وتقع الهند في قلب منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وكشريك تجاري ناشئ للاتحاد الأوروبي، تعمل الهند – أيضًا – على ترسيخ وضعها كمزود أمني لطرق التجارة البحرية الأساسية التي تربط آسيا بأوروبا. ونظرًا لأن الاتحاد الأوروبي بدأ، مؤخرًا، في النظر إلى ما وراء الصين، واصفًا إياها بالمنافس الاستراتيجي في عام 2019، فستكون هناك حاجة إلى شراكات جديدة يجب استغلالها و تقنينها.
في هذا السياق، تحتاج إيطاليا إلى الاستجابة بسرعة لهذا الواقع الاستراتيجي المتطور من خلال صياغة نهجها الخاص تجاه المحيطين الهندي والهادئ بشكل عام، والهند بشكل خاص. وتعدُّ إيطاليا والهند حاليًا شريكين تجاريين مهمين في قطاعات رئيسية، مثل: التمويل، وتطوير السكك الحديدية، وصناعة الأزياء، وتصنيع السيارات، حيث تمتلك شركة “فيات”FIAT-FCA الإيطالية سلسلة توريد موحدة في الهند. وفي عام 2019، بلغ حجم التجارة بين البلدين "9.52 مليار يورو"، مع بروز إيطاليا كخامس أكبر شريك تجاري للهند في الاتحاد الأوروبي، بينما من المتوقع أن يصل الاستثمار الأجنبي المباشر الإيطالي إلى الهند إلى "ملياري يورو" فعام 2020.
وفي قطاع الدفاع، أُقيمت اتصالات بين شركة بناء السفن الإيطالية المملوكة للدولة ”فينكانتيري” (Fincantieri) ونظيرتها الهندية “كوتشين شيبيارد ليمتيتيد” (Cochin Shipyard Limited)، إذ وقعت الشركتان مذكرة تفاهم تهدف إلى تدعيم التصميم البحري والبناء المحلي والأتمتة البحرية وتدريب الأفراد الهنود. ويمكن لإيطاليا أن تدعم مبادرات الهند الرئيسية مثل مبادرة “صُنِع في الهند” (Made in India) القائمة على الاعتماد على الذات.
وخلال القمة الافتراضية في نوفمبر 2020 بين رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» (Narendra Modi) والرئيس الإيطالي «جوزيبي كونتي» (Giuseppe Conte)، اتفق الزعيمان على زيادة تعزيز العلاقات الثنائية في مجالات الزراعة والبنية التحتية والطاقة النظيفة في علامة على الأهمية المتزايدة التي تتفق عليها الحكومتان، نحو شراكة أكثر تنظيمًا. وقد دخلت العلاقات الثنائية حاليًا مرحلة حرجة. فنظرًا لأن عالم ما بعد “كوفيد ــ 19” يشهد اهتزازًا في الافتراضات القديمة حول الشؤون الدولية، فقد حان الوقت للهند وإيطاليا للاعتراف بالإمكانات الجيوسياسية العميقة لشراكتهما والتصرف وفقًا لذلك الواقع المستجد. فقد أصبحت منطقة المحيطين الهندي والهادئ، الطريق الرئيسي للتجارة البحرية الدولية، والبحر الأبيض المتوسط تمثل نقطة الوصول الطبيعية لشحنات السفن القادمة من آسيا. إذ إن العمل المشترك في كلا المجالين يعني تعزيز قيم، مثل: الصناعة، والتجارة الحرة، والأمن، وسيادة القانون، التي تشير إلى السلوك الدولي للهند وإيطاليا، مع ما يترتب على ذلك من عواقب من حيث التخطيط وصنع السياسات. وبهذا المعنى، يجب على الهند وإيطاليا البدء في تحديد آلية ثنائية لإدارة القضايا الأمنية المحتملة التي قد تنشأ بين هذين المجالين. فالهند، وهي المزود الرائد للأمن في منطقة المحيط الهندي، موجودة بشكل دائم في المنطقة للحفاظ على هذه المياه خالية إلى جانب الشركاء الإقليميين والعالميين.
وبالمثل، فإن إيطاليا ليست فقط حاضرة في البحر الأبيض المتوسط، لكنها تمتد أيضًا من عرضها في البحر الأحمر حتى سواحل الصومال إمَّا بقواعد بحرية أو سفن بحرية بالتعاون مع القوات الأوروبية وقوات الناتو. ويمكن أن تؤثر معظم القضايا الأمنية الموجودة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والمتوسط في كلا البلدين بطرق مماثلة. ومن قضايا القرصنة في خليج عدن إلى عدم الاستقرار في الدول الساحلية، يمكن أن تتأثر سلاسل التوريد البحرية بين البلدين بسهولة. وتلعب منافسة القوى العظمى دورًا أيضًا، إذ يبدو أن الجهات الفاعلة الخارجية، التي تحمل قيمًا وأهدافًا مختلفة من تلك التي تشترك فيها الهند وإيطاليا، تعمل بنشاط على تعزيز عدم الاستقرار من خلال وجودها العسكري الحازم.
ومن القضايا المهمة التي يجب على الهند وإيطاليا التعامل معها على أعلى المستويات، قضية الإرهاب. وكما أكد «مودي» و«كونتي» في قمة نوفمبر، فإن كلا البلدين ملتزمان بهذه المعركة. فالإرهاب، سواء كان موجودًا برعاية الدولة، أو من منشأ غير دولة، يعدُّ وباء يؤثر في منطقة البحر الأبيض المتوسط بنفس الطريقة التي يؤثر بها في جنوب آسيا. لذا، ينبغي أن يكون الاعتراف وإيجاد وسائل فعالة للتعامل مع الإرهاب، مسألة ذات أولوية في العلاقات الثنائية، وذلك من خلال إنشاء قنوات قوية لتبادل المعلومات، ومعارضة جميع الشبكات المتنوعة التي تدعم الإرهاب الدولي، واستهداف الدول الراعية له، من باكستان وسوريا إلى ليبيا والساحل.
ويمكن لكل من الهند وإيطاليا الاعتماد على العلاقات التاريخية الجيدة مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي ميزة يمكن أن تمهد الطريق لجهد مشترك للعمل الدبلوماسي والسياسي الموجه نحو الأمن. وستشهد الفترة من 2021 إلى 2023 رئاسة إيطاليا والهند على التوالي لمجموعة العشرين خلال ما يُتوقع أن يكون مرحلة حاسمة في تعافي الاقتصاد العالمي والعلاقات بين الدول بعد جائحة “كوفيد – 19”.
لقد أثبت الوباء أن غياب المؤسسات المتعددة الأطراف القوية والفعالة، والقادرة على موازنة الفوضى المتنامية وتنسيق الاستجابات العالمية، تمثل قضية حاسمة في المستقبل القريب. فالهند وإيطاليا تشتركان في دعم المؤسسات متعددة الأطراف وسيادة القانون؛ إذ يجب أن تكونا في طليعة الحوار الدولي لإصلاح المؤسسات الحالية والجمع بين الدول ذات التفكير المماثل. وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فإن إيطاليا حتى الآن تبدو غائبة عن النهج المنسق الذي وجهته دول المنطقة نحو مشاريع تطوير البنية التحتية النوعية. ومع تزايد الطلب على بديل لاستثمارات الصين الجشعة في البنية التحتية، سيتعين على إيطاليا والقوى الأوروبية الأخرى القيام بأكثر من مجرد نقد النموذج الصيني.
وتعدُّ الهند وإيطاليا مهدًا لبعض الثقافات القديمة في العالم، وهو جانب من جوانب مشاركتهما التي سيتم الاحتفال بها العام المقبل بمشاركة “مودي” في الذكرى السبعمئة لـ”دانتي أليغييري”. لكن البلدين بحاجة أيضًا إلى خريطة طريق للشراكة التي تستجيب لتحديات القرن الحادي والعشرين. ومع تكيف العالم مع الوضع الطبيعي الجديد بعد جائحة “كوفيد–19” ووجود منطقة المحيطين الهندي والهادئ في جوهره، يجب أن تكون إيطاليا أكثر طموحًا في تطلعات سياستها الخارجية. إن صياغة شراكة قوية ذات توجه عملي مع الهند هي الخطوة الأولى نحو جعل وجودها ملموسًا في المنطقة وخارجها. ومع قيام الاتحاد الأوروبي والعديد من القوى الأوروبية بهذه الخطوة بالفعل، يبدو من الواجب على إيطاليا التحرك بسرعة. إذ ستجد في الهند شريكًا راغبًا ومستعدًا أيضًا للتخلي عن تحفظها القديم.