صعود "بريكس": العملاق الاقتصادي الذي يواجه الغرب - الإيطالية نيوز
Facebook social icon TikTok social icon Twitter X social icon Instagram social icon WhatsApp social icon Telegram social icon YouTube social icon

آخر الأخبار

صعود "بريكس": العملاق الاقتصادي الذي يواجه الغرب

الإيطالية نيوز، السبت 16 يوليو 2022 - كانت قمة مجموعة السبع في "إلماو"، بألمانيا، في 26-28 يونيو، وقمة الناتو في مدريد، بإسبانيا، بعد يومين، غير مجدية عمليًا من حيث توفير حلول فعلية للأزمات العالمية المستمرة - الحرب في أوكرانيا، والمجاعات التي تلوح في الأفق، و تغيرات المناخ وقضايا أخرى تهدد حياة البشر. لكنَّ فشلَ هذين الحدثين المهمّين قدَم مثالًا صارخًا على عجز الغرب، وسط الديناميكيات العالمية المتغيرة بسرعة.


كما كان الحال منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، حاول الغرب إظهار الوِحدة، على الرغم من أنه أصبح من الواضح مرارًا وتكرارًا بارزا غيابُ مثل هذه الوحدة. وبينما تدفع فرنسا وألمانيا وإيطاليا ثمناً باهظاً لأزمة الطاقة الناتجة عن الحرب، يضيف البريطاني «بوريس جونسون» الوقود إلى النار على أمل جعل بلاده وثيقة الصلة على الساحة العالمية بعد إذلال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. في ناحية أخرى، في هذه الأثناء، تستغل إدارة «بايدن» الحرب لاستعادة مصداقية واشنطن وقيادتها لحلف الناتو - خاصة بعد الولاية الكارثية لـ «دونالد ترامب»، التي كادت أن تفكك التحالف التاريخي. من جهة، تستغله لحماية مصالحها الاستراتيجية (وقف زحف الصين وروسيا)، ومن جهة أخرى، تطلع على مخططات الحلف فيما يتعلق بالصفقات العسكرية الضخمة لتلتهمها من دون الأخرين، مثلما حدث في صفقة الغواصات التي سرقتها من فرنسا بتحويل الصفقة "استرالية أمريكية".

حتى حقيقة أن العديد من البلدان الأفريقية أصبحت عرضة للمجاعات - نتيجة لانقطاع الإمدادات الغذائية القادمة من البحر الأسود وما تلاه من ارتفاع في الأسعار - لا يبدو أنها تزعج قادة بعض أغنى البلدان في العالم. لا يزالون يصرون على عدم التدخل في سوق الغذاء العالمي، على الرغم من أن الأسعار المرتفعة للغاية دفعت بالفعل عشرات الملايين من الناس إلى التدهور  إلى ما دون خط الفقر.

على الرغم من أن الغرب كان لديه القليل من المصداقية التي كان من المفروض استغلالها، فإن هوس القادة الغربيين الحالي بالإبقاء على آلاف العقوبات على روسيا، وزيادة توسع الناتو، وإلقاء المزيد من "الأسلحة الفتاكة" في أوكرانيا والحفاظ على هيمنتهم العالمية بأي ثمن، دفع مصداقيتهم تقف إلى مستوى منخفض جديد وجعلهم عرضة للسخرية، سواء من قبل مواطنيهم أو من قبل خصومهم، بالأخص مع تقديم الاستقالات.

منذ بداية حرب أوكرانيا، دافع الغرب عن نفس المعضلة "الأخلاقية" التي أثارها «جورج دبليو بوش» في بداية ما أطلق عليه "الحرب على الإرهاب". فقد أعلن في سبتمبر 2001: "إما أن تكون معنا أو مع الإرهابي". لكن الصراع الجاري بين روسيا والناتو لا يمكن اختزاله في مجرد كليشيهات بسيطة وتخدم مصالحها الذاتية. يمكن للمرء، في الواقع، أن يرغب في إنهاء الحرب، ولا يزال يعارض الأحادية الأمريكية الغربية. ومع ذلك، فإن السبب وراء نجاح الإملاءات الأمريكية في الماضي هو أنه، على عكس المناخ الجيوسياسي الحالي، تجرأ قلة على معارضة سياسات واشنطن: على سبيل المثال، نظام الشهيد «صدام حسين» ونظيره «معمر القدافي» وأخرون في أمريكا اللاتينية، بينهم «فيديل كاسترو».

لقد تغير الزمن. تبحر روسيا والصين والهند، إلى جانب العديد من البلدان الأخرى في آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، في جميع المساحات المتاحة لمواجهة الهيمنة الغربية الخانقة. لقد أوضحت هذه الدول أنها لن تشارك في عزل روسيا أو تشارك لصالح أجندة الناتو التوسعية. على العكس من ذلك، فقد اتخذوا العديد من الخطوات لتطوير بدائل للاقتصاد العالمي الذي يهيمن عليه الغرب، ولا سيما الدولار الأمريكي الذي خدم، على مدى خمسة عقود، دور سلعة، وليس عملة، في حد ذاتها. كان الأخير (الدولار الأمريكي) سلاح واشنطن الأكثر فاعلية، حيث ارتبط بالعديد من الأزمات والعقوبات التي دبرتها الولايات المتحدة، كما هو الحال في العراق وفنزويلا، من بين أمور أخرى، الجوع الجماعي.

تدرك الصين وآخرون أن الصراع الحالي لا يتعلق بأوكرانيا ضد روسيا، بل يتعلق بشيء أكثر أهمية. إذا انتصرت واشنطن وأوروبا، ودُفعت موسكو خلف "الستار الحديدي" الذي يضرب به المثل، فلن يكون أمام بكين خيارات أخرى سوى تقديم تنازلات مؤلمة للغرب الذي عاود الظهور. وهذا بدوره من شأنه أن يضع حدًا أقصى للنمو الاقتصادي العالمي للصين، ويضعف موقفها فيما يتعلق بسياسة الصين الواحدة.

الصين ليست مخطئة. على الفور تقريبًا بعد الدعم العسكري غير المحدود لحلف الناتو لأوكرانيا والحرب الاقتصادية اللاحقة على روسيا، بدأت واشنطن وحلفاؤها في تهديد الصين بشأن تايوان. كان الهدف من العديد من التصريحات الاستفزازية، إلى جانب المناورات العسكرية والزيارات رفيعة المستوى من قبل السياسيين الأمريكيين إلى "تايبيه"، هو التأكيد على هيمنة الولايات المتحدة في المحيط الهادئ.

دفع سببان رئيسيان الغرب إلى زيادة الاستثمار في نهج المواجهة الحالي ضد الصين، في وقت كان يمكن القول إنه كان من الأفضل ممارسة درجة من الدبلوماسية والتسوية. أولاً، خوف الغرب من أن بكين قد تسيء تفسير أفعالها على أنها ضعف وشكل من أشكال الاسترضاء. وثانيًا، لأن علاقة الغرب التاريخية مع الصين كانت دائمًا مبنية على التخويف، إن لم يكن الإذلال الصريح. من الاحتلال البرتغالي لـ "ماكاو" في القرن السادس عشر، إلى حروب الأفيون البريطانية في منتصف القرن التاسع عشر، إلى حرب «ترامب» التجارية على الصين، لطالما نظر الغرب إلى الصين كموضوع وليس شريكًا.

ولهذا السبب بالتحديد لم تنضم بكين إلى جوقة الإدانات الغربية لروسيا. على الرغم من أن الحرب الفعلية في أوكرانيا ليست ذات فائدة مباشرة للصين، إلا أن النتائج الجيوسياسية للحرب قد تكون حاسمة لمستقبل الصين كقوة عالمية.

وبينما يظل حلف الناتو مصراً على التوسع لإظهار متانته ووحدته، فإن النظام العالمي البديل الذي تقوده روسيا والصين هو الذي يستحق الاهتمام الجاد. وفقًا لصحيفة "فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج" الألمانية، تعمل بكين وموسكو على زيادة تطوير نادي "بريكس" للاقتصادات الناشئة الرئيسية ليكون بمثابة ثقل موازن لمجموعة الدول السبع (G7).  صُممت قمة "البريكس" الأخيرة في 23 يونيو كرسالة إلى مجموعة السبع بأن الغرب لم يعد في مقعد القيادة، وأن روسيا والصين ودول الجنوب تستعد لخوض معركة طويلة ضد الهيمنة الغربية.

في خطابه في قمة "البريكس"، اقترح الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» إنشاء "عملة احتياطي دولية على أساس سلة عملات بلداننا". حقيقة أن الروبل وحده تمكن من البقاء، بل في الواقع ازدهر، في ظل العقوبات الغربية الأخيرة، يعطي الأمل في أن عملات "البريكس" مجتمعة يمكنها في النهاية تهميش الدولار الأمريكي باعتباره العملة المهيمنة في العالم.

وبحسب ما ورد، كان الرئيس الصيني «شي جين بينغ» هو الذي طلب تغيير موعد انعقاد قمة "البريكس" من 4 يوليو إلى 23 يوليو، بحيث لا يبدو أنه رد على قمة مجموعة السبع في ألمانيا. وهذا يؤكد بشكل أكبر كيف بدأت دول "البريكس" في رؤية نفسها كمنافس مباشر لمجموعة السبع (G7). توضح حقيقة تقديم الأرجنتين وإيران لعضوية "البريكس" أيضًا أن التحالف الاقتصادي يتحول إلى كيان سياسي، في الواقع جيوسياسي.

المعركة العالمية المقبلة ربما تكون الأكثر أهمية منذ الحرب العالمية الثانية. بينما سيواصل الناتو الكفاح من أجل أهميته، ستستثمر روسيا والصين ودول أخرى في مختلف البنى التحتية الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية، على أمل خلق توازن دائم ومستدام للهيمنة الغربية. ومن المرجح أن تشكل نتيجة هذا الصراع مستقبل البشرية.