الايطالية نيوز – قالت "هيومن رايتس ووتش" أمس يوم أمس الثلاثاء على موقعا الالكتروني، إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قدّم عدة إدعاءات مخالفة للحقيقة خلال ظهوره في 6 يناير 2019 في برنامج "60 دقيقة" الأمريكي.
من بين تصريحات السيسي الموثقة في شريط فيديو أن الحكومة المصرية لا تحتجز أي سجناء سياسيين، رغم توثيق أن الآلاف اعتُقلوا تعسفا بسبب نشاطهم السياسي في السنوات الأخيرة. كما قدّم السيسي تصريحا مغلوطا في البرنامج الذي بثته شبكة "سي بي إس" بأن قتل مئات المتظاهرين المناهضين للحكومة في ميدان رابعة بالقاهرة في أغسطس 2013، والذي أشرف عليه كوزير للدفاع، كان له ما يبرره لوجود "آلاف المسلحين".
قال مايكل بيغ، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "التضليل الذي أورده الرئيس السيسي مثير للضحك، ولا يخدع أحدا. هذه محاولة فاشلة لإخفاء الانتهاكات الجسيمة تحت سلطته، بما فيها جرائم محتملة ضد الإنسانية. حتى أن عديدا من إجاباته ناقضت التصريحات الرسمية للحكومة نفسها".
سجّل الرئيس السيسي مقابلة مع الصحفي الشرس"سكوت بيلّي"، مقدّم برنامج 60 دقيقة، قبل عدة أشهر، لكن السفارة المصرية في واشنطن طلبت فيما بعد عدم بثّ هذه المقابلة، بحسب سي بي إس. كما أمرت السلطات المصرية وسائل الإعلام المصرية بعدم تغطية المقابلة، بحسب موقع "مدى مصر" الإخباري المستقل. لم تغطِّ أي من وسائل الإعلام الرئيسية في مصر تصريحات السيسي في المقابلة.
ردا على سؤال حول تقديرات هيومن رايتس ووتش بأن 60 ألف شخص على الأقل اعتقلوا في مصر لأسباب سياسية، قال السيسي: "لا أعرف من أين حصلوا على هذا الرقم. قلت لا يوجد سجناء سياسيون في مصر".
منذ أن وصل السيسي إلى السلطة في يوليو 2013 بعد الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب في مصر، ألقت السلطات المصرية القبض على عشرات آلاف المعارضين السياسيين ووجهت إليهم اتهامات. حظر قانون صدر بعد فترة قصيرة من الإطاحة بمرسي جميع الاحتجاجات السلمية، واستخدمته السلطات كمبرر لاعتقال ومحاكمة آلاف المتظاهرين. كانت الاعتقالات التعسفية والاخفاء القسري على نطاق واسع سمة مميزة لحكم السيسي.
بين الإطاحة بمرسي ومايو 2014، وثّقت مبادرة "ويكي ثورة"، المدنية المصرية المستقلة توقيف أو محاكمة 41 ألف شخص. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون اعتُقل 26 ألف آخرين في 2015 و2016، كما قال محامون وباحثون في حقوق الإنسان. اتسعت حملة القمع في البلاد بسرعة لتشمل عشرات الكتّاب والصحفيين والفنانين والنشطاء السياسيين والحقوقيين بسبب انتقاداتهم السلمية. قال السيسي نفسه في يونيو 2015 إن "هناك أبرياء في السجون"، وأصدر عفوا رئاسيا عن أكثر من 1,100 شخص، اعتُقل عديد منهم أثناء الاحتجاجات السلمية.
لم تقدّم السلطات المصرية تصريحات وافية عن عدد السجناء في البلاد. لكن بعض التصريحات التي أدلى بها المسؤولون إلى وسائل الإعلام أقرّت بأن هناك على الأقل 34 ألف حالة اعتقال متعلقة بالقمع الحالي.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة المصرية أن تقدّم أرقاما شاملة حول عدد السجناء الذين تحتجزهم، وأن تنشئ قاعدة بيانات يمكن للعائلات الوصول إليها ليتسنى لها العثور على أقاربهم المسجونين. كما ينبغي أن تكون قاعدة البيانات متاحة للمحامين والباحثين.
تشرف وزارة الداخلية على جميع السجون في مصر وتديرها. مع ذلك، يُحتجز آلاف المعتقلين، لا سيما المحتجزين قبل المحاكمة، في مراكز الشرطة وأماكن احتجاز غير رسمية. في أكتوبر 2018، قال مساعد وزير الداخلية للرقابة على السجون اللواء زكريا الغمري إنه أُفرج عن أكثر من 115 ألف سجين منذ 2014.
في مايو 2015، قال "المجلس القومي لحقوق الإنسان" الذي تدعمه الحكومة في تقرير إن السجون استوعبت 160 بالمئة من سعتها، وإن مراكز الشرطة استوعبت 300 بالمئة، في الأشهر التي أعقبت الإطاحة بمرسي. أدى الاكتظاظ وسوء ظروف الاحتجاز إلى حدوث "موجة" من الوفيات في الحجز وثّقتها هيومن رايتس ووتش.
في مقابلة 60 دقيقة، نفى السيسي أيضا ارتكاب القتل المنظم والواسع بحق المتظاهرين الذين كانوا سلميين إلى حد كبير في ميدان رابعة في أغسطس 2013، الذي أشرف عليه شخصيا كوزير الدفاع. في يوم واحد، قتلت قوات الأمن 817 شخصا على الأقل، عندما فرّقت بعنف عشرات آلاف المتظاهرين الموالين لمرسي الذين تجمعوا للاحتجاج على الإطاحة به من قبل الجيش.
كان هذا أكبر حادث قتل جماعي للمحتجين في تاريخ مصر، وإحدى أكبر عمليات القتل في العالم في العقود الأخيرة، وقد تشكل جرائم ضد الإنسانية. كما شاركت قوات الأمن في عديد من حوادث القتل الجماعي للمحتجين قبل تفريق اعتصام رابعة وبعده.
قال السيسي في المقابلة إن آلاف المتظاهرين كانوا مسلحين خلال تفريق المتظاهرين في ميدان رابعة، وهو ما يتناقض مع ما توصلت إليه هيومن رايتس ووتش. كما يتناقض هذا الادعاء مع التصريحات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية التي قالت إنها وجدت 15 بندقية فقط مع متظاهري رابعة. بعد عدة سنوات، في محاكمة جماعية جائرة لأكثر من 730 متظاهرا من رابعة ولقادة "الإخوان المسلمين"، قدمت السلطات 13 بندقية آلية و36 سلاح خرطوش كأدلة.
بالإضافة إلى ذلك، اتهمت عديد من البيانات والتقارير الرسمية الشرطة باستخدام القوة المفرطة. قال رئيس الوزراء السابق الذي أشرف على عملية التفريق، حازم الببلاوي، في عام 2014 إنه "يجب تقديم كل من ارتكب خطأ في أحداث رابعة للمحاكمة والتحقيق معه". حمّل تقرير حكومي رسمي لتقصي الحقائق حول أحداث رابعة، نُشر ملخصه في نوفمبر 2014، المسؤولية للمتظاهرين إلى حد كبير عن العنف والإصابات، لكنه أقرّ أيضا بأن قوات الأمن لم تستهدف المسلحين فحسب.
قال بيج: "كلام الرئيس يتناقض مع الحقائق، من عمليات القتل في ميدان رابعة، إلى عدد الصحفيين المسجونين اليوم لمجرد القيام بعملهم. محاولة السيسي المفضوحة لتقديم معلومات مغلوطة لا يمكنها أن تصمد في وجه أبسط تدقيق".