تؤكد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي «جان إيف لودريان» [في 8 ديسمبر] إلى الجزائر على التسهيل التدريجي للعلاقات بين البلدين. وقال الوزير الفرنسي في تصريح للصحافة بعد نهاية الاجتماع مع رئيس الجمهورية «عبد المجيد تبون»: "هذه الرحلة [إلى الجزائر] لها هدف مزدوج يتمثل في تجديد علاقة الثقة بين بلدينا، والتي تتميز باحترام سيادة كل منهما".
جرت مناقشة جميع القضايا العالقة خلال هذه الرحلة التي رافق خلالها لودريان رئيس ديوانه، والمدير المسؤول عن شؤون شمال إفريقيا، ورئيس الشؤون القنصلية والهجرة، بالإضافة إلى متعاونين آخرين.
زيارة محسوبة
بعبارة أخرى، لم تكن الزيارة مرتجلة في اللحظة الأخيرة، لكن جرى تحديد موعدها لمدة أسبوعين على الأقل. جرى الاتفاق في المؤتمر حول ليبيا الذي نظمته الإليزيه في باريس في 12 نوفمبر. ومع ذلك، فإن الأجندات السياسية التي فرضها رئيسا الدبلوماسية تعني تأجيل الاجتماع في كل مرة. هذه هي الزيارة الأولى لمسؤول فرنسي إلى الجزائر منذ الفجوة اللغوية الخطيرة التي ارتكبها الرئيس «إيمانويل ماكرون» في حق تاريخ الأمة الجزائرية، حينما هاجم الشعب والنظام واصفا قادة هذا الأخير بـ [جزء من] نظام "سياسي عسكري" يحافظ على "ريع تذكاري" حول حرب الاستقلال.
كما نفى «إيمانويل ماكرون» وجود "أمة جزائرية" قبل الاستعمار الفرنسي. وصفت الجزائر الوضع الناجم عن "هذه الملاحظات غير المسؤولة" بأنها "غير مقبولة" وقررت "الاستدعاء الفوري" لسفيرها في باريس «محمد عنتر داود» للتشاور. كما منعت التحليق فوق أراضيها على الطائرات العسكرية الفرنسية المتوجهة إلى منطقة الساحل.
غضب جزائري وندم فرنسي
بعد أيام قليلة، حاول الرئيس الفرنسي نزع فتيل الخلاف العائلي بإثارة العلاقات "الودية حقًا" مع نظيره «عبد المجيد تبون». اتخذ «ماكرون» خطوة جديدة وأعرب عن "أسفه" للجدل الذي نشأ، وقال إنه "متشبث بشدة بتطور" العلاقة الثنائية.
غير كاف إبداء الأسف، إذ ظل قادة الجزائر يضعون أصابعهم في آذانهم أمام محاولات التهدئة التي عبر عنها في تعاقب سريع رئيس الوزراء الفرنسي «جان كاستكس» (Jean Castex) ثم رئيس الدبلوماسية «لو دريان». «إيمانويل ماركون» أضر بكرامة الجزائريين.
وفي رد على الرئيس الفرنسي، قال الرئيس «تبون» في مقابلة مع الأسبوعية الألمانية "دير شبيجل": "لم نكن بشر دون البشر. لم نكن قبائل بدوية قبل أن يأتي الفرنسيون إلى الجزائر"، قبل أن يقرر بحزم أن الجزائر" لن تتخذ الخطوة الأولى" نحو استعادة العلاقات الدافئة.
كما قال رئيس الجمهورية الجزائرية، في 26 نوفمبر، للصحافة الوطنية إنه من أجل "عودة العلاقات الطبيعية" مع فرنسا، يجب على «إيمانويل ماكرون» إبداء علنا "الاحترام الكامل للدولة الجزائرية". جاءت المبادرة من الدولة الفرنسية التي أرادت إزالة "سوء التفاهم" الذي أثر بشكل خطير على العلاقة بين البلدين.
العودة إلى الاتفاق الودي والمسائل الأمنية
في اجتماع 8 ديسمبر، أعرب رئيس الدبلوماسية الفرنسية عن رغبته في العمل على إزالة العوائق وسوء التفاهم الذي قد يكون قائما بين البلدين، موضحا أنه خلال التبادلات اتفق الطرفان على استئناف بعض محاور التعاون الثنائي.
وقال «جان إيف لودريان»: "سيؤدي ذلك إلى استئناف الحوار العملياتي بين الشركاء حول قضايا الإنسان والهجرة، وأيضًا عن طريق استئناف الحوار العملياتي بشأن مكافحة الإرهاب وجهودنا المشتركة لضمان أمن بلدينا". وأظهر أيضًا "رغبته في أن يؤدي الحوار الذي نعيد إطلاقه اليوم إلى استئناف التبادلات السياسية بين حكومتينا في عام 2022".
وفيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، لا يستبعد المراقبون المطلعون على الملف الجزائري الفرنسي ذكر الأزمة القائمة حاليا بين الجزائر والمغرب. ويعتقد المراقبون أنفسهم أن لا شيء يمنع فرنسا من وضع حد للميول الصقورية المغربية وتوغل إسرائيل في منطقة تعتبرها باريس موطنها. يجب أن يتخذ هذا التخفيف الذي بدأ على هذا النحو خطوة جديدة مع عودة السفير «محمد عنتر داود» إلى باريس وإعادة فتح المجال الجوي للطائرات العسكرية الفرنسية.