في كتابه، ضابط فرنسي سابق يعترف بحماية فرنسا لمجرمين قتلوا أكثر من مليون شخص في رواندا - الإيطالية نيوز
Facebook social icon TikTok social icon Twitter X social icon Instagram social icon WhatsApp social icon Telegram social icon YouTube social icon

آخر الأخبار

في كتابه، ضابط فرنسي سابق يعترف بحماية فرنسا لمجرمين قتلوا أكثر من مليون شخص في رواندا

 الإيطالية نيوز، السبت 3 أبريل 2021 ـ في وقت إحياء ذكرى الإبادة الجماعية للتوتسي قبل 25 عامًا، لا تزال رواندا وفرنسا تسعيان إلى توضيح بعض المناطق الرمادية من هذه المذبحة التي راح ضحيتها ما يقرب من مليون شخص، بين أبريل ويوليو 1994.


هل الحكومة الفرنسية اليوم ستغض الطرف عن الأدلة؟ ستغض الطرف عن الفرنسيين الذين ساعدوا وحموا مرتكبي الإبادة الجماعية؟ 


في السابع من أبريل، تحيي رواندا ذكرى الإبادة الجماعية للتوتسي. وعلى مدى 25 عامًا، ارتبط اسم فرنسا بالمأساة الرواندية، التي قتلت ما بين 800 ألف ومليون شخص في 100 يوم، بين 7 أبريل و 17 يوليو 1994. أسرار الجمهورية المحفوظة جيدًا تبدأ فقط في الظهور، بينها كشف الدور الذي لعبته فرنسا في مواجهة هذه الإبادة الجماعية.

بشأن هذا الموضوع المروع، كشف الضابط الفرنسي السابق «غيوم أنسيل» (Guillaume Ancel)، تفاصيل جديدة عن الدعم والمساعدة التي قدمتها بلاده لمرتكبي جرائم الحرب في رواندا وحمايتها لهم.


ورفض أنسيل الصمت عن تلك الحقبة التي شارك فيها مع رفاقه ونشر عام 2018 كتابا حمل عنوان "رواندا.. نهاية الصمت"، يروي بين صفحاته عن تجربته في ذلك البلد الأفريقي ويندد بما يقول إنّها أكاذيب دولة.

بعد خمسة وعشرين عامًا من الأحداث، تُظهر الوثائق أن المنطقة الإنسانية، التي كان يسيطر عليها الجيش الفرنسي آنذاك، قد استخدمها بعض قتلة "الهوتو" للفرار إلى "زائير" (حاليا "جمهورية الكونغو الديمقراطية") المجاورة. تكشف هذه الوثائق أيضًا عن توترات في ذلك الوقت بين "الإليزيه" ووزارة الخارجية بشأن الموقف الذي كان يجب تبنيهلكن فرنسا، باسم مصالحها عن علم، تغاضت عن حدوث إبادة جماعية ولم تتدخل بجيشها المستعمر لوضع حد لها.


وقال «غْوِيوم أَنصيل»: "أنا مندهش لأن لدينا أخيرًا بعض الضوء بعد نفق من الإنكار والأكاذيب لمدة 27 عامًا. لقد تأثرت لأن عنوان كتابي "رواندا، نهاية الصمت" أصبح حقيقة وواقعاواقع بفضل إصرار الصحفيين والباحثين والمؤرخين والقانونيين والمواطنين العاديين الذين لم يسمحوا بفرض مبرر للدولة عند فشل الدولة."


وأضاف: "أُحيي تصميم الرئيس «إيمانويل ماكرون» (Emmanuel Macron) الذي تحلّى بالشجاعة للكشف عن الحقيقة. الحقيقة هي أن الإبادة الجماعية ضد التوتسي في عام 1994 قتلت مليون شخص في رواندا، والتي ارتكبها حلفاؤنا وبدعم من الدولة الفرنسية. الحقيقة هي أن هذه كانت الإبادة الجماعية الوحيدة التي كان بإمكاننا منعها ولم نفعل ذلك. الحقيقة هي أن هذه القضية برمتها لدعم الإبادة الجماعية قد تم تحديدها وتوجيهها من قبل «فرانسوا ميتران» (François Mitterrand) ودائرته بالإليزية، والتي كان «هوبير فيدرين» (Hubert Védrine) أمينها العام والمسؤول عن عملياتها.

ماكرون خلال استقباله فنسان دوكلير رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في دور فرنسا في الإبادة الجماعية برواندا (رويترز)
خطوة حاسمة

يمثل عمل "لجنة دوكلرت" خطوة حاسمة في معرفة الجمهور بهذه الكارثة الفرنسية، التي لم يرغب في سماعها أحد من مواطنيها، ولكن لم يكن من الممكن دفنها. يحدد هذا التقرير الذي أعده «فينسينت دوكلرت» (Vincent  Duclert) المسؤولية الكبرى عن سلطة حاشية الإليزيه لـ«فرانسوا ميتران»لقد دعموا مرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا قبل وأثناء المذابح (ولا شك بعدها)، وسلموا لهم أسلحة وحمايتهم وتركوهم يفرون حتى يتمكنوا من مواصلة إلحاق الأذى بهم. لم تدرك حاشية الإليزيه قط أنها كانت خاطئة، بل والأسوأ من ذلك أنها اخترعت "وقائع كاذبة بديلة" - كجزء من  الأكاذيب الفرنسية اللانهاية لها - مثل اختراع الإبادة الجماعية الثانية بهدف وحيد هو التخفيف من مسؤوليتها على الأولى. 


مسؤولية جسيمة

خلص التقرير الرسمي إلى أن فرنسا تتحمل مسؤولية كبرى وجسيمة في جرائم الإبادة التي تعرضت لها أقلية التوتسي في رواندا عام 1994، وذلك من خلال تحالفها مع نظام الهوتو الحاكم في البلاد.


ووفق التقرير الذي قدمته لجنة من المؤرخين للرئيس «إيمانويل ماكرون»، فإن فرنسا تعمدت تقديم دعم عسكري كبير ومتواصل لرئيس رواندا آنذاك «جوفينال هابياريمانا» (Juvénal Habyarimana)، رغم سياسته العنصرية التي شجعت على ارتكاب جرائم بحق هذه الأقلية.


وقال التقرير إن فرنسا -التي تدخلت بقوة في رواندا- تتحمل "مسؤولية كبرى وجسيمة" في الأحداث التي أدت إلى الإبادة الجماعية التي تعرضت لها أقلية التوتسي، وتحدثت استنتاجات التقرير عن "ثغرة فرنسا في رواندا"، مشيرة إلى أن "لا شيء يثبت تواطؤها" في الإبادة.


وأشارت اللجنة إلى الإخفاقات الفرنسية بين 1990 و1994 عندما كان الرئيس الاشتراكي السابق «فرنسوا ميتران» في السلطة، وقالت إن فرنسا "تكيفت" مع الحكومة في رواندا في ذلك الوقت ولم تغير موقفها إلا بعد فوات الأوان.


وفي تعليقه، قال الرئيس «ماكرون» إن التقرير يمثل خطوة كبيرة إلى الأمام من أجل فهم وتحديد طبيعة الدور الذي لعبته فرنسا في هذا البلد، مؤكدا أنه يشجع على استمرار جهود البحث من أجل كشف الحقائق وحفظ الذاكرة بشأن الإبادة الجماعية في روندا.



وعلى مدار 27 عامًا، تجرأ «هوبير فيدرين» على إخبارنا بغطرسته التي لا حدود لها، أنهم تصرفوا بشكل مثالي في الإليزيه وأن هذه سياسة جيدة. وفي مواجهة تقرير «دوكلرت»، لا يزال الأمين العام السابق للإليزيه غير قادرا على الاعتراف بمسؤوليته، بل متشبت بكذبة حولها إلى حقيقة من كثر ما رددها مع نفسه أو مع الأخرين...

عن هذا الأخير، يقول «أنصيل»: "أشعر بالخجل من هذا الفاحش، لأنه لا يملك حتى الشجاعة للاعتراف بأنهم كانوا مخطئين، وأنهم فضلوا خداعنا. لذلك، أرحب بهذه الخطوة من قبل رئيس الدولة، وأرحب بتقرير «دوكلرت» هذا، والذي يعد خطوة حاسمة في هذه العملية الأساسية للاعتراف بالواقع رغم مرارته."


أسئلة يجب أن نتساءلها بشأن المستقبل

يقول الضابط الفرنسي سابقا، «غويوم أنسيل»: "لقد اجتزنا مسارًا، يجب أن نواصل الآن هذه الإرادة السياسية للبحث عن الحقيقة، إنه طريق لا نهاية له، إنه طريق الديمقراطية. تبدو الخطوات التالية واضحة، هل لا يزال يتعين علينا اتباعها واحترامها لاستعادة شرف مجتمعنا في مواجهة هذه الكارثة التي ارتكبها باسمنا حفنة من صناع القرار الفرنسيين.


استعادة كرامة فرنسا في هذه القضية الكارثية

نحن مدينون لأنفسنا أولاً وقبل كل شيء، بإيماءة سياسية، أن ندرك رسميًا أننا كنا مخطئين بشأن رواندا وأننا نأسف لذلك. هذا تكريمًا لذكرى المليون ضحية، ومعاناة الناجين وأيضًا لاستعادة كرامتنا في مواجهة الدول الأفريقية التي نظرت إلينا باشمئزاز منذ هذه الكارثة، والشركاء الأوروبيين الذين ينظرون إلينا بازدراء. وهذا يعادل خطاب «جاك شيراك» (Jacques Chirac) في "فيلديف" (Vel d’Hiv) عام 1995 حول مسؤولية فرنسا عن ترحيل اليهود من فرنسا إلى ألمانيا أثناء احتلال النازيين للبلاد: وضع حد للأكاذيب والنفي، بناء المستقبل من خلال الشعور بالارتياح لعدم الاضطرار إلى الكذب وتكريم ذكرى المليون ضحية التي لم نتمكن من منعها.


إقرار العدل

لتحقيق العدالة، حان الوقت أيضًا لمحاكمة المسؤولين عن الإبادة الجماعية "على عجل"، الذين جعلناهم يعتقدون أن فرنسا ستكون ملاذهم والذين تم استقبالهم جيدًا حتى الآن. بل إن بعضهم مُنح وضع "اللاجئ السياسي". ربما يكون أكثر من 300 منهم مختبئين على الأراضي الفرنسية وخلال هذه السنوات الثلاثين، تم التحقيق فقط في 30 قضية ... بشكل رئيسي من قبل مجموعة من المتطوعين، وجماعة الأحزاب المدنية من أجل رواندا (CPCR)، بالإضافة إلى المحققين والقضاة الذين تغمرهم الأعمال الأخرى.  والنتيجة كانت ساحقة، ففي غضون ثلاثة عقود لم تتم إدانة سوى ثلاثة منهم ولم يتضايق «هابياريمانا» أبدًا، وهو ما يرمز إلى الإفلات من العقاب على أرضنا للمتطرفين الذين قادوا إلى الإبادة الجماعية الأخيرة في القرن العشرين.


ويراهن «أنصيل» على  وزارة العدل ووزير الداخلية بأن يحشدا الآن الفرق اللازمة لتحقيق العدالة، من خلال تخصيص قطب مخصص لهذا الموضوع، ومنع استخدام فرنسا كملاذ للنازيين الأفارقة، كما كانت الأرجنتين في وقت من الأوقات لجيل آخر من النازيين.