وبحسب ما كشف عنه، في 15 نوفمبر الماضي، من قبل مسؤولين تركيين، بشرط عدم الكشف عن هويتهما، فإن زيارة «آل نهيان»، في الواقع حاكم الإمارات، ستشمل محادثات مع الرئيس التركي، «رجب طيب أردوغان»، بهدف مناقشة العلاقات الثنائية وقضايا التجارة والاستثمارات والتطورات الإقليمية.
وعلى الرغم من عدم تحديد الموعد النهائي بعد، فإن زيارة ولي العهد إلى عرش الإمارة هي جزء من صورة أوسع ترى أنقرة وأبو ظبي على استعداد لتطبيع العلاقات بينهما. جاءت الإشارة الأولى باجتماع "تاريخي"، في 19 أغسطس، بين الرئيس التركي ومستشار الأمن القومي لدولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ «طحنون بن زايد آل نهيان»، أعلن بعده «أردوغان» أن تركيا والإمارات تعملان على تحسين العلاقات بينهما، والتي كان من الممكن أن تؤدي إلى استثمارات كبيرة في الأسواق التركية. وأعقب الاجتماع محادثة هاتفية، في 30 أغسطس، بين «أردوغان» وولي عهد أبوظبي.
وفي هذا السياق، أفاد المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي، «عمر جليك» (Omer Celik)، في هذا السياق، في 15 نوفمبر، بأن الإمارات وتركيا تواصلان الحوار لتطبيع العلاقات، وأن النتائج التي تحققت حتى الآن تعتبر إيجابية. وقال «جيليك»: "هذا التقارب بين الإمارات العربية المتحدة وتركيا، وهذا التعاون المكثف لحل المشاكل، أمر إيجابي"، مضيفًا أن بلاده طورت خطة عمل شاملة تهدف إلى حل النزاعات الإقليمية. على أي حال، نظرًا للخلافات السياسية التي لا تزال عميقة، ركزت المحادثات بين أنقرة وأبو ظبي بشكل أساسي على الاقتصاد والتجارة والاستثمار، وليس على القضايا الأيديولوجية.
في هذا الصدد، استثمر الصندوق السيادي الإماراتي في شركة "جيتير" التركية الناشئة وفي منصة التجارة الإلكترونية"تْريندِيول". أخيرًا وليس آخرًا، في نوفمبر، وفقًا لتقارير من مصادر إيرانية، حدث افتتاح ممر يربط بين ميناء إمارة الشارقة وميناء مرسين التركي عبر شحنة أولى تمر عبر ميناء شهيد رجائي الإيراني. وصلت الشحنة الأولى إلى وجهتها في ثمانية أيام، ما يشير إلى أن المسار الجديد، الذي يعبر إيران، يقلل بشكل كبير من الوقت المطلوب للشحنات بين الشارقة ومرسين. قبل 11 نوفمبر، استغرق الأمر عشرين يومًا على الأقل، حيث كان يتعين على البضائع عبور مضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس قبل أن تصل إلى تركيا.
يظهر التقارب مع أنقرة، بعيدًا عن الآثار الاقتصادية والتجارية، كيف تتبنى أبوظبي نهجًا جديدًا في السياسة الخارجية، من أجل رأب الصدع في الماضي. منذ اندلاع الربيع العربي في عام 2011، كافحت الإمارات العربية المتحدة وتركيا لكسب نفوذ أكبر على رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط واتخذتا أطرافًا متعارضة في النزاعات الإقليمية، من الحرب الأهلية في ليبيا إلى القضايا ذات الصلة بالبحر المتوسط. وفي هذا الصدد، اتهمت تركيا العام الماضي الإمارات، بأنها بثت الفوضى في الشرق الأوسط من خلال تدخلها في ليبيا واليمن، وفي أزمات إقليمية أخرى. من ناحية أخرى، تعرضت أنقرة لانتقادات بسبب عملياتها العسكرية.
بالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة، يبدو أن أنقرة مستعدة لإعادة التواصل مع دول أخرى، أولاً وقبل كل شيء مصر والمملكة العربية السعودية. تم تفضيل التقارب بين تركيا ودول الخليج، من بين عوامل أخرى، من خلال حل الأزمة التي اندلعت في 5 يونيو 2017. في ذلك التاريخ، فرضت مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين حظراً دبلوماسياً واقتصادياً ولوجستياً على قطر. جاء القرار في أعقاب الاتهامات الموجهة إلى الدوحة بشأن دعمها وتمويلها لجماعات تصنفها هذه الدول العربية المتحالفة في قائمة المنظمات الإرهابية، بما في ذلك "حماس" و"حزب الله"، ودعمها لإيران، الخصم الرئيسي للرياض في المنطقة. ومنذ ذلك الحين، أغلقت الدول الأربع حدودها البحرية والبرية والجوية مع قطر. في هذا السياق، وضعت تركيا نفسها في دعم حليفها القطري. بعد ذلك، في 5يناير، قررت ما يسمى بـ "الرباعية" إنهاء الأزمة رسميًا، وورد في البيان الختامي للعلا أنهم يريدون توحيد صفوفهم لمواجهة التهديدات المشتركة، وفي مقدمتها إيران.
يرى العديد من المحللين أن تهدئة التوترات بين تركيا ودول الخليج هي محاولة من جانب أنقرة لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي تفاقمت بسبب جائحة كوفيد-19. أدت العزلة الدبلوماسية إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي للجانب التركي، فيما قاطعت معظم الشركات السعودية المنتجات التركية. خفضت المقاطعة السعودية غير الرسمية للبضائع التركية من قيمة التجارة بين البلدين بنسبة %98 وخفضت الصادرات التركية للسعودية إلى نحو 75 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021 انخفاضًا من 852 مليونًا في الفترة نفسها لعام 2020، وفقًا للبيانات التركية. لهذا السبب، يريد مسؤولو أنقرة الآن إثبات أنهم غيروا مواقفهم وأنهم يدعمون المصالحة الخليجية، التي روج لها إعلان العلا في 5 يناير الماضي. في أعقاب هذا الإعلان، أفسحت الحملات الدبلوماسية والإعلامية العدائية التي شنتها تركيا ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الطريق أمام رواية دعم المصالحة بين دول الخليج.
وذهبت تركيا في مصالحتها مع الجيران لتشمل أيضا إسرائيل. فحسب ما نشره مركز الدراسات الدولي "تْشيزي" (.Ce.S.I)، أفاد «عمر جيليك»، في الـ 14 يوليو 2021، أن تركيا وإسرائيل ستوافقان على العمل على تحسين علاقاتهما الثنائية. ظهرت هذه النية بعد مكالمة هاتفية وجهها الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» إلى رئيس الدولة الإسرائيلي الجديد «إسحاق هرتسوغ» (12 يوليو).
بالإضافة إلى تهنئة الرئيس الإسرائيلي بمنصبه الجديد، أكد «أردوغان»، حسب ما ذكرته صحيفة "الحرية" التركية، على "الأهمية الكبرى" للعلاقات التركية الإسرائيلية للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أنه على الرغم من الخلافات المختلفة في الرأي، فمن الضروري مواصلة الحوار بين البلدين بالنظر إلى الإمكانات القوية للتعاون في قطاعات مثل الطاقة والسياحة والتكنولوجيا.