في نهاية شهر يناير، زارت وزيرة التجارة والصناعة المصرية، «نيفين جامع»، السودان لبضعة أيام والتقت بعدد من المسؤولين السودانيين. وكشف خلال زيارته أن مصر أنهت دراسة جدوى لتشييد منطقة صناعية مصرية في السودان، وهو مشروع يهدف إلى تعزيز التعاون الصناعي والتجاري بين البلدين. وأكدت «نيفين جامع» في بيان صحفي أنه وقع الاتفاق على موقع العمل وقالت: "ننتظر الرد من الجانب السوداني".
بدأت مبادرة القاهرة في السودان عندما قام رئيس الوزراء المصري «مصطفى مدبولي»، مهندس متخصص، بزيارة البلاد في أغسطس 2020. وكانت هذه أول زيارة له للخرطوم منذ الإطاحة بالنظام السابق في 11 أبريل 2019.
وقال «محمد الشاذلي»، سفير مصر الأسبق في السودان، لصحيفة "المونيتور" إن مشروع إنشاء منطقة صناعية مصرية في السودان يخدم المصالح المشتركة للبلدين في أزمة سد النهضة. وأشار «الشاذلي» إلى حدوث تغييرات جذرية في سياسة حكومة الخرطوم منذ سقوط الرئيس «عمر البشير». وأشار المصدر الدبلوماسي إلى أن الحكومة السودانية الحالية أدركت أن تصرفات إثيوبيا بشأن سد النهضة والحدود باتت تشكل تهديدًا واضحًا للأمن القومي السوداني، ما وضع القاهرة والخرطوم في نفس الجانب ضد إثيوبيا.
كما تحاول القاهرة إنشاء خط سكة حديد يربط بين مصر والسودان. أعلن الرئيس «عبد الفتاح السيسي» عن مشروع السكة الحديد خلال زيارته للخرطوم أواخر عام 2018، لكن المشروع تعثّر عندما اندلعت الثورة في السودان في أوائل عام 2019. وفي أكتوبر 2020، استأنف وزيرا النقل المصري والسوداني مناقشة المشروع.
وأضاف «الشاذلي»، في حديث لـ "المونيتور"، أن مصر تهدف إلى تحقيق التكامل الصناعي مع السودان وربط المصالح المصرية والسودانية. كما أوضح السفير السابق ”هناك الكثير الذي يمكن تحقيقه من القاهرة والخرطوم، خاصة وأن البلدين تربطهما روابط تاريخية وجغرافية وثقافية كبيرة. على سبيل المثال، يمكن للسودان تحقيق الأمن الغذائي ليس فقط لمصر، ولكن لأفريقيا كلها.“
وحول موقف مصر الحالي من أزمة سد النهضة، قال «الشاذلي» إن القاهرة تعول على المجتمع الدولي لكسر العناد الإثيوبي. وأضاف "مصر لن تلجأ الى التهديدات أو التصعيد رغم أنها تستطيع ذلك. بل ستصر على الحوار ما دامت حقوقها المشروعة على النيل محمية. مصر تريد إثيوبيا أن تدرك مخاطر عنادها ".
في الوقت نفسه، أعرب وزير الصناعة والتجارة السوداني، «مدني عباس مدني»، عن ارتياحه لخطط إنشاء منطقة صناعية مصرية في السودان، في أول مجلس للشؤون المشتركة المصرية السودانية، بالخرطوم، في 22 يناير 2021. وقال إن المنطقة ستلبّي احتياجات الجانبين وتحفّز التجارة والصناعة السودانية وتخلق سوقًا مهمًا للمنتجات المصرية.
وقال الباحث المصري في العلاقات الدولية «محمد حامد» إن المشروع يمثل خطوة نحو توثيق العلاقات بين مصر والسودان، خاصة على المستوى الصناعي. وأشار إلى أن ”هذه نقلة نوعية في العلاقات الثنائية، تم اختبارها بشدة من قبل حكومة «عمر البشير» وجماعة الإخوان المسلمين التي استمرت 30 عاما“. وأوضح «حامد» بعد ذلك للمونيتور أن تطوير العلاقات الصناعية سيؤدي بطبيعة الحال إلى علاقات سياسية ودبلوماسية أقوى بين القاهرة والخرطوم، وسيسمح للبلدين بتشكيل جبهة صلبة ضد المناورات الإثيوبية. "يبدو أن العلاقات الثنائية تَتَعزّز على جميع المستويات، والصناعة ركيزة مهمة. وأضاف أنه ”جرى التوصل إلى أربع اتفاقيات بين الطرفين في مجالات الإسكان والتأشيرات والتداول والممتلكات.“
في هذا الصدد، أكّد «ياسر الشرقاوي»، رئيس جمعية رواد الأعمال المصريين الأفارقة، أن التقارب المصري السوداني أصبح ضروريًا وحتميًا. وقال «الشرقاوي» إن المنطقة ستسمح لمصر بتبادل الخبرة الصناعية مع السودان. وقال إن هذه التجربة ستستغل لإنعاش الصناعة والتجارة بين البلدين. وقال أيضا رئيس الجمعية إن السودان معروف بكمياته الضخمة من الثروة الحيوانية التي يمكن استغلالها لتحفيز صناعة الجلود وتجارتها، وكذلك الصناعة الزراعية الواعدة في الخرطوم، مضيفاً: "ستعمل المنطقة على تحسين فرص الاستثمار لرجال الأعمال. من جميع أنحاء أفريقيا. كما ستسهم في زيادة قدرات البلدين في مجال الصناعة والتجارة وتوفير فرص عمل للشباب الأفريقيين بشكل عام ".
كان سد النهضة مصدر توتر بين دول المنطقة منذ عام 2011، عندما بدأت إثيوبيا في تنفيذ مشروع الطاقة الكهرومائية. تشعر دولتا المصب، مصر والسودان، بالقلق من أن العمل سيحدّ من إمدادات المياه الحيوية. استمر الخلاف حتى بعد أن بدأ ملء خزّان السد الواسع الذي يبلغ ارتفاعه 145 متراً في يوليو الماضي.
وسرعان ما توقفت جولة جديدة من المحادثات بين الجيران الأفارقة الثلاثة، والتي بدأت الشهر الماضي، دون إحراز تقدم كبير. كما أن المحاولات السابقة لحل النزاع ذهبت سدى. بعد الجولة الأخيرة من الاجتماعات الافتراضية بين وزراء الخارجية والموارد المائية للدول الثلاث، اتهمت مصر وإثيوبيا حكومة الخرطوم بالتسبب في جمود جديد في المفاوضات. ومع ذلك، فإن أديس أبابا والقاهرة منقسمتان أيضًا بشأن القضايا الحاسمة المتعلقة بتشغيل السّد. موقف الحكومة المصرية هو التأكد من أن بناء السد لا يتسبب في أضرار جسيمة لدول المصب وأن يحدث ملئه بشكل تدريجي حتى لا يقلل منسوب النهر بشكل كبير. ومع ذلك، بالنسبة لإثيوبيا، يجب ملء الخزّانات الآن، خلال موسم الأمطار، ووفقًا لأديس أبابا، سيكون مشروع الطاقة الكهرومائية ضروريًا ليس فقط لدعم اقتصادها سريع النمو، ولكن أيضًا لتشجيع التنمية في المنطقة بأكملها. من جانبها، تأمل الخرطوم في أن ينظّم السد الإثيوبي الفيضانات السنوية، لكنها تخشى أن تكون أرواح الملايين من البشر "في خطر" إذا لم يجر التوصل إلى اتفاق.
ويعتبر نهر النيل، أطول نهر في العالم، هو شريان الحياة الذي يوفر المياه والكهرباء للدول العشر التي يعبرها. تتلاقى روافده الرئيسية، النيل الأبيض والنيل الأزرق، في العاصمة السودانية، الخرطوم، قبل أن تتدفق شمالًا عبر مصر لتتدفق إلى البحر الأبيض المتوسط.
من المتوقع أن يولد بناء أكبر نظام لتوليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا، والذي تبلغ تكلفته حوالي 4.6 مليار دولار، أكثر من 6000 ميجاوات من الكهرباء. في يناير، أكدت وزارة المياه والطاقة الإثيوبية أنه على الرغم من التأخيرات الأخيرة والمفاوضات المعلقة، سيبدأ تشغيل السد بالكامل في عام 2022، ما سيجعل إثيوبيا واحدة من منتجي الطاقة الرئيسيين في منطقة شرق إفريقيا.