أبو المعاطي أبوشارب: "عندما ترك الفنان محمود رضا وصيته في روما قبل عشر سنوات " - الإيطالية نيوز
Facebook social icon TikTok social icon Twitter X social icon Instagram social icon WhatsApp social icon Telegram social icon YouTube social icon

آخر الأخبار

أبو المعاطي أبوشارب: "عندما ترك الفنان محمود رضا وصيته في روما قبل عشر سنوات "


بقلم أبو المعاطي أبوشارب 
 رحل عن دنيانا الفنان الكبير محمود رضا (10 يوليو 2020)، والذي أسس لفن الاستعراض الشعبي المصري الأصيل، مع فرقة رضا، التي حققت نجاحا مشهودا على المستويين العربي والعالمي. وبقدر ما هزني هذا الرحيل بقدر ما جعلني أعايش ذكرياتي معه ومع فرقته عندما جاء إلى العاصمة الإيطالية روما عام 2009 في ذكري الاحتفال بمرور خمسون عاما على تأسيس فرقة رضا والاحتفال بعيد ميلاد الفنان الكبير محمود رضا 80 عاما، وفي تلك المناسبة شاركت الفرقة في أكبر عرض للفنون الشعبية بمشاركة فرق للفنون الشعبية من إيطاليا واسبانيا وفنلندا وسويسرا وفرنسا. 
وقتها قدمت الفرقة التي يشرف عليها الفنان محمود رضا عروضها ببراعة أسعدته شخصيا، وبما يليق بفنان كبير دخل التاريخ بفنه الشعبي الأصيل، وعوضته عن كل المعاناة التي مرت في حياته على مدي نصف قرن من الزمن. وبالطبع استمتع الجمهور الإيطالي الذواق للفنون الشعبية المصرية، وقدمت الفرق الأجنبية بعضا من أعماله الشهيرة التي طاف بها العالم مثل تابلوه العرقسوس. 

  كانت هذه هي المناسبة التي جمعتنا وحكى لي فكرة الإعداد لإنشاء فرقته الخاصة للفنون الشعبية، وكيف تحولت إلى فرقة حكومية.  فإذا كان المهندس الراحل عثمان أحمد عثمان أنشأ السد العالي وتم تأميم شركته المقاولون العرب وأصبحت حكومية،  والفنان الكبير الراحل محمد فوزي  تم تأميم شركته مصر فون لإنتاج الأسطوانات الموسيقية حدث نفس الشيء للفنان محمود رضا في بداية حياته، وكان يأمل يؤدي انضمام فرقته للحكومة إلى أن تزول الصعوبات التي تواجهه، وتوفر له دعما ماليا، ولكن العكس كان صحيحا، برغم الحسنات التي تمثلت في تقديم تسهيلات لفرقته لعرض أعمالها في الخارج من مصاريف انتقال علي حساب الدولة، ولكن السيئات كانت كثيرة منها تعيين موظفين لا يفهمون أي شيء عن الفن، والروتين الذي وقف عائقا أمام نشاطه الفني وعرقل   أية انجازات كان يطمح إليها من وراء إنشاء هذه الفرقة التي أسسها بمجهوده الذاتي هو وشقيقة علي رضا، وضم إليها نخبة من خريجي الجامعات المصرية. 
 قال لي الفنان محمود رضا: "زي ما أنت شايف محمود رضا هو شخص عادي له أذنين وعينين وأنف مثل أي إنسان والمشكلة أني بحب الرقص بالرغم أن الرقص في فترة الخمسينيات كان له سمعة مش كويسة، فقررت أنا وأخي علي رضا وفريدة فهمي أن نبدأ في تكوين فرقة للفنون الشعبية وإحنا لا نمتلك في أيدينا إلا فن جميل، وبالفعل بدأت فكرتنا تدخل في حيز التنفيذ، وأنضم إلينا أعضائها من زملائنا وزميلاتنا من خريجي الجامعات. لتولد فرقة رضا المكونة من 40 عضوا من الجنسين وفرقة موسيقية لمصاحبة التابلوهات الراقصة المستوحاة من تراثنا الشعبي من المدن الساحلية ووجه بحري وقبلي والبدو. لتقدم أول عرض لأعمالها على مسرح الأزبكية عام 1959، وكان الرقص في أيامها يمثل مشكلة   في مصر يعني عايز تعمل فرقة رقص؟ عيب!! قلنا: تعبير فني تعبير بالحركة، ولم نقل رقص علشان سمعته كانت وحشة بس أنا كنت مقتنع أن الرقص ده من أعظم الفنون والبني آدم ابتدأ يعبر عن نفسه بكلمة آه، بيتولد بيتحرك، جعان بيرفص، هكذا تغلبنا بحب لهذا الفن مع مجموعة، ما هو مينفعش حد يعمل حاجة لوحدة: على أخويا، فريدة فهمي أستاذ في الجامعة، وأنا خريج جامعة، أدينا مثل كويس للفن مفيش فن وحش! فن يعني جميل! ممكن نقدمه وحش وممكن نقدمه كويس العيب في اللي بيقدمه. وأي فن جميل ممكن نقدمه وحش، الشعر ممكن يكون جميل وممكن نقدمه وحش، كل الفنون! فأحنا أخترنا الطريق الصحيح، وهو اننا نقدم الفن الجميل تقديما جميلا، الفن ده فن محترم من أعظم الفنون في العالم. فكانت النتيجة ميلاد فرقة رضا: أول فرقة للفنون الشعبية على المسرح. نقدم عمل مسرحيه مستلهمة من الفن الشعبي سنة 1959 يعني دلوقتي مرت 50 سنة علي ميلاد فرقة رضا للرقص الشعبي.  استمرت بنجاح لمدة 50 سنة في مصر، والعالم النهاردة في روما بيحتفل بينا، العرض اللي تعمل قدمته فرق من إيطاليا وإسبانيا وفنلندا وسويسرا وفرنسا لأعمالي احتفالي بمرور 50 سنة على إنشاء فرقة رضا شاهد على هذا النجاح، وعوضنا عن كل المعاناة التي صادفتنا منذ 50 سنة. الحمد لله. الجمهور الإيطالي جمهور ذواق، حقيقي روما هي التي شهدت بداية فرقة رضا، وعندما قابلنا فيها الملك فاروق في روما شجعنا على المضي قدما من أجل الحفاظ على تراثنا لفن الفلكلور الشعبي".
•     وسألته: بلمساتك الفنية التي قدمتها من خلال التابلوهات الراقصة اللي ابدعتها طوال تاريخك الفني، ما هو التابلوه الراقص اللي عمل تأثير في قلبك وتركت أثر كبير في حياتك.
•     فأجاب محمود رضا: هو طبعا يبقي ذي اللي بيخلف الطفل البكر اللي هو يبقي واخد أهمية كبيرة، وأول التابلوهات عملناه سنة 59 ، وهو دا الابن البكر بتاعنا، وبعده تكررت الابداعات وتكررت الرقصات لكن البرنامج الأول استمر وفيه تابلوه بياع العرقسوس وتابلوه خمس فدادين وله معزة خاصة في ذكرياتي.
•     عدت لأسأله: استمر وطلع اللي في قلبك بعد 50 سنة.
•     محمود رضا: اسالني وانا اجوبك.
•     أبوشارب: انت تقولي الحاجات اللي مخبيها من زمان زي ما عملت مع الأستاذ فاروق شوشة والدكتور صوفي أبوطالب والدكتور حسين محمود.

•     محمود رضا: عايز أقول لحضرتك حاجة: احنا ابتدينا فرقة رضا سنة 59 فرقة خاصة قعدنا سنتين لغاية سنة 61 فرقة خاصة طبعا أحنا كفرقة خاصة طبعا كانت امكانياتنا ضعيفة: كنا مجرد سبع ولاد وسبع بنات، ومعاهم 10أو 12 موسيقيا. نجحنا في البداية، ولكن صادفتنا مشاكل مالية، وكان الرئيس عبد الناصر يحبنا، وكان بيخلي الفرقة تشارك في أي مناسبة، زي أعياد الثورة وحفلات ام كلثوم عبد الحليم حافظ. بصينا في المشاكل المادية اللي بتقابلنا، لقيت الدكتور عبد القادر حاتم وكان وزير الارشاد القومي اللي هي حاليا وزارة الثقافة والاعلام بيندهلي وقالي أحنا عايزين نساعدكم. نساعدكم أزاي؟ اتكلمنا وقالي انتو تعملوا الفن بتاعكم. أحنا مش عايزين نتدخل في فنكم والمشاكل المادية احنا حندفع كل المصاريف، وقال لي: العرض كان ممتاز وجميل! 

 ويردف محمود رضا ومسحة من الحزن تعلو وجهه: بس مخطرش على بالي إننا حنبقي موظفين حكومة. محطيتش النقط على الحروف.  ما خطرش على بالي إني بعد 30/ 40 سنة حطلع على المعاش زي أي موظف حكومي. ما فهمتش وما تصورتش يعني إيه الفرقة حتطلع على المعاش! شوية شوية لقيت نفسي مدير، مدير عام، وكيل وزارة وفي سنة 90 وصلت ل 60 سنة وطلعت معاش. كان لازم أسألهم قبل ما أقبل نتحول لفرقة حكومية عن مصير الفرقة بعد 30 سنة.  مخطرش على بالي هيحصل إيه. لما بيسألوني كتير عن الفرق، وأيهما أفضل أنى أكون قطاع ولا مع الحكومة ما بقدرش أنكر مميزات انضمام الفرقة للحكومة، احنا زي ما قلت كنا فرقة صغيرة بنعمل فن جميل، بس الاستعراضات الكبيرة اللي عملناها، زي استعراض رنة الخلخال واستعراضات السد العالي والثورة وعلي بابا والأربعين حرامي، شارك فيها ثمانين ولد وبنت ووصلنا ل 100موسيقي للفرقة رضا وسافرنا العالم كله وأحنا تبع وزارة الارشاد. كل دا عظيم، بس كمان الروتين في الحكومة كان صعب، فمثلا لما كنا نيجي نعمل ملابس يعملوا ممارسة لعمل مناقصة للشراء وفيها تضيع وقت، وكمان زاد عدد الموظفين، شوية شوشة زاد الموظفين وبقوا أكثر من عدد الفنانين واحنا فرقة خاصة عددنا 30 او 40 فنان، شوية شوية أصبح عدد الموظفين الحكوميين اللي بيتبعوا ميزانية الفرقة 1700 موظف!! مش محتاجة!! عايزين موظف واحد يمسك ميزانية الفرقة. لما كنا القطاع الخاص كان اللي انا عايزه اعمله على طول مدورش على موافقة وعلى الميزانية أو المناقصة او الممارسة. كان في ساعات واحنا تبع الحكومة لما نعوز نعمل رقصة مثلا ذي رقصة الحمامة السوادني احتاجت 12/16 بنت   12 متر قماش للتوب السوداني، وعقبال لما لقينا الاقمشة اللي عايزينها صعب وبالكمية اللي احنا عايزنها كان فات وقت طويل، ولو كنا قطاع خاص كنا اشتريناه على طول، اما الروتين الحكومي على بال ما عملوا الإجراءات كان الراجل باع القماش. يعني الرويتين الحكومي من أوحش الحاجات اللي كانت بتقابلني. انا كفنان مبدع مش موظف أجي على 60 سنه تقولي اطلع على المعاش؟ انت بتخرجوا الناس على المعاش علشان تجيبوا ناس علشان تشتغل بدالها؟ هنا الفرق! مين اللي خسران؟ أنتوا حتخسروا خبرتي. طيب الخبرة؟ خبرة واحد زيي اللي انشاء الفرقة؟  واسم محمود رضا، اللي من ساعة ما طلعت على المعاش مفيش بلد في العالم ما طلبش خبرتي، وفننا بيتم تدريسه في بلاد كتيرة زي صربيا واستراليا وجنوب افريقيا وهاواي، وبلاد كتيرة عملت فرق وسمتها فرقة رضا. بعد كل دا انا اجي اطلع على المعاش؟ ليه تخسروا خبرة واحد زيي أسس الفرقة؟ صحيح الاعمال الفنية استمرت، وفي علامات كويسة لانضمام الفرقة للدولة زي زيادة عدد الفنانين وسافرنا العالم كله تبع وزارة الثقافة، بس كان ممكن تكون النتيجة تكون أحسن من كده، خيبة أملي كانت كبيرة لما قاموا بتأميم فرقة رضا وأصبحنا موظفين حكومة: كانت بداية تحويل الفن إلى روتين حكومي رتيب حال بيني وبين الاستمرار في الإبداع. مش ممكن فنان يحال إلى التقاعد. أحالوني للتقاعد لما بلغت الـ 60 سنه، ساعتها شعرت بأنهم سرقوا مني طفلي الأكبر. عانينا الجحود والإهمال المتعمد من جانب التليفزيون المصري، الذي يصر حتى الآن على تجاهل أجمل إبداعاتنا الفنية من موشحات تغنى بها الفنان الراحل فؤاد عبد المجيد، مثلا في أمريكا روح مبنى لينكون سنتر وتشوف لافته بالذهب وتشوف عروض مهولة كبيرة من اللي بيصرفوا عليها. ولوحة شرف للي بيصرفوا عليها ويبدعموها. شركات كبيرة مش منتظرين العائد المادي وممكن اعفائهم من الضرائب من خلال دعمهم للأنشطة الفنية، من فلان وفلان وفلان. احنا كمصر عندنا كنز من الفنون الشعبية العالم ماشفوش. ياريت نهتم لان فكرة ومعنى ومشروع فرقة رضا حاليا أنتشر أفقيا في كل محافظة، وكل محافظة فيها فرقة ومسرح. ده كنز عايز عناية من الدولة. أحنا عندنا في كل محافظة فيها مسرح ولديها فرقة بيتمرنوا وبيقبضوا رواتب كل شهر من وزارة الثقافة ومبيشتغلوش. عايزين اهتمام من الدولة لان ده كنز. لازم الفرق دي تكون تحت اشراف من لديهم الخبرة في جميع المجالات الفنية وبالأخص ترثنا من الفنون الشعبية، مش اعين موظف حكومة للفرقة لان الحكومة مابتعملش رقص ولا فن.  كل مبدع في جميع المجالات بيحب مصر يقدم لها كل ما لديه. للأسف الشديد هناك جحود تبناه الكثيرون ضدي شخصيا وضد فرقة رضا بشكل عام لأنني لم أكن ممن يقبلون الأيادي أو يقدمون طقوس الولاء والطاعة لهم، لو دورت في خريطة برامج التليفزيون الرسمى عن عرض خاص بموشحات فؤاد عبد المجيد، حتى الأغنية الوطنية صوت بلادي، اللي رقصت على موسيقاها ممنوعة من العرض في التليفزيون المصري لان الاستعراضات قدمتها فرقة رضا. هل هناك إنسان لديه ضمير يقبل بهذا؟ حيجي اليوم يعرفوا ان مخاطبة أوروبا ليست بالخطاب الدينى فقط، بل فى كل المجالات التى يدخل فيها الفن.أشعر بكل الفخر والاعتزاز والارتياح النفسي لما وقفت وهما بيكرمونى بهذه الحفاوة والاستقبال الرائع! شعرت بأن فرقة رضا لازالت علي قيد الحياة تخاطب الأوروبيين بلغة الفن، وأوصلت لهم الثقافة المصرية والعربية. رغم شهرة الفرقة عالميا وعلى مدي 50 عاما لم توجه لى الدعوة من المركز الثقافي المصري في روما مرة لتنظيم عرض هنا، ولكن تلقيت الدعوة من فرقة رضا الإيطالية التي تحمل اسمي للاحتفال بذكري مرور 50 عاما على تأسيسها و80 عاما على ميلادي.
 كل هذا تذكرته عندما قرأت خبر رحيل الفنان الكبير محمود رضا عن عم يناهز 90 عاما وبقي أسم فرقة رضا تحمله الفرق الأجنبية التي تقدم كل اعماله الفنية المستقاة من تراثنا الشعبي. ورأيت أن حديثه الحزين والغاضب ربما كان الوصية التي تركها لنا، ولهذا قررت إعادة نشرها. رحمك الله يا فناننا الكبير محمود رضا!