على وجه الخصوص، في 5 أكتوبر، التقى رئيس المخابرات العامة المصرية، عباس كامل بالسفير الأمريكي في ليبيا، ريتشارد بي نورلاند، والسفير الأمريكي في مصر، جوناثان كوهين. وناقش الثلاثة آخر المستجدات المتعلقة بالأزمة الليبية وكيفية التعامل معها، مع الإشارة بشكل خاص إلى جهود تسريع العملية السياسية، وتوحيد مؤسسات الدولة، واستئناف أنشطة إنتاج وتصدير النفط، وتوزيع عائدات النفط بشكل عادل من البلاد. أخيرًا وليس آخرًا، جرى فحص المبادرات التي اتّخذتها مصر، بما في ذلك الاجتماع الذي عُقد في "الغردقة" في 28 سبتمبر، للجنة العسكرية المشتركة 5 + 5.
وفي نفس يوم 5 أكتوبر، توجّه رئيس مجلس النواب في طبرق، عقيلة صالح، إلى العاصمة المصرية للقاء السفير نورلاند ومناقشة ما حدث في ليبيا على المستوى العسكري والسياسي في الأسابيع الأخيرة. ووقع التركيز على ضرورة ضمان وقف دائم لإطلاق النار من أجل الاستمرار في السير على طريق الحوار السياسي ونحو الاجتماعات المقبلة في جنيف، والتي ستعقد تحت رعاية الأمم المتحدة. في الوقت نفسه، دار الحديث عن إمكانية توحيد مكوّنات الجهاز العسكري الليبي وتشكيل مجلس رئاسي جديد يمثّل المناطق الثلاث في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، "برقة" و"فزان" و"طرابلس".
وفي هذا السياق، قال مستشار رئيس مجلس النواب الليبي فتحي المريمي، إن كل هذه اللقاءات تهدف إلى الوصول إلى حل شامل يضع حداً للأزمة السياسية في ليبيا ويهيّئ المناخ الملائم لإنجاح اجتماعات جنيف، الذي من خلاله من المتوقع أن يتحقق التوصل إلى اتفاق لتشكيل مجلس رئاسي جديد يتألف من رئيس ونائبين ورئيس وزراء ونائبين آخرين لكل منطقة. وبحسب المريمي، فإن هذه المحادثات الأخيرة التي استضافتها مصر حدثت بفضل تنسيق القاهرة، والذي يهدف إلى التنفيذ الملموس لما وقع إنشاؤه في برلين في 19 يناير 2020، وكذلك ما يسمى بـ "إعلان القاهرة" في 6 يونيو، ولتوصيات الغردقة.
من الجانب المصري، قال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية هشام الحلبي، إن الاجتماعات في القاهرة تكشف عن تغيير إضافي في المشهد الليبي، تحدّده تدخل الولايات المتحدة والتعبئة الدبلوماسية التي وُلدت على المستوى الأوروبي والدولي. على وجه الخصوص، يمكن لدور الولايات المتحدة وأوروبا أن يضمن نجاحًا أكبر للجهود التي تبذلها القاهرة، وفي نفس الوقت، خروج تركيا من الصراع. وبحسب الحلبي، فإن ذلك سيجبر حكومة طرابلس، المعروفة أيضًا باسم حكومة الوفاق الوطني، على قبول الحلول المتفَق عليها لإنهاء الأزمة المستمرة والشروع في مسار سياسي وعسكري واقتصادي عالمي قادر على استعادة الوضع الطبيعي والاستقرار في البلاد وإنهاء وجود الميليشيات الأجنبية والمرتزقة. وأوضح الحلبي، بشكل ملموس، أنه سيحدث تشكيل حكومة تحظى بتوافق آراء جميع المكونات الليبية، ستكون قادرة على حل أزمات البلاد وتحسين الخدمات وتخفيف الأعباء عن السكان.
ثم أفاد ممثل القاهرة أن اجتماع "الغردقة" نجح في صياغة توصيات تهدف إلى وقف النزاع المسلح وتثبيت وقف إطلاق النار، يمكن من خلالها بدء حوار سياسي واقتصادي. وقال الحلبي إن "إسكات البنادق والبنادق يدفع الأطراف للجلوس على طاولة المفاوضات والسعي لحل شامل للأزمة السياسية والاقتصادية". وأضاف الأخير أن الاجتماعات في "القاهرة" و"الغردقة" وفّرت حلولاً لتخفيف العبء الواقع على كاهل الشعب الليبي والضغوط المختلفة المفروضة، من خلال السماح بحرية التنقل بين المناطق وإنهاء الحملات الإعلامية للتحريض على الجماهير وأشعال نار البغضاء والعدواة بين أفراده. وهذا سيُجبر الطرفين على إيجاد حل يمنع عودة التوترات والكراهية وتجاوز الخلافات الداخلية.
دعت مصر، الداعمة للجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر، منذ 6 يونيو، جيش حكومة طرابلس وحليفتها التركية إلى إنهاء القتال، وحثّت الأطراف المشاركة في الحرب والصراع على إخراج القوات الأجنبية من ليبيا. أعربت عدة دول عربية وأوروبية، مثل فرنسا، عن تقديرها للخطوة المصرية، لكن تركيا وقوات طرابلس نفسها تجاهلت ما يسمى بـ "مبادرة القاهرة". دفع ذلك الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في 20 يونيو، إلى إصدار أوامر لقواته الجوية بالاستعداد لعملية داخلية أو خارجية محتملة في مصر.
جرى تفادي خطر حدوث مزيد من التصعيد بإعلان وقف إطلاق النار في 21 أغسطس. رحّبت القاهرة بالهدنة، لكن بحسب البعض، هناك بعض النقاط التي لا تزال بحاجة إلى توضيح وستحدد مستقبل العلاقات مع طرابلس.، الذي يبدأ أولا وقبل كل شيء، بتفكيك المليشيات والجماعات الإرهابية وطرد المرتزقة من الأراضي الليبية. وفقًا للخبراء، تدرك مصر أن إبرام اتفاقيات مع حكومة الوفاق الوطني سيكون في مصلحتها الخاصة وسيحافظ على استقرار البلاد، لكن هذا لن يمنع ديمومة الشخصيات المقربة من القاهرة، بمن فيهم رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، وكل الأطراف التي ستعمل على تنفيذ "المشروع الوطني الليبي" ومنع "تفكك الدولة".