اشتبك الرئيس التركي، «رجب طيب أردوغان»، بشدة مع نظيره الفرنسي «إيمانويل ماكرون»، حول سلسلة من القضايا الجيوسياسية، ومؤخرا، الأيديولوجية، على وجه الخصوص، نضال فرنسا ضد ما أسماه " الإسلام الراديكالي ".
وقال وزير الخارجية الفرنسي «جان إيف لودريان» (Jean-Yves Le Drian) لـ"راديو أوروبا 1"، يوم الخميس 5 نوفمبر: "منذ بعض الوقت، كانت هناك تصريحات عن العنف، وحتى التحريض الكراهية، والتي تصدر بانتظام من قبل الرئيس «أردوغان»، وهي غير مقبولة".
انضم «أردوغان» إلى الدعوات من جميع أنحاء العالم الإسلامي لمقاطعة المنتجات الفرنسية ردًا على مزاعم ماكرون بأن الإسلام "دين في أزمة" عالميًا. ثم أعلن الرئيس التركي أن نظيره الفرنسي سيحتاج إلى علاج نفسي ودعاه إلى مراجعة آرائه حول الإسلام.
اشتعلت التوترات أكثر عندما جدد «ماكرون» وبعض كبار المسؤولين والجمهور الفرنسي دعمهم لحرية التعبير والحق في نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي «محمد»، صلى الله عليه وسلم، مثل تلك التي نشرتها مجلة "شارلي إبدو" الفرنسية الساخرة والتي اعتبرت مسيئة من العالم الإسلامي. وبعد ذلك، وعدت تركيا يوم الأربعاء 4 نوفمبر بأنها سترد "بأكبر قدر ممكن من الحزم" على قرار فرنسا بحظر جماعة "الذئاب الرمادية" (Lupi Grigi) التركية القومية المتطرفة.
منظمة الذئاب الرمادية (بالتركية: Ülkü Ocakları)، أسسها «ألب أرسلان توركش» (Alparslan Türkeş)، وهو عقيد سابق في الجيش التركي، وأحد مؤسسي الانقلاب 1960، وتعتبر هذه المنظمة الجناح العسكري السري لحزب الحركة القومية وتسمى هذه المنظمة بـ"حركة الشباب المثالي" ولاحقًا "فرق الموت".
تنشط الذئاب الرمادية في قطاعات مختلفة من الاقتصاد، والتعليم، والمراكز الثقافية والرياضية وتمثل الجامعات والكليات بيئة مهمة لنشاط عناصر المنظمة ولكن سلطتهم الحقيقية وتاثيرهم المباشر يبدأ من الشوارع، وبين الفقراء الساخطين في مناطق المسلمين السنة، وقد تألفت منظمة الذئاب الرمادية من الشبان التركي حصرًا، وغالبا من الطلاب أو المهاجرين الذين تركوا الريف ونزحوا إلى أكبر مدينتين في تركيا وهي إسطنبول وأنقرة.
تركز منظمة الذئاب الرمادية في أفكارها على: التفوق للعرق والشعب التركي واستعادة أمجاده وتاريخه، السعي لتوحيد الشعوب التركية في دولة واحدة تمتد من البلقان إلى آسيا الوسطى مستلهمين ذلك من تاريخ الدولة العثمانية التي جمعت تحت سلطتها الكثير من الولايات في آسيا وأوروبا وأفريقيا، محاولة دمج الهوية التركية والدين الإسلامي في توليفة واحدة وهو ما تراه مهيمنًا جدا في خطاباتهم وأطروحاتهم، معاداة القوميات الأخرى كالكرد واليونان والأرمن وباقي المجموعات الدينية كالمسيحيين واليهود، ومعارضة القضية الكردية في تركيا بشتى الوسائل
تعتبر الذراع المسلح غير الرسمي لحزب الحركة القومية، تعارض أي تسوية سياسية مع الأكراد، كما أنها معادية للسلطة التركية، وقد سبق أن اتهمت بالإرهاب. استلهم اسمها من أسطورة قديمة تتحدث عن ذئب (الذئب يرمز للشرف). ارتبطت هذه الاسطورة بالأصول العرقية التركية المتواجدة في سهول آسيا الوسطى.
وقال وزير الخارجية الفرنسي «جان إيف لودريان»: "ليست فرنسا وحدها هي المستهدفة ، هناك تضامن أوروبي كامل في هذا الأمر. نريد أن تتخلى تركيا عن منطق الغطرسة هذا. وصرح المجلس الأوروبي بأنه يخطط لاتخاذ إجراءات ضد السلطات التركية "
وأضاف: "من المهم أن تتخذ حكومة أنقرة جميع الإجراءات اللازمة لتفادي ذلك. هناك وسائل للضغط، وهناك برنامج للعقوبات المحتملة على المحك ".
في غضون ذلك، شدّد «إيمانويل ماكرون» على أن بلاده تحارب "الانفصالية الإسلامية وليس ضد الإسلام"، ردا على من اتهموه بشن هجوم على العالم الإسلامي. وقال الرئيس الفرنسي "لن أسمح لأي شخص بأن يزعم أن فرنسا وحكومتها تروجان للعنصرية ضد المسلمين".
بعد إعادة طبع الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد التي ظهرت لأول مرة على صفحات المجلة قبل مذبحة 7 يناير 2015 ، عرضت صحيفة شارلي إيبدو في 28 أكتوبر صورة كاريكاتورية استفزازية للرئيس التركي أردوغان على الصفحة الأولى، ما أثار غضبا أكثر. لحكومة أنقرة.
في أعقاب الاحتجاجات وموجة العنف الإرهابي التي ضربت فرنسا في الأسابيع الأخيرة، خفّف «ماكرون» من نبرته وأقرّ، في الأول من نوفمبر، أن الرسوم الكاريكاتورية لمحمد يمكن اعتبارها صادمة للبعض. غير أن الرئيس الفرنسي حذّر في رسالة نشرت هذا الأسبوع من أنه لا تزال هناك "أرض خصبة" لـ "التطرف" في البلاد. وكتب: "في بعض المناطق وعلى الإنترنت، تقوم الجماعات الإسلامية المتطرفة بتعليم أطفالنا كراهية الجمهورية، وتدعوهم إلى تجاهل قوانينها". هذا ما تحاربه فرنسا، فالكراهية والموت ما يهددان أولادك لا الإسلام. نحن نعارض الخداع والتعصب والتطرف العنيف، لا الدين.
جرى عرض الرسوم الكاريكاتورية للنبي «محمد»، التي يعتبرها المسلمون تجديفًا، في فرنسا كدليل على التضامن مع «صموئيل باتي»، الأستاذ الذي قطع رأسه شاب يبلغ من العمر 18 عامًا من أصول شيشانية واتهم بإظهار بعض الرسوم الكاريكاتورية خلال دورة تدريبية عن حرية التعبير في إحدى المدارس. بعد هذه الحلقة، التي وقعت في 16 أكتوبر، أكد له «ماكرون» أنه سيضاعف جهوده لوقف المعتقدات الإسلامية المحافظة ، التي قال إنها تقوض القيم الفرنسية. لكن القرار تسبب في استياء واسع النطاق بين المسلمين وزاد من حدة الانقسامات. في 29 أكتوبر، في نيس، هاجم رجل مسلح بسكين كنيسة نوتردام، مما أسفر عن مقتل 3 أشخاص. منفذ الهجوم، حسب التهمة، يدعى هو «إبراهيم العيساوي»، وهو تونسي من دون سوابق، من مواليد 1999، وصل إلى أوروبا في 20 سبتمبر، ونزل في لامبيدوزا ووصل إلى فرنسا بعد عدة رحلات. ومن بين الضحايا الثلاث امرأتان والثالث رجل. الشخصان اللذان لقيا حتفهما داخل الكاتدرائية تم "ذبحهما" أو "قطع رأسهما". تحدث رئيس بلدية نيس، «كريستيان إستروزي»، عن "مشهد مرعب" ، حيث قُتل أحد الضحايا بطريقة "مروعة"، "مثل الأستاذ" ، في إشارة إلى قطع رأس «باتي». الضحية الثالثة، وهي امرأة، لجأت بعد الهجوم إلى حانة بالقرب من الكنيسة. ومع ذلك، توفيت بعد فترة وجيزة من عواقب إصاباتها.