الإيطالية نيوز، الثلاثاء 27 أكتوبر 2020 ـ بعد أسابيع قليلة من الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية المقرر إجراؤه في 1 نوفمبر، خرج الشعب الجزائري إلى الشوارع بمناسبة الذكرى 32 الانتفاضة الشعبية لعام 1988. وبحسب البعض، تواصل الجزائر المطالبة بسيادة شعبية حقيقية.
في 5 أكتوبر، خرج مئات المتظاهرين في شوارع العاصمة الجزائر لإحياء ذكرى سلسلة الانتفاضات الشعبية لعام 1988، التي أدت إلى إدخال إصلاحات ديمقراطية. ومع ذلك، لا يزال السكان يطالبون بالتغييرات على المستوى السياسي، مستمرين في أعقاب الحراك الشعبي الواسع الذي بدأ في فبراير 2019.
على وجه الخصوص، بدأت حركة "الحراك" المؤيدة للديمقراطية، والتي أدّت إلى سقوط نظام الرئيس السابق، «عبد العزيز بوتفليقة»، في 22 فبراير 2019، عندما بدأ السكان يطالبون بالوسائل السلمية بالبدء في الإصلاحات السياسات الهيكلية. واتخذ الوضع نبرة أكثر سخونة بعد أن أعلن «بوتفليقة» أنه سيحاول الترشح لولاية رئاسية خامسة على التوالي. وأدت التظاهرات بعد ذلك إلى تعيين الرئيس الجديد «عبد المجيد تبون»، المنتخب في 12 ديسمبر 2019، على الفور ملتزمًا بالاستجابة لمطالب المتظاهرين وإدخال إصلاحات دستورية، واعتبار الدستور "حجر الزاوية" للجمهورية الجديدة.
دعت شعارات النشطاء والطلاب الذين تجمّعوا في الجزائر العاصمة يوم 5 أكتوبر إلى مزيد من الحرية والديمقراطية، فضلاً عن إقامة دولة مدنية لا عسكرية، وإزاحة الجيش من السلطة. علاوة على ذلك، بالنسبة للمتظاهرين، لا يُعتبَر «تبّون» شرعياً، لأنّه "مزوَّر" من قبل القوات العسكرية. أخيرًا وليس آخرًا، طُلب الإفراج عن أكثر من 60 صحفيًا وناشطًا وممثلًا للمجتمع المدني، اعتُقلوا منذ فبراير 2019. وفي 5 أكتوبر أيضًا، تدخلت القوات الأمنية لتفريق الحشد واعتقلت عددًا كبيرًا من المواطنين ونقلهم إلى المراكز الأمنية بالعاصمة. ثم امتدّت الحركات الاحتجاجية على مدار اليوم إلى مدن أخرى في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا.
منذ نهاية يونيو الماضي، حاولت حركة الحراك عدة مرات العودة إلى الشوارع، بعد انقطاع الاحتجاجات بسبب وباء فيروس كورونا. في الوقت الحالي، تركز الاحتجاجات على التعديلات الدستورية، المطروحة للاستفتاء الشعبي في 1 نوفمبر. تتعلق التغييرات الجديدة بسبعة محاور رئيسية تتعلق بحقوق وواجبات المواطنين، وأخلاقيات الحياة العامة، ومحاربة الفساد، وتعزيز الفصل وتوازن القوى، وزيادة الرقابة البرلمانية ، وزيادة استقلال القضاء، وتعزيز المساواة بين المواطنين أمام القانون، المصادقة الدستورية على آليات تنظيم الانتخابات.
وأكد «تبّون» أن الهدف من الدستور الجديد هو حماية البلاد من كل أشكال السلطة الأحادية، وكذلك الفصل بين السلطات وتعزيز حقوق المواطنين وحرياتهم. ثم أضافت حكومة الجزائر أن الهدف الرئيسي الآخر من التعديلات هو ضمان الشفافية في إدارة الأموال العامة، وذلك "لتجنيب البلاد أي انجراف نحو الاستبداد والحفاظ على حقوق وحريات المواطنين". إلا أن عدة نشطاء من حركة الحراك الاحتجاجية وبعض أحزاب المعارضة رفضوا المشاركة في المشاورات، مطالبين بإعداد دستور جديد من الصفر وتعديل "دستور بوتفليقة"، في إشارة إلى موضوع الرئيس السابق ل حركة احتجاجية.
وإزاء هذا السيناريو، أفاد السياسي الجزائري «سمير لعبي»، أن حركات ثورة 1988 و 2019، التي لا تزال بوادرها واضحة، مرتبطة بخيط واحد. وعلى الرغم من أن الفاعلين قد تغيروا وتغيرت الشعارات وتغيرت الأجيال، إلا أن الشعب الجزائري يواصل المطالبة بالحرية والسيادة الشعبية الحقيقية والاستجابة الملموسة لتطلعاته الاجتماعية والديمقراطية. وبحسب «سمير لعبي»، فهي "قوة حية" يصعب على الأحزاب السياسية قمعها.
انفجرت الأحداث -الانتفاضة الشعبية كما تطلق عليها صحف جزائرية- إبان حكم الرئيس الراحل «الشاذلي بن جديد» (1979-1992)، وبدأت إرهاصاتها تظهر يوم 25 سبتمب 1988 عندما نددت نقابة شركة سوناكوم (الشركة الوطنية للسيارات الصناعية) في لقاء عقدته بالفساد.
وفي الرابع من أكتوبر 1988 ظهرت مناوشات بأحياء عدة بالعاصمة الجزائرية، لتنفجر الأحداث في الخامس من الشهر والعام ذاته، حيث اعترضت مجموعة من الشباب وسط حي باب الوادي الشعبي حافلة وأنزلوا كل ركابها وأضرموا فيها النار.
وتوسعت المظاهرات في اليوم التالي، وامتدت لبقية أحياء العاصمة مثل الحراش والأبيار وحيدرة وبيلكور، كما امتدت أيضا لباقي الولايات الجزائرية أبرزها وهران وقسنطينة وعنابة وتيزي وزو، وبجاية. وبحسب جريدة "الشروق" الجزائرية، فقد امتدت المظاهرات لقرابة 70% من التراب الجزائري.
واستهدف المحتجون خصوصا كل ما يرمز للدولة الجزائرية مثل المقرات الحكومية والأمنية.
وفي السابع من أكتوبر 1988 أعلن الرئيس الشاذلي فرض حظر التجول ليلا في العاصمة وضواحيها، وكلف الجنرال خالد نزار بالملف، كما انتشرت قوات الجيش في كامل أحياء العاصمة الجزائرية، قدرت مصادر عددها بعشرة آلاف جندي.
وفي العاشر من أكتوبر ظهر الرئيس «الشاذلي» على شاشة التلفزيون الرسمي، ودعا المواطنين للتعقل ووعدهم بإصلاحات في جميع المجالات السياسية والاقتصادية.
وأسفرت الأحداث التي شارك فيها مختلف شرائح المجتمع، من طلبة وعاطلين عن العمل وعمال، عن مقتل 120 شخصا حسب الإحصائيات الرسمية، ونحو 500 حسب نشطاء، كما تم توقيف 15 ألف شخص.
التباين
اختلفت قراءة الجزائريين لأحداث أكتوبر 1988، فقد أعطت السلطة الجزائرية وقتها العديد من الصفات للأحداث من مثل "شغب أطفال" و"المؤامرة الخارجية"، لكن هذه السلطة اعترفت في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بأن ما حدث كان "ثورة شعبية".
اعلان
أما المعارض علي بن فليس الذي كان يومها وزيرا للعدل، فقال في حديث للجزيرة نت في أكتوبر 2014 إن تلك الأحداث "غيرت النظام تغييرا فاصلا بين نظام سياسي كان قائما وبين نظام سياسي آخر بعد 5 أكتوبر".
وعلى عكس من ذلك، رأى المحلل السياسي والمؤرخ «محمد عباس» في تصريح للجزيرة نت في أكتوبر 2014 أن "مزاعم التغيير من الحزب الواحد إلى نظام تعددي كانت تغطية وتزويقا لعملية أعمق وأخطر هي ضرب استقرار الجزائر".
وأكد المؤرخ والأكاديمي «محند ارزقي» فراد في حديث للجزيرة نت في أكتوبر 2015 أن "انتفاضة أكتوبر كانت بمثابة الربيع الجزائري الذي جاء متقدما بعقود على الربيع العربي، ومتزامنا مع ربيع أوروبا الشرقية، وخاصة بولونيا".
التعددية
رفع المتظاهرون الجزائريون الذين خرجوا إلى الشارع في الخامس من أكتوبر 1988العديد من المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فقد طالبوا بتحسين الظروف المعيشية وبالعدالة الاجتماعية والانفتاح والحرية والديمقراطية.
وقد أجبرت تلك الأحداث الرئيس الشاذلي على الاستجابة لتلك المطالب، حيث تعهد بتنفيذ إصلاحات سياسية، توجت بدستور 23 فبراير 1989، مما سمح بإنشاء أكثر من ستين حزبا سياسيا وإنهاء حكم الحزب الواحد.
كما ظهرت في البلاد تعددية إعلامية، وتأسست صحف مستقلة ناطقة باللغتين العربية والفرنسية مثل صحيفة "الخبر" التي تأسست في الفاتح من نوفمبر 1990.
وشهدت الجزائر في يونيو 1990 أول انتخابات شارك فيها أكثر من حزب لأول مرة منذ إنهاء حكم الحزب الواحد، لكن تم إلغاء نتائج الانتخابات التي جرت يوم 26 ديسمبر 1991 بعد أن فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بـ188 مقعدا من أصل 228 في المرحلة الأولى.
لكن البلاد دخلت نفقا غامضا إثر وقف الجيش للعملية الديمقراطية حيث اندلعت أعمال عنف دموية خلفت مئات الآلاف من القتلى والمصابين والمفقودين، ودمارا هائلا في الاقتصاد، وعرفت هذه الحقبة بالعشرية الحمراء.
وقد ارتبطت في أذهان الجزائريين بالنزاع المسلح بين الجماعات الإسلامية وقوات الأمن من شرطة ومخابرات وجيش. وبدأ الأمن يستتب تدريجيا منذ قدوم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم عام 1999 وإصداره قانون الوئام المدني ثم ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.