الإيطالية نيوز، الخميس 5 مايو 2022 - وفقًا لخارطة طريق الأمم المتحدة التي جرى تبنيها في نوفمبر 2020، كان ينبغي على الليبيين الإدلاء بأصواتهم لانتخاب تشريعي ورئيس في 24 ديسمبر 2021، لكن هذا لم يحدث. ي المقابل، وكإجراء احترازي، فرضت خارطة الطريق محاولة أخرى في موعد أقصاه 23 يونيو 2022، وهو ما يعني أيضًا إنهاء ولاية «عبد الحميد الدبيبة».
الشيء الذي فشلت خارطة الطريق في ترتيبه، هو الوضع الحالي: الإخفاق في إجراء انتخابات، وإقالة رئيس الوزراء، ثم التصويت على بديل من قبل البرلمان الليبي. الآن لليبيا رئيسان للوزراء، كل منهما يعزي الشرعية إلى نفسه.
ولزيادة تعقيد الأمور، صوّت مجلس النواب، في فبراير الماضي، على «فتحي باشاغا» كرئيس جديد للوزراء، ليحلَّ مكان «الدبيبة» الذي فقد الثقة البرلمانية بالفعل في سبتمبر الماضي. علاوة على ذلك، فإن مشروع القانون الذي جلب «باشاغا» ينص على خارطة طريق أخرى تدعو إلى إجراء انتخابات في غضون 14 شهرًا. يحاول مجلس النواب تهميش وسيطة الأمم المتحدة، «ستيفاني ويليامز»، التي عادت إلى البلاد في ديسمبر الماضي، كمستشارة خاصة للأمم المتحدة بشأن ليبيا لأن الأمم المتحدة فشلت حتى الآن في تعيين مبعوث جديد إلى ليبيا.
وقد رفض السيد «الدبيبة»، حتى الآن، تسليم السلطة إلى «باشاغا»، وتعهد بتسليم السلطة فقط إلى حكومة جديدة منتخَبة. من حيث الجوهر، فقد تم التصويت عليه هو و«باشاغا» من قبل نفس البرلمان، ولكن على أسس مختلفة. هذا الأخير، بعد عدم تمكنه من دخول العاصمة طرابلس، اختار إنشاء مكتبين لحكومته: أحدهما في شرق ليبيا والآخر في سبها، جنوب البلاد، لكن من دون أي سلطة.
المشكلة هنا ذات شقين: الأول، أن «الدبيبة» لا يستطيع تنظيم انتخابات من دون اتفاق مع مجلس النواب الذي يفترض أن يكون المجلس التشريعي، والثاني، أنه من المفترض أن يكون خارج المنصب منذ فترة طويلة. باختصار، مجلس النواب لن يسمح لـ «الدبيبة» بإجراء انتخابات كما وعد.
ما هو مؤكد هو أنه لن يتم إجراء أي انتخابات في الشهر المقبل، ولن يتسلّم «باشاغا» السلطة - فوضى في أفضل مظاهرها.
إذا سارت الأمور وفقًا لخارطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة، فإن ليبيا، من الناحية القانونية، ستكون، باستثناء بعض الاختلافات، صورة لنفسها في عام 2014 عندما تم تقسيمها إلى حكومتين.
لكي ينجح مجلس النواب في تولّي العملية السياسية، يجب عليه تهميش «ستيفاني ويليامز» والأمم المتحدة، وهو ما يفسر سبب طرحه لفكرة لجنة دستورية مكوَّنة من 12 عضوًا، في اتفاق نادر مع المجلس الأعلى للدولة، للاتفاق على قاعدة دستورية جديدة للانتخابات. أخذ مجلس النواب أيضًا خارطة طريق التي قدّمتها «ويليامز» بعين الاعتبار، لكنه يراها جسدا من دون روح، ويؤكد ذلك اجتماع اللجنة مؤخرًا في القاهرة من دون إحراز أي تقدم يخدم الأزمة السياسية في ليبيا.
إذا كان هذا يبدو معقَّدا ومربكا، فهو يعكس تشابك خيوط العملية السياسية برمتها في البلاد. إنه أمر محيّر حتى لليبيين المطّلعين.
كانت الفوضى والافتقار إلى التخطيط المسبق محور الأزمة الليبية بأكملها منذ اندلاعها قبل 11 عامًا، وسيكشف التدقيق عن كثب أنه كان بإمكان ليبيا تجنب الاضطرابات الحالية والفوضى التي تعيشها اليوم لو لم يقدمها ناسها للغرب ككعكة غير قابلة للاستنزاف.
وبدلاً من أن يتدخل الجيران العرب في إطار "الجامعة العربية للم شمل البيت الليبي، بادر صانعو السياسة والدبلوماسيون الغربيون من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لرسم مستقبل وردي مسموم لليبيين بمجرد الإطاحة بالراحل «معمر القذافي» من السلطة، العقبة الرئيسية أمامهم في توسيع نفوذ مصالحهم الخاصة وتنمية محاصيلهم.
بعد 11 عامًا ، ما زال على الليبيين أن يتخذوا هذا التحوّل السحري نحو المستقبل الوردي الرائع الذي وعدهم به الغرب.
بكل سذاجة، تم تلخيص الصراع بأكمله، منذ عام 2011، من قبل الأمم المتحدة والقوى الكبرى في عدم وجود أشخاص لهم رأي في حكومتهم. الحل السحري لذلك هو، ببساطة، إجراء انتخابات: بمجرد أن يدلي الليبيون بأصواتهم، سيكونون قد جعلوا ذلك التحول السحري إلى بلد مسالم ومزدهر، حيث ستكون إعادة البناء مسألة رأس مال بشري ومالي، تمتلك ليبيا وفرة فيه.
حسنًا، صوت الليبيون مرتين، الأولى في عام 2012 ثم في عام 2014، لكن في كلتا الحالتين، أنتجت الانتخابات مزيدًا من الانقسام والفوضى وفراغ السلطة، مما فتح الطريق أمام المجرمين و "الثوار" المسلحين للسيطرة على الدولة بأكملها، مما أدى إلى تغيير الدولة بأكملها وجعل سكانها، الذين يبلغ عددهم أكثر من ستة ملايين، من ذوي الحقوق والواجبات، يتحولون إلى رهائن تحت رحمة المجرمين.
والأسوأ من ذلك، أن قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، والتي تم تبني معظمها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مما يجعلها إلزامية، لم يتم تنفيذها بالكامل، ناهيك عن تعزيزها بأية إجراءات عقابية ذات مغزى لمعاقبة أولئك الذين ينتهكونها. وهذا بدوره جعل ليبيا فريسة سهلة للقوى الإقليمية والعالمية لمواصلة التدخل في شؤونها، وتحويل الصراع الداخلي إلى صراع بالوكالة بين دول أجنبية مختلفة تسعى إلى أن يكون لها رأي في مستقبل ليبيا.