يسجل التاريخ انسحاب تركيا من الاتفاقية باعتبارها المرة الأولى التي تنسحب فيها دولة من أعضاء مجلس أوروبا من اتفاقية دولية تحمي حقوق الإنسان.
ووفقًا للأمين العام لحقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية، «أنيس كالامار»، فإن هذه المبادرة "أعادت تركيا عقارب الساعة إلى الوراء عشر سنوات فيما يتعلق بحقوق المرأة".
واستمرت الأمين العام لحقوق الإنسان في شجب الوضع قائلا إن "تركيا أدارت ظهرها للنموذج المعياري لسلامة النساء والفتيات." مضيفا أن هذا الانسحاب يبعث رسالة متهورة وخطيرة إلى أولئك الذين يسيئون إليهن ويشوهونن جسديا ويقتلونهن: أنه يمكنهم الاستمرار في القيام بذلك من دون عقاب ".
من أوروبا ومن جانب المنظمات الدولية، أدان القادة السياسيون مثل الرئيس الأمريكي، «جو بايدن»، أو رئيس المفوضية الأوروبية، «أورسولا فون دير لاين»، هذا الإجراء بشدة. من ناحية أخرى، يدعي حزب العدالة والتنمية بزعامة «أردوغان» أن "الاتفاقية تقوّض الهياكل الأسرية التي تحمي المجتمع".
في هذا الصدد ، اتفقت آلاف النساء التركيات على تنظيم احتجاجات في جميع أنحاء البلاد لوقف واستنكار انسحاب أنقرة من المعاهدة.
اتفاقية اسطنبول، الموقعة في 11 مايو 2011، هي صك قانوني دولي محدد يحمي حقوق المرأة وينظم التدابير ضد أي نوع من العنف المرتكب ضد المرأة.
وبهذه الطريقة، تعترف الاتفاقية بالعنف ضد المرأة على أنه "مظهر من مظاهر الاختلال التاريخي بين النساء والرجال الذي أدى إلى التسيّد عليهن وتمييزهن، وبالتالي حرمانهن من التحرر الكامل" وتنظم باعتبارها الآلية الوحيدة القادرة على القضاء على هذا الوضع وإرساء مكانه "المساواة".
الأركان الأربعة للاتفاقية هي الوقاية والحماية والملاحقة الجنائية وتنسيق السياسات، وهي أيضا جزء من إطار شامل لمكافحة العنف ضد المرأة.
أثبتت مثل الاتفاقية فعاليتها في حماية النساء، بالإضافة إلى إتاحتها إنشاء خطوط ساخنة على مدار 24 ساعة للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي في فنلندا. إلى جانب ذلك، أدخلت العنف الجنسي القائم على الموافقة في آيسلندا والسويد واليونان وكرواتيا ومالطا والدنمارك وسلوفينيا منذ عام 2018.
بالإضافة إلى ذلك، تحمي الاتفاقية النساء والفتيات على حد سواء وتعتمد أحكامًا محددة للمهاجرين واللاجئين. وعلاوة على ذلك، فإنها تحث الحكومات على الاعتراف بالعنف ضد المرأة باعتباره "شكلاً من أشكال الاضطهاد" وسببًا يجب أخذه في الاعتبار لمنح الحماية الدولية واللجوء.
جرى التوقيع على الوثيقة من قبل 46 دولة أوروبية، منها 34 دولة فقط صدقت عليها، لذلك لا يزال هناك 12 دولة ليس لديها "الامتثال الإلزامي".
في هذا الصدد، وجّهت مفوضة حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، «دنيا مياتوفيتش»، رسالة إلى وزيري الداخلية والعدل أعربت فيها عن قلقها إزاء الانسحاب من تركيا وأعربت عن "قلقها إزاء تصاعد ظاهرة معاداة وإنكار اللواطيين من قبل بعض المسؤولين".
وانسحبت تركيا من الاتفاقية بعد تأكدت أن الانتماء إلى الاتفاقية "يجعل المثلية الجنسية أمرًا طبيعيًا" في البيوت التركية وتهديد صريح للمجتمع، في حين أن الحقيقة هي أنه لا توجد نقطة في المعاهدة تتحدث عن مجتمع اللواطين، ولكن عن حقوق أشخاص في اختيار الجنس الذي يشعرون ويؤمنون بأنه يمثلهم.
وقالت «مياتوفيتش» إن "جميع الإجراءات المنصوص عليها في اتفاقية اسطنبول تعزز الأسس والروابط الأسرية من خلال منع ومكافحة السبب الرئيسي لتدمير الأسرة، وهو العنف".
ومن المفارقات أن البلد المضيف الذي وُلدت فيه الاتفاقية ينسحب، وبالتالي يتراجع في واحدة من أهم الوثائق القانونية من حيث تنظيم العنف ضد المرأة.
في هذا السياق، في ظل غياب أرقام رسمية من الحكومة التركية، قُتلت 189 امرأة حتى الآن هذا العام بسبب العنف ضد المرأة في تركيا، بحسب منظمة "أوقفوا قتل النساء" الألمانية.
من ناحية أخرى، قدّمت بولندا خطة للانسحاب من الاتفاقية وتشجّع المحكمة الدستورية على فحص "توافقها" مع الدستور البولندي "من حيث عناصره ذات الطابع الأيديولوجي". ومن هنغاريا، طلبوا بالفعل من الحكومة عدم التصديق على الوثيقة ووصفت المحكمة الدستورية في بلغاريا الاتفاقية بأنها "تتعارض مع دستورها". علاوة على ذلك، رفضت سلوفاكيا والجمهورية التشيكية التصديق عليها. إلى جانب ذلك، فإن أذربيجان وروسيا هما الدولتان الوحيدتان العضوان في مجلس أوروبا اللتان لم توقّعا على هذه المعاهدة.