بقلم الكاتبة مرام سعيد أبو عشيبة
لقد جاء اسم الله القيوم في القرآن الكريم ثلاث مرات في سورة البقرة وآل عمران وطه قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (البقرة:255) وقال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (آل عمران: 2) وقال تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا }(طه:11).
إن لاسم الله القيوم دلالة معجمية وروحية فهو كما جاء في تهذيب اللغة لابن فارس: القيوم والقيام والمدبر واحد، القيوم والقيام في صفة الله القائم بتدبير أمر خلقه في إنشائهم ورزقهم وعلمه بأمكنتهم وصورة القيوم من الفعل الفيعول، وصورة القيام الفيعال، والقيوم: القائم على كل شيء والقائم على خلقه، والقيوم الذي لا بدء له ،وقال أبو عبيدة: القيوم القائم على الأشياء، ثم ساق ابن فارس رأي الفراء(ت:207) في الحديث عن أصل الكلمة فقال: الفراء في القيم: هو من الفعل فعيل، أصله قويم، وكذلك سيد سويد، وجيد جويد، بوزن ظريف وكريم، وكان يلزمهم أن يجعلوا الواو ألفا لانفتاح ما قبلها ثم يسقطوها لسكونها وسكون التي بعدها فلما فعلوا ذلك صارت سيد على وزن فعل، فزادوا ياء على الياء ليكمل بناء الحرف.
وساق كذلك رأي سيبويه (ت:180) فقال: القيوم وزنه الفيعل، وأصله القَيْوِم ، فلما اجتمعت الواو والياء والسابق ساكن أبدلوا من الواو ياء وأدغموا فيها الياء التي قبلها فصارتا ياء مشددة.
وأما اصطلاحاً فقد عرفه ابن الأثير في كتابه غريب الحديث والأثر بأن القيوم: من أسماء الله تعالى المعدودة، وهو القائم بنفسه مطلقا لا بغيره، وهو مع ذلك يقوم به كل موجود، حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا به، وقال الغزالي في كتابه المقصد الأسنى (ص132): هو القائم بنفسه مطلقا فإن كان مع ذلك يقوم به كل موجود حتى لا يتصور للأشياء وجود ولا دوام وجود إلا به فهو القيوم لأن قوامه بذاته وقوام كل شيء به وليس ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.
أما دلالة اسم الله الروحية فتظهر من خلال تتبع سياق الآيات التي جاء فيها اسم الله القيوم وسننظر في آية الكرسي فقد جاء في سورة البقرة قوله تعالى {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (البقرة:255)
يقول الطبري في تفسيره: لا إله إلا هو" فإن معناه: النهي عن أن يعبد شيء غير الله الحي القيوم الذي صفته ما وصف به نفسه تعالى ذكره في هذه الآية يقول:"الله" الذي له عبادة الخلق"الحي القيوم"، لا إله سواه، لا معبود سواه، يعني: ولا تعبدوا شيئا سوى الحي القيوم الذي لا يأخذه سِنة ولا نوم، والذي صفته ما وصف في هذه الآية وهذه الآية إبانة من الله تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله عما جاءت به أقوال المختلفين في البينات من بعد الرسل الذين أخبرنا تعالى ذكره أنه فضل بعضهم على بعض واختلفوا فيه، فاقتتلوا فيه كفرا به من بعض، وإيمانا به من بعض فالحمد لله الذي هدانا للتصديق به، ووفقنا للإقرار.
ويقول ابن عاشور: لما ذكر هول يوم القيامة وذكر حال الكافرين استأنف بذكر تمجيد الله تعالى وذكر صفاته إبطالا لكفر الكافرين وقطعا لرجائهم، لأن فيها من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، وجعلت هذه الآية ابتداء لآيات تقرير الوحدانية والبعث،وأودعت هذه الآية العظيمة هنا؛ لأنها كالبرزخ بين الأغراض السابقة واللاحقة... والقيوم فيعول من قام يقوم وهو وزن مبالغة، وأصله فيووم فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمتا، والمراد به المبالغة في القيام المستعمل- مجازا مشهورا- في تدبير شؤون الناس.
فاسم الله القيوم له دلالة معجمية قد تتبعتها معاجم اللغة ،كما أن له دلالة روحية تجعل روح وقلب ووجدان الإنسان ظاهره وباطنه ولبه ومهجته يتأمل هذا الاسم عظيم الشأن، ودلالة معانيه المشرقة التي تفيد بأن الله قائم على جميع شؤون وأحوال خلقه والموجودات يدبر أمرها، يقول السعدي في كتابه تفسير أسماء الله الحسنى: القيوم لأهل السماوات والأرض القائم بتدبيرهم وأرزاقهم وجميع أحوالهم.. والقيوم هو كامل القيومية الذي قام بنفسه، وعظمت صفاته، واستغنى عن جميع مخلوقاته، وقامت به الأرض، والسماوات، وما فيهما من المخلوقات،فهو الذي أوجدها، وأمدها، وأعدّها لكل ما فيه بقاؤها، وصلاحها، وقيامها، فهو الغني عنها من كل وجه، وهي التي افتقرت إليه من كل وجه.
والله أعلم.