل المشاكل السيادية المتنازع عليها بين أعضائها، وخلق تعاون حقيقي لا يهدف إلى هيمنة عضو على الأخر أو جعله تابع وغير مشارك بشكل رئيسي في صنع القرارات، وتوحيد القرارات لاستئناف النمو الاقتصادي الذي يعرقله الغرب بإجراء اته التقييدية، والسعي على التغلب على أزمة الصحة العالمية.


دور دلهي المتناقض في الغرب

التبعية للولايات المتحدة، واحدة من بين المسائل التي يجب على مجموعة البريكس إيجاد حل لها. على نقيض الصين التي تتعارك اقتصاديا مع الولايات المتحدة من أجل بسط النفوذ التجاري والسيطرة على الأسواق العالمية، نجد نيودلهي تتميز بعلاقات متنامية مع واشنطن. هذا هو المجال الذي ستتأثر فيه العلاقات الصينية الهندية بشدة بالأزمة الحالية، لسببين على الأقل. أولاً، على الرغم من حقيقة أن الهند رفضت إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، تواصل الولايات المتحدة اعتبار دلهي الشريك الحاسم في مواجهة صعود الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. تنظر كل من روسيا والصين إلى "الرباعية" (QUAD) - شراكة مناهضة للصين بين الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند -بمثابة حلف "ناتو" آسيوي، تورطت فيه الهند، وتضر به الصين، العضو المشترك في مجموعة البريكس، هذا التناقض يخدم الغرب أكثر مما يخدم الهند نفسها أو البريكس.


 كما رسم نائب وزير الخارجية الصيني لي يوتشنغ تشابهًا بين غزو أوكرانيا، بسبب توسع الناتو في أوروبا الشرقية، والوضع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. في الواقع، أدت الأزمة الأوكرانية إلى مزيد من التنافس المستقطب في المنطقة من خلال تعزيز حوافز الهند والولايات المتحدة لتوطيد تعاونهما، وتلك الخاصة بالصين (وروسيا) لمواجهة احتمالية زيادة تعزيز "الرباعية" ( خاصة من الناحية العسكرية). من جانب أخر، تمتلك الهند حوافز قوية جدًا للحفاظ على علاقتها مع روسيا، التي كانت قوية جدًا تاريخيًا، وهذا يعود لأسباب جيوسياسية وعسكرية. واستغلالا لهذه العلاقة تسعى الهند إلى منع روسيا تمامًا من زيادة تعزيز العلاقات مع الصين وباكستان، والتي تمثل التهديدين الرئيسيين لأمنها القومي. هذا أيضا يعد بين الحلقات الأضعف التي يجب على مجموعة البريكس تقويتها، بإيجاد حل جذري لها.


تغييرات قليلة في الأفق؟

باختصار، لن تؤدي الأزمة الأوكرانية إلى تغييرات كبيرة في العلاقات بين الهند والصين. علاوة على ذلك، سيستمر تكاملهما الاقتصادي، على الرغم من الضغوط الحمائية الواضحة في السياسات الاقتصادية للبلدين.


نمت قيمة التجارة بين الهند والصين بنسبة %83 بين عامي 2012 و 2022، وهو اتجاه من المقرر أن يستمر من ناحية؛ ومن ناحية أخرى، فإنه يوضح الفجوة المتزايدة بين الاقتصادين: من إجمالي التجارة بين البلدين، %77 تتكون من الصادرات الصينية. هذا الخلل والاعتماد الهندي على الواردات الصينية - بما في ذلك المكونات الصناعية للقطاعات الرئيسية مثل المستحضرات الصيدلانية - عاملان آخران لضعف الهند في آسيا الخارجة من الصراع الأوكراني. لاحتواء النمو الصيني، ليس لدى نيودلهي العديد من الخيارات، بخلاف تعزيز علاقتها مع شركاء "الرباعية"والأمل في أن الصراع الذي طال أمده في أوكرانيا لا يجعل من الضروري التشكيك في الحكم الذاتي الاستراتيجي الذي اتبعته نيو دلهي بإصرار.


تم إنشاء "البريكس" من طلب ملموس لإعادة التشكيل الدولي. منذ إنشائها في عام 2009، حققت المجموعة إنجازًا رائعًا يتمثل في الجمع كل عام بين خمسة رؤساء حكومات من الدول الناشئة الرئيسية الموجودة في قارات مختلفة. شكل هذا الجهد السياسي غير المسبوق أجندة واسعة للغاية ، تزداد مع كل رئاسة مؤقتة.


في بيانهم المشترك في نوفمبر 2019 في "برازيليا"، وافقت دول البريكس الخمس على 73 فقرة من جدول أعمال واسع النطاق من الإجراءات ووحسن النوايا لشق مسار منافس للغرب، الذي تتزعمه الولايات المتحدة.


خلال قمة "برازيليا" في نوفمبر 2019، أعادوا التأكيد على الحاجة إلى مشاركة أكبر للبلدان النامية في سلاسل القيمة العالمية وفي الحوكمة العالمية. واتفقت الدول الخمس على مواصلة التعاون في مجموعة العشرين وتعزيز مصالح الأسواق الناشئة والبلدان النامية. كما ذكروا أنهم مقتنعون بأن استمرار تنفيذ الإصلاحات الهيكلية سيزيد من إمكانات النمو.


ومع ذلك، اقتصرت الإعلانات عن الإجراءات الملموسة على افتتاح المكاتب الإقليمية ل "بنك التنمية الوطني" (NDB) وأنشطته في البلدان الأعضاء. في عام 2019، تم إنشاء المكتب الإقليمي للأمريكتين في "ساو باولو"، جنبًا إلى جنب مع مكتبه الفرعي في برازيليا، وفي عام 2020 تم افتتاح مكتبين إقليميين آخرين لبنك "NDB" في روسيا والهند.