رئيسة المفوضية الأوروبية تحذر دول الاتحاد من الخطر الروسي بشأن الغاز المستورد - الإيطالية نيوز

رئيسة المفوضية الأوروبية تحذر دول الاتحاد من الخطر الروسي بشأن الغاز المستورد


الإيطالية نيوز، الخميس 28 أكتوبر 2021 - يجب أن يكون دور روسيا في أزمة الغاز الحالية في أوروبا بمثابة جرس إنذار للأوروبيين الذين يفضلون التقليل من أهمية التهديد الذي يشكله نظام «فلاديمير بوتين» التعديلي. مع تزايد صعوبة إنكار حقيقة ابتزاز الطاقة الروسي، تتزايد الدعوات الآن إلى الاتحاد الأوروبي لتقليل اعتماده على روسيا وإعادة تقييم علاقته مع موسكو.


في خطاب أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ في 20 أكتوبر، حذرت رئيسة المفوضية الأوروبية «أورسولا فون دير لاين» من أن الاتحاد الأوروبي "معرَّض للخطر" لأنه يستورد حاليًا 90 في المائة من غازه، معظمه من روسيا. وصرّحت رئيس المفوضية في إشارة مبطنة إلى روسيا: "إن أوروبا اليوم تعتمد بشكل كبير على الغاز وتعتمد بشكل كبير على واردات الغاز".


وفي الوقت نفسه، في مقابلة نُشرت على نطاق واسع في نفس اليوم، اتهمت الرئيسة المشاركة لحزب الخضر الألماني «أنالينا بيربوك» موسكو بلعب "لعبة بوكر" مع إمدادات الغاز الأوروبية ودعت ألمانيا إلى مقاومة ضغوط الكرملين للمصادقة على خط أنابيب "نورد ستريم 2" الروسي المثير للجدل. وعلّقت «بربوك»، التي يشارك حزبها الخضر حاليًا في محادثات ائتلافية ثلاثية لتشكيل الحكومة الألمانية المقبلة: "لا يمكننا السماح لأنفسنا بالابتزاز" من قبل روسيا.


كما حدث تعبير عن مشاعر مماثلة في مولدوفا، حيث تجد حكومة موالية للاتحاد الأوروبي منتخَبة مؤخرًا نفسها تواجه احتمال قطع الغاز الروسي وسط ضغوط من موسكو لتقليص العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. وفي حديث له مع "بي بي سي" في 26 أكتوبر، زعم المستشار الرئاسي السابق لمولدوفا «سيرجيو توفيلات» (Sergiu Tofilat) أن الكرملين "يعاقب" سكان مولدوفا لتصويتهم ضد الحزب الموالي لروسيا في البلاد. يحاول «فلاديمير بوتين» إبقاء الدول السوفيتية السابقة ضمن منطقة نفوذ الكرملين. في مواجهة هذا السيناريو، قالت «فون دير لاين»: "لا نريد أن نبقى على ركبنا أمام موسكو. يجب أن نقول لا للابتزاز الروسي".


تعكس هذه التعليقات الصريحة القلق المتزايد بشأن استخدام الكرملين للطاقة كسلاح جيوسياسي، وهو الأمر الذي حذر منه منتقدو "نورد ستريم 2" لعدة سنوات. تشير هذه التصريحات أيضًا إلى أن صانعي السياسة الأوروبيين أصبحوا متأخرين في استيعاب حقيقة روسيا المعادية.


خلال العقدين الأولين بعد نهاية الحرب الباردة، كان التفاعل بين روسيا والغرب متوتراً في كثير من الأحيان. اتخذت العلاقة منعطفًا دراماتيكيًا نحو الأسوأ في عام 2014 عندما استولى «بوتين» على شبه جزيرة القرم وغزا شرق أوكرانيا، ما أدى إلى حقبة جديدة من العدوان الروسي المتصاعد اتجاه العالم الديمقراطي الأوسع. علاوة على ذلك، تضمنت تكتيكات موسكو كل شيء من الاغتيالات السياسية والفساد المسلح إلى حملات التضليل المنسَّقة والهجمات الإلكترونية على المؤسسات والبنية التحتية الرئيسية.


«بوتين» الآن على أعتاب انقلاب استراتيجي كبير حيث يسعى للحصول على الموافقة التنظيمية والبدء في شحن الغاز الطبيعي مباشرة إلى ألمانيا عبر خط أنابيب الغاز الجديد، "نورد ستريم 2". وهذا سيمنح موسكو نفوذاً غير مسبوق على أسواق الطاقة في القارة. والزعيم الروسي يوضح بالفعل ما سيعنيه ذلك.


اكتمل بناء "نورد ستريم 2" لكن خط الأنابيب لم يتلق بعد الموافقة الرسمية لبدء التشغيل بسبب تحديات قضائية في ألمانيا بشأن مكافحة الاحتكار والأمن القومي والأسباب البيئية. في هذا الصدد، يعتقد الكونغرس الأمريكي ومعظم قادة الاتحاد الأوروبي أن "نورد ستريم 2" هو سلاح جيوسياسي متخفٍ في شكل مشروع اقتصادي، لكن مزيجًا من المصالح التجارية الألمانية القوية والنفوذ الروسي مكن خط الأنابيب حتى الآن من التغلّب على المعارضة.


وتتعارض ملكية روسيا لمشروع نورد ستريم 2 من خلال شركة تابعة لشركة "غازبروم" مع لوائح الاتحاد الأوروبي وقد تعيق إصدار الشهادات. وبدلاً من انتظار عملية الموافقة لإصدار حكمها، تولى «بوتين» زمام الأمور بنفسه. منذ صيف 2021، رفضت روسيا تلبية الطلب المتزايد على الغاز في جميع أنحاء أوروبا. وقد أدى ذلك إلى نقص حاد في العرض، ما تسبب في ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية وأنتج نقصًا غير مسبوق في أحجام التخزين قبل موسم التدفئة في الشتاء.


على الرغم من الدعوات الموجهة لروسيا للتدخل وتخفيف أزمة الغاز في أوروبا، رفض «بوتين» ومسؤولون كبار آخرون في الكرملين عروضًا لزيادة شحنات الغاز عبر شبكة النقل الأوكرانية. وبدلاً من ذلك، صرّحوا صراحةً أنه لا يمكن تخفيف الأزمة إلا من خلال التصديق السريع لـ"نورد ستريم 2". هنا، يخشى النقّاد أنه إذا نجحت مثل هذه التكتيكات القوية وتمت الموافقة على خط الأنابيب بسرعة مع تجاوز اللوائح الألمانية والاتحاد الأوروبي، فإن «بوتين» سينجح في تشديد اجراءات سيطرته على إمدادات الغاز في أوروبا وتقويض المبادئ المستندة إلى القواعد  المنظِّمة لأسواق الطاقة في القارة.


بشكل حاسم، ستسمح شهادة "نورد ستريم 2" لروسيا أيضًا بتجاوز نظام نقل الغاز الأوكراني تمامًا. لطالما جادل معارضو "نورد ستريم 2" بأن الهدف الأساسي لخط الأنابيب غير المبرر اقتصاديًا هو إزالة اعتماد روسيا على شبكة نقل الغاز في أوكرانيا من أجل منح الكرملين يدًا أكثر حرية في حربه المختلطة ضد أوكرانيا. في حين أن ألاعيب الغاز الأخيرة لـ«بوتين» يجب أن تنبه جميع قادة الاتحاد الأوروبي إلى المخاطر التي تشكلها روسيا، يجب عليهم أيضًا تذكيرهم بأن أوكرانيا لا تزال في خطر شديد.


اندلع الصراع بين روسيا وأوكرانيا لأول مرة في عام 2014 بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي للكرملين «فيكتور يانوكوفيتش» (Viktor Yanukovych). على مدى السنوات السبع الماضية، احتلت روسيا شبه جزيرة القرم وجزءًا كبيرًا من منطقة "دونباس"، شرق أوكرانيا، حيث تواصل القوات الأوكرانية والكرملين المواجهة في مأزق دموي على طول خط أمامي بطول 400 كيلومتر.


لا تزال روسيا بعيدة عن المصالحة مع خسارة أوكرانيا، كما يتضح من المقالات العدائية للغاية التي كتبها «بوتين» نفسه والرئيس الروسي السابق «دميتري ميدفيديف» (Dmitry Medvedev). ليس هناك شك في أن موسكو تنوي إعادة أوكرانيا إلى فلك الكرملين. يجب أن يوفر التهديد الذي يلوح في الأفق الذي تشكله روسيا قوة دفع جديدة لأجندة الإصلاح المحلي المتعثرة في أوكرانيا. منذ عام 2014، كانت السلطات الأوكرانية منشغلة بإعادة بناء القوات المسلحة البالية في البلاد وتكافح من أجل استئصال الفساد في القضاء وقطاع الإعلام والطبقة السياسية ومؤسسات الدولة.


حدث عرقلة الجهود المبذولة لتحقيق اختراقات الإصلاح باستمرار من قبل تحالف قوي من الأوليغارشية والتأثيرات الروسية. كلاهما له مصلحة في إبقاء أوكرانيا فاسدة ومعطلة قدر الإمكان. ومع ذلك، مع استعداد روسيا الآن لعزل أوكرانيا عن أوروبا في قطاع الطاقة، أصبحت جهود مكافحة الفساد من أولويات الأمن القومي، إذ من دون إصلاحات، لن تتمكن أوكرانيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو الناتو.


وعلى إثر محاولات «بوتين» المكشوفة على نحو متزايد لاستخدام "الطاقة" كآداة للابتزاز، بدأ المزيد والمزيد من الأوروبيين الآن في اعتبار روسيا جارة معادية. يجب عليهم الآن التصرف بشكل حاسم للدفاع عن بلدانهم وقيمهم. ببساطة، لأن مستقبل أوروبا على المحك وعرضة للمزيد من التهديدات التي تضر بمصالحها، بالأخص من روسيا، هذه الأخيرة التي تنوي إنشاء قارة تكون فيها القوة على حق، ولم تعد القواعد تنطبق على الأقوياء. هذا يشكل تحديًا مباشرًا للمبادئ الأساسية للاتحاد الأوروبي.