أوروبا وأزمة أوكرانيا: الفن الدبلوماسي يواجه أزمة غير مسبوقة - الإيطالية نيوز

أوروبا وأزمة أوكرانيا: الفن الدبلوماسي يواجه أزمة غير مسبوقة

الإيطالية نيوز، الأربعاء 30 مارس 2022 - الأزمة اتجاه أوروبا الشرقية هي أسوأ أزمة حدثت منذ نهاية الحرب الباردة. ذهب فن الدبلوماسية الذي اتسمت به السنوات التي أعقبت عام 1989، بسقوط جدار برلين، بفضل نهج السياسة الخارجية للرئيس السابق للاتحاد السوفييتي «ميخائيل غورباتشوف» (Michail Gorbačëv)، نحو الفشل.


لا يبدو أن التوترات التي نشأت على طول الحدود الشرقية لأوروبا، بين روسيا والأراضي الأوكرانية، تهدأ على الرغم من تبني المجتمع الدولي خيارات دبلوماسية على طريق الحوار والتعاون السلمي، وهو الطريق الذي لم يسفر حتى الآن عن النتائج المرجوة.


الأزمة الحالية تفاقمت بسب الولايات المتحدة التي تتحكم في الناتو وتدفعه إلى التمدد نحو الحدود المباشرة لروسيا الاتحادية. هنا تتحول اللعبة السياسية الباردة إلى بركان غضب يعلو صوته مع دوي الأسلحة القاتلة، ويعلو معها أيضا بكاء الأطفال والعواجيز في أوكرانيا، بينما تواصل واشنطن وروسيا شد الحبل الحقيقي لهذه الأزمة. من جهة تدعو واشنطن إلى انسحاب فوري للجنود الروس من أوكرانيا وإبعاد العربات العسكرية عن الحدود، ومن جهة أخرى، تصر روسيا على مواصلة العملية حتى تبلغ جميع أهدافها التي لم تنجح  تنجح في تحقيقها وديا مع إدارة «فولوديمير زيلينسكي».


أظهرت الأزمة الأوكرانية الروسية محدودية الدبلوماسية، أي عدم القدرة على إحلال السلام والاستقرار في المنطقة. تم إجراء عدة محاولات من قبل القادة السياسيين الأوروبيين، لكن محاولاتهم دائما ما انتهت في طريق مسدود. لذا فمن المشروع التساؤل عن المدى الذي يمكن أن يصل إليه النفوذ الأوروبي في حل النزاعات الدولية. أوكرانيا هي "الدولة العازلة" بين روسيا والاتحاد الأوروبي، كمحاور أساسي للتوسط بين عالمين.


أوروبا واتفاقية التعاون

منذ نشأتهما ككيانين جديدين، أدرك كل من روسيا والاتحاد الأوروبي أنهما أصبحا شريكين استراتيجيين مهمين ويجب دعم هذا الارتباط بأداة نموذجية في مجال العلاقات الدولية. في عام 1994 توصلا إلى توقيع اتفاقية الشراكة والتعاون، التي دخلت حيز التنفيذ بعد ثلاث سنوات، في عام 1997، وهو القانون الأول الذي وضع قواعد جديدة لتنظيم العلاقات الأوروبية الروسية. كان البلد الشرقي في وضع اقتصادي وسياسي واجتماعي مأساوي، مع إمكانية ملموسة لتفكك الاتحاد الروسي.


كان الارتباط بين الممثلين غير متكافئ. سعت روسيا الضعيفة والمضطربة للغاية للحصول على الدعم الاقتصادي والسياسي من الاتحاد، الذي أكد من جانبه على ثقل القيم الديمقراطية ووقف، مرة أخرى، كما علّم التاريخ الماضي، كنموذج مرجعي في جميع مجالات المعرفة.


بالفعل منذ عام 1991، أظهر المجتمع الأوروبي رغبته في الانفتاح مع روسيا من خلال الموافقة على برنامج (TACIS)، وهو خطة استثمار تقنية ومالية مع مدة من  1991 إلى 2001، تهدف إلى دعم الشريك في طريقه نحو اقتصاد السوق ومجتمع أكثر ديمقراطية، بالإضافة إلى  إعادة هيكلة حقيقية للنظام بأكمله، مع تحديث الشركات العامة والخاصة. وعلى الرغم من هذه المحاولات الطموحة، إلا أن النتيجة النهائية لم تكن كما كان متوقعا، نظرا لافتقارها إلى نظام متين وقوي في حل الخلافات.


في أعقاب الحزم المختلفة التي تم وضعها لمساعدة روسيا اقتصاديًا، بما في ذلك برنامج المعونة الغذائية، وافق المجلس الأوروبي في 4 يونيو 1999 على استراتيجية حقيقية للاتحاد المشترك بشأن روسيا، مع التركيز على الدور المركزي لاتفاقية الشراكة، وهي رمز جوهر العلاقات بهدف إنشاء منطقة تجارة حرة.


ظلت الأهداف الرئيسية للشراكات الأوروبية الروسية دائمًا تلك المرتبطة بترسيخ الديمقراطية وسيادة القانون والمؤسسات العامة في روسيا، مع الاندماج في الإطار الاقتصادي والاجتماعي، والتعاون في مختلف القطاعات من الأمن إلى إدارة الموارد البيئية ومكافحة الجريمة. في القمة الأخيرة في "هلسنكي"، عرض «بوتين» استراتيجية روسيا الجديدة اتجاه الاتحاد، ردًا على السوابق التي نفذتها أوروبا.


في المرحلة الحالية من العلاقات، يجب على الاتحاد بالوسائل الدبلوماسية بامتياز وهي الاتفاقية الدولية، أن يركز على إعادة الحوار مع روسيا، وفرض قواعد جديدة لتنظيمه. في الواقع، توقفت عملية المراجعة منذ عام 2009 بسبب الأزمات العديدة التي حدثت، ولاحقًا مع أزمة 2014 التي أدت إلى ضم شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي.


الدبلوماسية الأوروبية على مفترق طرق

ليس لغزا أن الدبلوماسية في القرن الحادي والعشرين قد وصلت إلى حدودها القصوى، وغير قادرة على إدارة العلاقات بين مختلف اللاعبين العالميين. الحروب الحالية مثال واضح. تبني أوروبا علاقاتها مع دول الشرق على سياسات التعاون والشراكة التي لم يكن لها تأثير إيجابي. في الواقع، لم يتم تجديد اتفاقية الشراكة التي انتهت في عام 2007.


توجد عناصر مختلفة من الاحتكاك والمواجهة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، بما في ذلك الانتهاكات المرتكبة لحقوق الإنسان والديمقراطية. في عدة مناسبات، طبقت بروكسل النظام الكلاسيكي للعقوبات الاقتصادية، والذي لم يؤد إلى نتيجة ملموسة من جانب الدولة المعنية. في الواقع، قد يبدو، في ضوء الأحداث، أن الكرملين قد تعمد تجنب الاستجابة لنظام العقوبات، وتحويل انتباهه إلى قضايا أخرى ذات أهمية حيوية لسياسته، بما في ذلك التركيز على أوكرانيا. يبدو أن العقوبات تلحق الضرر بالطرف المعني (الاتحاد الأوروبب والولايات المتحدة)، وليس الطرف الخاضع للعقوبات (روسيا).


إذا كان "فن الدبلوماسية"، كعنوان لكتاب «كيسنجر»، لم يفعل الكثير لتهدئة الروح المعنوية لزعيم الكرملين، في سباقه الجريء لمتابعة مشروع أوراسيا الكبرى، وتوسيع حدوده في شكل إمبريالية جديدة، مثلما كان في السابق مع سياسة الاتحاد السوفيتي، يجب على بروكسل (عاصمة الاتحاد الأوروبي ومقره) إعادة التفكير في سياساتها.


يجب أن تتحلى أوروبا بالشجاعة والبصيرة للنظر على المدى الطويل لتكون قادرة على حل المشاكل المستقبلية، وليست غير مستعدة، فهي بحاجة إلى بناء أسس متينة لـ "السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي" (CFSP)، أي  مشتركة بين جميع الدول الأعضاء بما تحمله العبارة من معنى، وليس النظر إلى مصالح الأفراد. بل التحدث والتدخل بصوت واحد أوروبي من دون تأثير من أطراف خارجية (على سبيل المثال، الولايات المتحدة).


لبدء هذا المشروع، يجب أن يكون العنصر الأساسي هو بناء سياسة دفاع مشتركة ووجود جيش مشترك حقيقي يعمل على حماية حدود أراضي المجتمع والسيطرة عليها. ليس من السهل دائمًا أن تكون قادرًا على بدء حوار مع روسيا، التي تواصل سياستها القائمة على التهديدات المختلطة باستخدام أداة إمدادات الطاقة والغاز كسلاح للابتزاز.


ربما حان الوقت للتفكير في "هلسنكي 2"، على غرار تلك التي تمت صياغتها في عام 1975، والتي وضعت أسس التعاون الأمني ​​في أوروبا. منذ اندلاع الحرب الحتمية في المرحلة الحالية من العلاقات، قد يكون هذا هو الوقت المناسب لإعادة بناء الأمن المفقود على الحدود الشرقية. لكن يجب أن تكون أوروبا مستعدة لبدء سياسة جديدة. أوروبا الجريئة في خياراتها وليست تلك التي تعتمد على واشنطن.


مع اندلاع الحرب الحالية، لا تستطيع بروكسل التفكير في بدء تدخلها من خلال عقوبات أشد صرامة، لم يسبق لها مثيل في مجرى التاريخ. عقوبات ضد دولة لا تعكس المعايير الديمقراطية الأوروبية. لقد جلبت روسيا في عهد «بوتين» أوروبا إلى الحرب، لأنه تحذير واضح للغرب وخاصة للمجتمع، لإظهار أن الكرملين لا يخشى العواقب.