الإيطالية نيوز، الخميس 30 أبريل 2020 ـ على الرغم من دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لوقف إطلاق النار في النزاعات العالمية للتركيز على تمرير أزمة وباء كوفيدـ19، شهدت ليبيا خلال الأيام القليلة الماضية اشتباكات شديدة بين قوات حكومة الوفاق الوطني بقيادة رئيس الوزراء، فايز السراج، والقوى الشرقية الموالية للجنرال خليفة حفتر.
كان الجنرال حفتر، وهو من بقايا نظام الراحل معمر القذافي، يأمل في أن يتمكن من السيطرة على العاصمة طرابلس كمقر لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا وسط الهوس العالمي بانتشار الوباء. ولكن ليس فقط لم يُحقّق أي مكاسب على الجبهات ولكن أيضًا تلقت قواته أكبر هزيمة منذ أن جمع جيشًا للإطاحة بالحكومة التي تتّخذ من طرابلس مقراً لها. في الاشتباكات الأخيرة، تمكّنت قوات حكومة الوفاق الوطني من إحكام قبضتها على المدن الساحلية بأكملها غرب العاصمة حتى الحدود التونسية.
حلم طرابلس يلتقط حطام
شنت القوات الحكومية الأسبوع الماضي، بسند من مقاتلي الميليشيات المدعومة من تركيا ، هجومًا مفاجئًا على الجانب الآخر، واستردت من الموالين لحفتر صبراتة والعجيلات والجميل وسرمان والعجالات ورافتالين وزلاتان، على طول الساحل الغربي.
"الهلال النفطي" في البلاد |
من المحتمل جدًا أن حفتر بنى حساباته على القتال ضد الميليشيات شرق البلاد، حيث نجح في قمع القوات المسلحة القبلية بالضغط عليها من خلال الحصار. كانت النتيجة السيطرة على بنغازي ودرنة، المدينتين اللتين تستضيفان حقول نفط ضخمة. استفاد من الدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي الهائل الذي قدمته الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وشكل تحالفات قبلية ساعدته في السيطرة على "الهلال النفطي" في البلاد.
لكن جبهة طرابلس كانت مختلفة إلى حد كبير حيث تمكّنت القوات الحكومية في العاصمة وضواحيها من توحيد صفوف القوات المسلحة والمسلحين ومواجهة حملة حفتر، وبعد ذلك مكنهم ترتيب من الانتقال إلى الهجوم من موقع دفاعي.
لكن جبهة طرابلس كانت مختلفة إلى حد كبير حيث تمكّنت القوات الحكومية في العاصمة وضواحيها من توحيد صفوف القوات المسلحة والمسلحين ومواجهة حملة حفتر، وبعد ذلك مكنهم ترتيب من الانتقال إلى الهجوم من موقع دفاعي.
صُدم حفتر عندما تمكّن السرّاج من تعميق نفوذ حكومة الوفاق الوطني في المدن الغربية الستة تحت سيطرة قوات حفتر. تقع المدن الستة جميعها على طول الساحل الغربي الذي يربط طرابلس بالحدود مع تونس على بعد 150 كيلومترًا.
من الناحية الاقتصادية، يُمكن لاستعادة السيطرة على هذه المدن إزالة جميع العوائق التجارية مع تونس وإعادة الأعمال إلى وضعها الطبيعي، أي قبل هجوم الموالين لحفتر في يناير 2019. يمكن لهذا الانتصار أن يُخفّف الضغط الاقتصادي على حكومة الوفاق الوطني المتصاعدة منذ انخفاض صادرات النفط من حقول النفط الشرقية.
لم تحصل حكومة طرابلس على دعم عسكري دولي ضخم مثلما حصل عليه حفتر، لكنها أقامت تحالفات عسكرية وسياسية مع القوات القبلية النشطة، وبالتالي أحبطت الهجمات بمساعدة تركيا.
في 2 يناير، وافق البرلمان التركي على خطة الرئيس رجب طيب أردوغان لنشر قوات تركية، بعضها مستأجَر، والأسلحة الثقيلة في ليبيا. في المقابل، وقّعت حكومة الوفاق الوطني اتفاقيتين مع أنقرة، واحدة لترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط والأخرى للشراكة الأمنية والدفاعية. ساعدت الاتفاقيات في حماية العاصمة لأنها برّرت الوجود العسكري التركي على الأراضي الليبية. من ناحية، تشير تركيا إلى نشر قواتها بطلب من حكومة الوفاق الوطني الشرعي دوليًا، ومن ناحية أخرى تبرّر وجودها العسكري في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط لحماية مصالحها.
بعد موافقة البرلمان على الانتشار العسكري التركي في ليبيا، قال أردوغان إن القوات التركية في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا يمكن أن تساعد في خلق توازن في القوة مع الإمارات ومصر.
بالتأكيد، حدث تطور كبير في الحرب عندما استعادت حكومة الوفاق الوطني قوتها الجوية بفضل الدعم التركي، إذ أحدثت وحدات الطائرات بدون طيار التابعة للجيش التركي فرقًا في المعركة. وهناك أدلة على تدخل الطائرات المقاتلة التركية، ما أعطى الجيش الوطني الليبي دفعة عسكرية. أعلنت اليونان يوم الثلاثاء أن سلاحها الجوي اكتشف طائرات تركية في طريقها إلى ليبيا. قال الجيش اليوناني إنه جرى نشر ما لا يقل عن 16 طائرة من طراز F16 تابعة لسلاح الجو التركي في ليبيا يوم الجمعة الماضية.
بعد ساعات من البيان اليوناني، أعلنت وزارة الدفاع التركية أن قواتها المسلحة قامت بتدريبات جوية وبحرية مفاجئة في شرق البحر الأبيض المتوسط. بعد يوم واحد من ما يسمى بالتدريبات العسكرية التركية، شنت قوات الجيش التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية هجومًا للاستيلاء على بلدة ترهونة على بعد 61 كيلومترًا إلى جنوب شرق طرابلس، حيث يقع مركز القيادة المناهض لطرابلس، واتخاذ خطوة استراتيجية في سياق حرب عدة أشهر .
إن نجاحات حكومة الوفاق وحلفائها المتشددين ستوجِّه بالتأكيد ضربة كبيرة لطموحات حفتر العسكرية للاستيلاء على العاصمة وكذلك لحلفائه الإقليميين. الآن، صادرت قوات حكومة الوفاق الوطني كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر من الجانب الآخر. من المؤكد أن الأسلحة والذخائر والعربات المدرعة التي تسلمها دولة الإمارات العربية المتحدة إلى حفتر ستعزّز حكومة الوفاق العسكري عسكريا، لأنها ستؤثر سلبا على موقف الآلاف من المرتزقة مثل شركة "واغنر"(Wagner) الأمنية الروسية وقوة الدعم السريع السودانية بقيادة الجنرال محمد حمدان دغالو(Mohammad Hamdan Dagalo). دفع الخوف من الهزيمة أبو ظبي إلى مطالبة دْغالو بنشر المزيد من القوات في ساحات القتال الليبية.
أشعة الأمل وسط انهيار الجهود الدولية المؤيدة لوقف إطلاق النار
خلال العام الماضي، فشلت كل الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع بين الأطراف المتحاربة الليبية. فشل مؤتمر برلين حول ليبيا، الذي عقد في يناير، في تنفيذ الهدنة بشكل صحيح على الرغم من جمع الجهات الفاعلة الرئيسية وإعلان اتفاق نحو حل سلمي للصراع والتأكيد على احترام حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا. فشلت هذه البلدان في الالتزام بتعهداتها بوقف تسليم الأسلحة إلى الأطراف الليبية. ونتيجة لذلك، أعلن غسّان سلامة، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، في 2 مارس استقالته عبر رسالة على تويتر، مشيراً إلى أن نظرة السلام أصبحت أكثر ضُعفا من ذي قبل وسط فشل الأطراف الدولية في الالتزام بشروط اتفاقية برلين.
ينبع جزء كبير من هذا الفشل من الانقسام الشديد بين الأوروبيين الذي يؤدي إلى عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ إجراء ات موحَّدة اتجاه الصراع في ليبيا. إن تضارب المصالح، خاصة بين إيطاليا وفرنسا، يؤثر بشكل كبير على ديناميكية الحرب الليبية. بالنسبة لإيطاليا، ليست ليبيا مجرد مستعمرة تاريخية فحسب، بل هي أيضًا دولة ذات أهمية جغرافية استراتيجية وجغرافية اقتصادية يصعب تركها بمفردها. وتعتبر إيطاليا أيضًا ليبيا حجر الأساس لأمنها القومي خاصة عندما يتعلق الأمر بمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر. فرنسا بدورها لديها مصالح استراتيجية في ليبيا. وتتنوع اهتماماتها انطاقا من مبرر محاربة التطرف والإرهاب والهجرة غير الشرعية إلى التجارة وموارد الطاقة.
من المؤكد أن التطورات الليبية الأخيرة ستترك آثاراً عميقة على مستقبل البلاد. إذا فقد الجنرال حفتر مركز قيادته، فإن ذلك يمكن أن يشير إلى نهاية طموحاته العسكرية التي تحظى بدعم واسع النطاق من الجهات الأجنبية.
هذا فوز كبير لحكومة الوفاق الوطني وقد يؤدي إلى تغيير اتجاه المواجهة، لأن السيطرة على طرابلس منذ البداية كانت الهدف النهائي لأمير الحرب ومؤيديه الأجانب. يمكن أن يؤدي فقدان هذا الهدف إلى مزيد من الجهود والعودة إلى حل سياسي رفضه حفتر وحلفاؤه مرارًا وتكرارًا بالاعتماد على قدرتهم المفترضة على تسوية الأزمة بفوز صريح على أرض المعركة. ولعل نتائج المواجهات الأخيرة تحفز حفتر ورعاته على مراجعة استراتيجيتهم للاستيلاء على طرابلس والبحث عن حل سياسي سلمي بدلاً من ذلك.
ترجمة: حسن أمحاش
المقال الأصلي: Il faro sul mondo