لطالما كانت العلاقات بين البلدين العملاقين في شمال إفريقيا معقدة، حيث كان الصراع في الصحراء الغربية بمثابة خلفية وبدعم الجزائر لحركة الاستقلال الصحراوية لجبهة البوليساريو.
في عام 2021، تصاعد التوتر الثنائي بدرجة كبيرة عندما قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في أغسطس الماضي، وهو قرار تحاول من خلاله الجزائر، بحسب الخبراء، استعادة النفوذ الذي فقدته في الأطراف الأفريقية من منطقة الساحل خلال السنوات الأخيرة من فترة حكم الرئيس السابق «عبد العزيز بوتفليقة»، التي انطلقت من 1999 إلى 2019، سنة إقصائه على إثر حراك شعبي عارم.
يعتقد «محمد مصباح»، مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات، "أن قلق جزائر يُعزى إلى التقدم الدبلوماسي المغربي مع دول غرب إفريقيا وعودتها في 2017 إلى الاتحاد الأفريقي".
سلاح الغاز
الآن سيصل كل الغاز الجزائري إلى شبه الجزيرة عبر الخط "ميدغاز"، الأنبوب الذي يربط الجزائر مباشرة بإسبانيا، لكن قدرته (8000 مليون متر مكعب في السنة) لا تصل إلى قدرة الآخر المغلق (أكثر من 10000 مليون). وأثناء انتظار التوسع، يتعين على إسبانيا استيراد الباقي عبر ناقلات الغاز الطبيعي المسال، ما يجعل سعر الغاز أكثر تكلفة.
وفقًا للخبراء، فإن إغلاق "أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي" يؤثر أيضًا على الجزائر نفسها، التي أصبحت معتمدة على أنبوب واحد مع إسبانيا. ويعتقد «محمد مصباح» أن "خط الغاز هو تعبير رمزي عن القطيعة، لكن معه إيذاء النفس يحدث. الجزائر تؤذي نفسها لتؤذي الرباط".
التقارب مع إسرائيل والتنافس العسكري
من الأسباب التي وضعت حد للعلاقات بين الرباط والجزائر تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل في ديسمبر 2020 مقابل اعتراف أمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء. وترى الجزائر أن هذا التقارب يشكل تهديدا لأمنها القومي، وهو قلق تفاقم مع الزيارة التي قام بها إلى الرباط الشهر الماضي وزير الدفاع الإسرائيلي «بيني غانتس»، الذي وقّع مذكرة تعاون عسكري مع نظرائه المغاربة. وقال «صالح قوجيل»، رئيس مجلس الشيوخ الجزائري، في ذلك الحين ردا على زيارة «غانتس»: "عندما يزور وزير الدفاع المغرب، فإن الجزائر هي الهدف".
نشرت مؤخرا مجلة "الجيش"، وهي إحدى أجهزة الدعاية التابعة لوزارة الدفاع الجزائرية، افتتاحية ذكرت فيها أن ما يبحث عنه المغرب مع اتفاقية التعاون العسكري مع تل أبيب هو دعمه لـ "تنفيذ خطة ضم الأراضي الصحراوية ".
يقترن سياق الأزمة هذا بزيادة الإنفاق العسكري من قبل البلدين المغاربيين: زاد المغرب بنسبة %6 الإنفاق على الدفاع في موازنات 2022، وهو ما يمثل %4 من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، مقارنة بالجزائر التي تخصص %6 من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع.
احتمال المواجهة المسلحة؟
في هذا السياق، وبعد نحو شهر على مقتل ثلاثة سائقي شاحنات جزائريين في تفجير مزعوم في الصحراء نسبته السلطات الجزائرية إلى المغرب، تُثار تساؤلات حول مواجهة عسكرية محتملة بين البلدين.
«أكرم خريف»، صحفي جزائري خبير في الشؤون الأمنية، يستبعد هذا السيناريو، لأن "الجزائر ستسعى إلى وسيلة للرد ليست بالضرورة عسكرية، لكنها مدروسة ومتناسبة بشكل جيد".
ويعتقد آخرون أن التوتر بين البلدين سيستمر لفترة من الوقت، في ظل عدم وجود قنوات اتصال مباشر وغياب الوسطاء: "فشلت محاولات الوساطة التي بدأتها إسبانيا وبعض دول الخليج، لعدم وجود أدوات لفرضها على الدولتين". دولتان تفهمان بعضهما البعض"، كما يقول الخبير الجزائري.