بقلم إبراهيم حجي
أدت الحكومة الايطالية الجديدة اليمين الدستوري أمام رئيس الجمهورية ماتاريلا في أول يونيو الماضي، حيث تكونت من تحالف حركة الخمس نجوم الشعبويه صاحبة النصيب الاكبر من الاصوات في الانتخابات التشريعيه مارس الماضي بزعامة دي مايو ورابطة الشمال التي يتزعمها سالفيني، هذه الاخيره التي القت بتحالفها مع اليمين -المكون من حزب بيرلسكوني وحزب ميلوني -جانبا لحين الحاجة إليه .
أتفق حليفي الحكومة الجديدة على عقد شراكة يضمن تحقيق ابرز الوعود التي جاءت في حملاتهم الانتخابية ، واختاروا جوزيبي كونتي ليرأس الحكومة ، سالفيني نائب اول ووزيراً للداخلية ولويجي دي مايو نائب ثاني ووزيراً للعمل.
منذ توليه المنصب اتخد سالفيني من صفحته على الفيسبوك مكانا لاستكمال حملته الانتخابية وتصريحاته الاعلامية والتعليق على كل الاحداث الجارية، مستخدماً خطاب شعبوي بالدرجة الاولى تجاوز خطابات حركة الخمس نجوم الشعبوية ذات نفسها، مغازلاً متابعيه ببث حي اسبوعي عبر صفحته في الفيسبوك من داخل مكتبه يشرح فيه كل خططه وزياراته الخارجية، ويتصيد كل مايخص الأجانب والمهاجرين في صفحات الحوادث وينشره لمتابعيه ضمن خطاب كراهية غير مسبوق كان له تأثيره على القانون الذي تقدم به إلى غرفتي البرلمان، والذي حمل اسم "قانون الامن"، هذا القانون الذي جاءت معظم بنوده معادية للمهاجرين في مقابل بند واحد خاص بالمافيا وآخر خاص بالبوليس والمطافئ، بمعنى آخر ربط الأمن بالمهاجرين.
اما حركة الخمس نجوم ففي البداية انخرطت في البحث عن تمويل لتنفيذ اهم وعودها الانتخابية -وهو قانون المعاشات وبدل بطالة مغري للعاطلين عن العمل - ولكنها لم تحصل عليه حتى كتابة هذه السطور ، واضطرت لتأجيل تنفيذه للعام المقبل بالرغم من إعلانها المستمر بتوفر هذا التمويل، ومع الوقت عانت الخمس نجوم من تصدر سالفيني للمشهد السياسي في وسائل الإعلام وتباعاً انضمام بعض المقاعد البرلمانية إلى رابطة الشمال، فطبقاً لآخر استطلاع انتخابي اكتوبر الماضي رابطة الشمال وصلت إلى 34.7 % مقارنة بنتيجة مارس الماضي والتي كانت 17.4 ، وتراجعت حركة الخمس نجوم إلى 28.7 بعد ان كانت نسبة التصويت في مارس 32.7، هذا التراجع الذي فسره البعض بأنه كان هدف سالفيني الغير معلن باستمرار الحملة الانتخابية وكسب اصوات جديدة، وهذا ما يتحقق بالفعل ليصبح سالفيني الرجل الاقوى سياسياً في ايطاليا.
في الشأن الخارجي ايضاً باتت سياسة الحكومة الجديدة تجاة ليبيا اكثر وضوحاً حيث انها تميل إلى المعسكر الإسلامي او المجلس الرئاسي في طرابلس خلافاً لما جاء في البرنامج الانتخابي لحركة الخمس نجوم التي قالت انها ستترك الليبيين لتقرير مصيرهم ، وهذا ما فسرته تصريحات سالفيني بعد زياراته الاخيرة لتونس وقطر وحشد ايطاليا لمؤتمر باليرمو حول ليبيا - وبالطبع ستحاول فرنسا إفشاله بكل الطرق مثلما فعلت إيطاليا في مؤتمر باريس - ولكن بات واضحاً ان إيطاليا في صف قطر وتركيا دعماً للمجلس الرئاسي ، في مقابل فرنسا والإمارات ومصر مع حفتر وبين المعسكرين ترقص الجزائر -جدير بالذكر ان انابيب مد الغاز من ليبيا إلى إيطاليا لم تتوقف حتى اثناء النزاع المسلح الذي جاء بعد قيام ثورة ليبيا 2011 ولكن يبدو ان سالفيني يبحث عن الرز القطري الى جانب الغاز الليبي- وبالكلام عن الغاز وملف الطاقة كان واضحاً التناقض بين حليفي الحكومة الايطالية الجديدة ،فحركة الخمس نجوم كانت ضد مد انبوب الغاز القادم من اذريبيجان TAP عبر تركيا وألبانيا حفاظاً على علاقاتها بروسيا التي تمد ايطاليا بـ 38 % من احتياجاتها للغاز، اما سالفيني فلم يكن يرى اي مشكلة في خط TAP ، وصرح بهذا تعليقاً على المظاهرات التي خرجت في إيطاليا لتعارض خط الغاز الأذربيجاني. خارجياً ايضاً تميل الحركات الشعبوية اليمينة الصاعدة في اوروبا إلى سالفيني اكثر من حركة الخمس نجوم وتنسق فيما بينها الآن لتحالف من أجل خوض الانتخابات البرلمانية الأوروبية مايو 2019.
امام الحكومة الجديدة تحديات كبيرة خصوصاً بعد الازمة التي نشبت بينها وبين الاتحاد الاوروبي عقب رفض الاخير لخطة الموازنة المقترحة-ما أدى إلى هبوط للاسهم الاوروبية اثّر على قيمة العملة الأوروبية الموحدة -ومحاولات الحكومة لتنفيذ وعودها الانتخابية الغير مدروسة كما تصفها المفوضية الاوروبية سيؤدي الى زيادة عجز الميزانية بنسبه أعلى من الحد المسموح به من قبل البنك المركزي الأوروبي.
كما بدا واضحاً ايضا اختلاف حليفي الحكومة في الملف المعروف اعلامياً بـ TAV وهو مشروع لانشاء خط قطار سريع يربط بين تورينو الايطالية وليون الفرنسية ، حيث تعارض حركة الخمس نجوم المشروع ويؤيده سالفيني .
أما عن المعارضة في إيطاليا فيبدو ان الحزب الديموقراطي "رينسي" يمر باعادة تشكيل جذري من خلال انتخابات داخلية لاختيار زعيم جديد للحزب ، ما ادى الى غياب اي معارضة تذكر منذ تولي الحكومة يونيو الماضي ، لتبقى المعارضة الوحيدة في ايطاليا اليوم هي الدّيْن العام الايطالي SPREAD الذي يقدر بربع الدين العام في منطقة اليورو.