الإيطالية نيوز، الإثنين 13 سبتمبر 2021 - في حين أن التداعيات طويلة المدى لما حدث في 25 يوليو، عندما قرّر الرئيس «قيس سعيّد» عزل رئيس الوزراء وتعليق الأنشطة البرلمانية لا تزال غير واضحة بالنسبة لتونس، يخشى الجيران في شمال إفريقيا ويتابعون عن كثب وباهتمام التطورات الناجمة عن قرارات رئيس دولة تونس. هذه هي الأسباب.
يعتبر حزب النهضة المهيمن في البرلمان التونسي فرعاً من جماعة الإخوان المسلمين. حافظت الجماعة الإسلامية المعتدلة على علاقات وثيقة مع قطر وتركيا. على العكس من ذلك، يُقال إن «سعيّد»، الذي بدأت رئاسته في عام 2019، يحاول دفع تونس نحو تحالف أكثر تماسكا مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر. ساهم هذا الانقسام بين الأغلبية البرلمانية والرئيس في توازن حاسم أيضًا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية التونسية.
ووفقًا لمقال لموقع "العربي الجديد"، فإن عدم الاستقرار هذا لم يبدأ مع «سعيّد»، بل قد يكون نشأ نتيجة لموقع معين لتونس في ديناميكيات المشهد الدولي.
بالنسبة لهذه الدولة الواقعة الشمال إفريقية، كان الحفاظ على موقع متوازن في الخليج عنصرًا مهمًا منذ فترة طويلة، مما سمح لها بتعميق العلاقات التجارية والاستثمارية مع جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. لطالما عارضت تونس أي سيناريو يرى أنها "تنحاز إلى جانب" في الخصومات الخليجية. خلال كل من الحصار المفروض على قطر والحرب الأهلية الليبية، عملت القيادة التونسية جاهدة للحفاظ على الحياد في النزاعات والخلافات الإقليمية. لعدة عقود، اعتبرت علاقات الحكومة التونسية مع أبو ظبي والدوحة والرياض أساسية لقيادة البلاد.
ومع ذلك، أدى استيلاء «قيس سعيّد» على السلطة، والذي فسّره الكثيرون في المنطقة العربية على أنه تحرّك مناهض للإسلاميين، ببعض الخبراء إلى الاعتقاد بأن تونس يمكن أن تبتعد عن سياسة خارجية محايدة بشكل عام.
في هذا الصدد، أشار «محمد سليمان»، الباحث في معهد الشرق الأوسط: ”حتى 25 يوليو، كانت تونس نوعًا من "المنطقة الرمادية فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية، مثل الصدع في الخليج والمأزق بين تركيا من ناحية ومصر والخليج من ناحية أخرى، في ليبيا، الشرق الأوسط. وشرق المتوسط.“ وأضاف أن ”ميل السلطة نحو الرئيس يمكن أن يخلق تصورًا مختلفًا لتونس وأن يتسبب في مسار عمل إستراتيجي تونسي مختلف في المنطقة“، مقترحًا سيناريو محتمل في المستقبل. دعونا نرى كيف يمكن لهذا التوجه أن يؤثر على جيران تونس في شمال إفريقيا.
ليبيا
من المحتمل أن تكون ليبيا الدولة العربية الأكثر تضرراً من الأزمة التونسية. لذلك يعتقد الخبراء أن حل الأزمة السياسية في تونس ضروري لمنع العملية السياسية في ليبيا من الانهيار والعودة إلى العنف. منذ الربيع العربي، ارتبط التطور الديمقراطي والأمن في ليبيا ارتباطًا وثيقًا بالتجربة الديمقراطية التونسية بعد عام 2011. ولذا يُعتقد أنه سيكون أيضًا في السنوات التالية.
قال «لودوفيكو كارلينو» (Ludovico Carlino)، المحلل في "IHS Markit"، ومقره لندن، لصحيفة "العربي الجديد"، "إن تونس، على الرغم من كل عيوب نظامها السياسي، كانت تمثل دائمًا نوعًا من نموذج الانتقال الديمقراطي السلمي". وأضاف: ”إذا فشلت هذه التجربة تمامًا، فقد يكون لها تأثير سلبي على الليبيين على تصور أن الانتخابات الديمقراطية يمكن أن تنتج حكومة وظيفية، قادرة على الاستجابة لاحتياجات الشعب، وهذا أمر بالغ الأهمية لأن ليبيا تحاول بشدة صعوبة التحضير للانتخابات العامة في 24 ديسمبر 2021.“
وأشار «كارلينو» إلى أن تأثير خطوة «سعيّد» قد تجلى بالفعل بطريقة استقطابية في ليبيا: "ّيوجد سياسيون من أمثال «خالد المشري» رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي المقرب من الإخوان المسلمين، رفضوا على الفور قرار الرئيس التونسي، واصفين إياه بانقلاب على هيئات منتخبة و"كسر في المسارات الديمقراطية"، مرددين صدى تصريحات زعيم النهضة «الغنوشي» المنتقدة والمستنكرة لقرار الرئيس التونسي. من ناحية أخرى، رحب «خليفة حفتر»، قائد الجيش الوطني الليبي، الذي حاول الإطاحة بحكومة طرابلس عام 2019، بخطوة «سعيّد»، واصفا إياها بـ "الانتفاضة ضد الإخوان المسلمين" و"إجراء مهم للقضاء على أكبر عقبات في طريق تنمية البلاد". يجادل بعض الخبراء بأن استيلاء «سعيّد» على السلطة قد يسمح للإمارات وحلفائها بالاستفادة والتأثير على الوضع الليبي، خاصة إذا اشتعل العنف.
مصر
من بين جميع دول شمال إفريقيا، كانت مصر إلى حد بعيد الدولة التي وافقت على خطوة «سعيّد» أكثر من غيرها. وبحسب «جليل حرشاوي»، الباحث في المبادرة العالمية، فإن القيادة المصرية ظلت "سعيدة حقًا" باستيلاء «سعيّد» على السلطة، والذي وصفه بأنه "انتصار خطابي وأيديولوجي وومتناغم مع سياسة القاهرة".
إن خطط الرئيس التونسي لإقامة نظام رئاسي قوي في بلاده ومعارضته القوية لحركة النهضة عناصر أساسية دفعت النظام المصري إلى دعمه. ووفقًا لصحيفة "ميدل إيست آي" ، فإن "الرئيس «عبد الفتاح السيسي» كان سيعرض على «سعيّد» كل الدعم الذي يحتاجه للانقلاب وكان «سعيّد» سيأخذه".
منذ 25 يوليو، ركزت روايات الحكومة المصرية عن أفعال «سعيّد» الأخيرة إلى حد كبير على الفوائد التي ستجلبها من حيث الأمن والاستقرار. ووصفت وسائل إعلام مصرية رئيسية «سعيّد» بأنه زعيم لعب دورًا مهمًا في محاربة الإخوان المسلمين والنهضة. يشترك «عبد الفتاح السيسي» و«قيس سعيّد» في العداء للإسلام السياسي، وكما لاحظ الخبراء، فإن وجود حكومة مناهضة للإسلاميين في السلطة في تونس يمكن أن يسمح لمصر بتعزيز موقعها الإقليمي.
الجزائر
يبدو أن المسؤولين الجزائريين قلقون بشأن تداعيات الاستيلاء على الرئاسة في تونس. تاريخيا، شعرت الجزائر كما لو أنها "الأخ الأكبر" لتونس، ما جعل العلاقات الثنائية بين البلدين مميزة لعقود عديدة. واليوم الجزائر قلقة من نفوذ فرنسا ومصر والخليج الذي يهدد ثقلها في جارتها الشمال إفريقية. إن أجندات باريس والقاهرة وأبو ظبي في المغرب العربي والساحل تزعج الحكومة الجزائرية. وتزايدت هذه المخاوف بعد قرار المغرب بالانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية في ديسمبر 2020 التي سمحت بتطبيع العلاقات الكاملة بين المغرب وإسرائيل مرورا عبر جسر اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المملكة المغربية على الصحراء الغربية المتنازع عليها أمميا.
تشعر الجزائر أن المحور الذي تقوده الإمارات بدأ في تطويقها بنجاح: «حفتر» و«سعيّد» في الشرق، والمغرب في الغرب، وفرنسا في الشمال والقوى التركية والروسية المتنامية في ساحة اللعب الخاصة بها. مع تفشي عدم الاستقرار الداخلي، تشعر الجزائر بالقلق من أن تبدأ أبو ظبي الجريئة في مضايقة المصالح الجزائرية وإثارة الميولات الانفصالية". الآن الجزائر قلقة من أنصار «سعيّد» في مصر والخليج، الذين يشككون في علاقته الخاصة مع تونس.
يخشى المسؤولون في الجزائر العاصمة من مستقبل تطيح فيه هذه الدول العربية وفرنسا بالدور الجزائري في تونس والمنطقة ككل. في هذا المنعطف، يبدو أن الجزائر تحافظ على نهج الانتظار والترقب اتجاه تونس، لا سيما فيما يتعلق بكيفية تطور العلاقات بين تونس وأبو ظبي في الأسابيع والأشهر المقبلة.
وتأمل القيادة الجزائرية أن يحتفظ «سعيّد» ببعض الاستقلالية عن الإمارات ويواصل تقليد عدم الانحياز في السياسة الخارجية. سيكون الوضع المثالي للجزائر هو أن يتوصل «سعيّد» والنهضة إلى حل وسط باتفاق لتقاسم السلطة. قد تضمن هذه النتيجة عدم ممارسة الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى ضغوطًا على تونس لتبني مواقف بشأن قضايا السياسة الخارجية التي تتعارض مع القضايا الجزائرية.
المغرب
تشعر القيادة المغربية بقلق بالغ إزاء احتمال تدهور الوضع السياسي في تونس. لذا، فإن الرباط تولي اهتماما وثيقا للأحداث التي تجري في تونس العاصمة. هناك نوع من التعددية في المشهد السياسي المغربي، لأن الحكومة تسمح حتى للإسلاميين المعتدلين، مثل "حزب العدالة والتنمية" المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، بالوجود داخل النظام الوطني.
قبل سقوطه في الانتخابات البرلمانية، امتنع رئيس الوزراء المغربي «سعد الدين العثماني»، المستقيل من أمانة حزب العدالة والتنمية عقب النكسة في انتخابات 8 سبتمبر، عن التعليق على الاستيلاء الأخير على تونس، بحجة أن مثل هذه المشاكل من اختصاص وزارة الخارجية.
في هذا الموضوع، صرحت الباحثة في مبادرة الشرق الأوسط بجامعة هارفارد «ياسمينة أبو الزهور» لصحيفة "العربي الجديد" أن "حزب العدالة والتنمية، بشكل عام، حذِر من الانحياز إلى أي طرف، على الأرجح لأنه يقود الحكومة حاليًا". ومع ذلك، فإن الفاعلين الإسلاميين الآخرين في المغرب يتصرفون بشكل مختلف. وقالت «أبو الزهور»: "انتقدت حركة التوحيد والإصلاح (MUR) والعدل والإحسان قرار «قيس سعيّد» الذي وصفوه بأنه انقلاب".
تونس، التي اعتبرها الكثيرون لسنوات "النجاح الوحيد للربيع العربي"، غارقة في أزمة سياسية واقتصادية وصحية متعددة الأوجه. ومع ذلك، فإن عجز الحكومة عن التعامل مع تهديد جائحة الفيروس التاجي، والفساد المستشري بين النخب، والظروف الاقتصادية القاسية ومجموعة من العوامل الأخرى، أدت إلى زيادة شعبية «قيس سعيّد» بين معظم المواطنين التونسيين.