القصر ضد أخنوش، ولادجيد (المديرية العامة للدراسات والمستندات، وهو جهاز مكافحة التجسس في المغرب، يرتبط مباشرة بالمؤسسة الملكية المغربية) تطالب برحيل ناصر بوريطة (وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي)! ماذا يحصل: المقاطعة ستؤدي إلى زلزال ملكي وحكومة جديدة ـ مايسة سلامة الناجي
مايسة سلامة الناجي |
رغم أن الملك محمد السادس كان قد خرج لتوه من عملية تنظيم دقات القلب ويحتاج فترة نقاهة، إضافة إلى ما يمكن وصفه بأزمة أسرية نشرتها جرائد ومجلات خارجية وهابت الصحافة المغربية الخوض فيها، تقلبات صحية وأسرية لابد لها وقع على نفسية محمد السادس الإنسان الرجل والأب وكان يحتاج خلالها إلى مسافة ليرتاح ويعيد حساباته، غير أن الهزات التي عرفتها عدد من الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية سأدقق فيها لاحقا في المقال: كملف الصحرا الذي يضعه محمد السادس في نبض أولوياته رغبة منه في أن لا يورث هذه المعضلة لابنه الحسن الثالث، مثل احتجاجات جرادة والتدخلات الأمنية والاعتقالات وتأزم كان وشيكا في مناطق أخرى من المغرب.. اضطرته إلى قطع فترة نقاهته حين وجد نفسه محزم بقلة من الرجال والكثير من الشمايت. فأعطى إشارات كثيرة بعد عودته.. التقطنا كثيرا منها وسأبدي من خلال هذا المقال رأيي في هذه الإشارات اتجاه ثلاث مؤسسات تقود البلد.
المؤسسة الأمنية: فور عودة الملك محمد السادس قام بزيارة رسمية لمقر الفرقة الأمنية الجديد بقيادة عبد اللطيف الحموشي الذي يلعب دورا لا لتأمين البلد من الضربات الخارجية والداخلية فحسب، إنما يضطر في غياب الساسة والوساطات الحزبية والجمعوية إلى تهدئة الأوضاع الاجتماعية بما تحت يده من آليات: الاعتقالات. ومهما اتهمنا هذه السياسة البوليسية في إدارة الشعب ومطالبه الاجتماعية البسيطة فالذنب ذنب الشمايت من السياسيين الذين يختفون ويذعنون لدولة البوليس بدل حماية الشعب برفع مطالبنا من الشارع نحو المؤسسات، والذنب ذنب الجمعويين والحقوقيين الذي يترزقون خزينة المملكة باسم حمايتنا من التعذيب ولا أحد يجدهم أمامه وهو جالس على "القرعة" في كوميساريات من بقايا عقلية البصري وعرشان. فالأمن في النهاية ليس سوى آلة ضبط النظام تتحرك حين يتغيب الجميع عن ضبطه. والملك لم يخفي أبدا شكره وامتنانه لآلة الضبط هاته التي تحقق لعرشه الاستقرار في حضوره كما في غيابه، شكرها في خطابه عن حراك الريف، كما شكرها بزيارته الأخيرة.
الحكومة الأخنوشية: إشارة أخرى كتبتها عبر مقال هنا في الصفحة رغم أن البعض وصفه ب: "الزيادة فيه ـ وتضخيم تفاصيل بسيطة"، وهو أن الملك محمد السادس خلال أول مجلس وزاري له بعد طول غياب افتتح كلامه بسؤال وزير الفلاحة والصيد البحري أخنوش عن حال الفلاحة. وتساءلت إن كان هذا تعبير عن الرضا أم أنه تعبير عن السخط، خاصة مع ما وقع في ملف اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي حين قضت المحكمة الأوروبية بوقف استيراد أسماك المناطق الجنوبية بدعوى أنها مناطق نزاع، وكان جواب أخنوش هو: "لازم نحددوا فالاتفاق ماذا نعني بالأقاليم الجنوبية بشكل واضح" ـ جواب من التفعفيع والذل والتخاذل بما يصدم ويصعق ويجعل طرده أمرا واجبا، جواب يوحي أنه ليس رجل المرحلة وأنه أصغر من أن يتحمل ملفا بهذا الحجم يبذل فيه محمد السادس صحته وعمره حتى لا يتركه عالقا بعده فيقال أنه لم يصن أمانة الصحرا في عهده. فاضطر محمد السادس حينها التدخل بنفسه ليصحح فضيحة أخنوش قائلا: "المغرب لن يوقع أي اتفاق إلا على أساس سيادته الكاملة على كل ترابه الوطني." وفعلا، تراجع بعدها الاتحاد الأوروبي عن القرار وحددت مدة زمنية جديدة لمبادلات الصيد البحري تشمل الأقاليم الجنوبية. وبعد عودة الملك محمد السادس وانطلاق حملة المقاطعة الشعبية بأيام، والتي شملت أفريقيا للمحروقات ـ وسيدي علي ـ وسنطرال، اتضح أن القصر رفض أن يجعل نفسه خصيما للشعب، بل إن سفيان البحري مدير صفحة الملك محمد السادس على الفايسبوك أعلن تضامنه المطلق مع الحملة قبل أن يسحبها مخافة أن تُقرأ على أنها "تضامن ملكي رسمي"! كما أن مجموعة من صور بذلات القوات المسلحة الملكية من مختلف الإدارات تضامنت مع حملة المقاطعة ولا يعقل أن يكون هذا تمرد لهؤلاء الضباط إن لم يكن تضامن مأذون له. وهذا يعني أن القصر فهم أولا أن هذه الحكومة الحالية بقيادة العثماني صوريا وقيادة أخنوش فعليا فشلت بالكلية في لعب دور الوساطة بين الشعب والقصر بل إنها عرت المؤسسة الملكية في مواجهة مباشرة مع الغضب الشعبي وتردي أوضاعه، وأن الاستمرار في الدفع بأخنوش الذي يمثل لدى المغاربة إقطاعيا محتكرا مستثريا نحو الحكومة والبرلمان هو دفع بالقصر نحو الهاوية، ودفع بالديمقراطية نحو الهلاك، ودفع بالشعب نحو مزيد من الغضب والتأزم. وأن ارتجاجا حكوميا قادم لا محالة.
المخابرات الخارجية والديبلوماسية: كما اضطر محمد السادس، مرة أخرى، إلى التدخل المباشر حيث القلوب لدى الحناجر تترقب تقرير مجلس الأمن، وقام بتصعيد غير مسبوق ملوحا بالحرب مع البوليزاريو إن لم تتراجع عن المناطق العازلة المتفق عليها في اتفاقية وقف إطلاق النار، لردع الأمم المتحدة أو مجلس الأمن عن أي انحياز للبوليزاريو في الملف! وحين نتحدث عن تدخل ملكي في آخر لحظة، نتحدث عن فشل الديبلوماسيين الذين يشتغلون وراء الكواليس على طول العام. فلا يجب على المغرب أن يستمر في سياسة ردة الفعل في آخر لحظة. باختصار.
ويبدو أن حدسي كان موفقا حينها لما أشرت عبر مقال أن المنابر الإعلامية التابعة للادجيد (المخابرات المغربية الخارجية) لم تنخرط بشكل كاف في الحملة الإعلامية الشرسة لمواكبة التصعيد الملكي والتلويح بالحرب وللترويج لتحركات وزير الخارجية ناصر بوريطة وكبير الديبلوماسيين المغاربة عمر هلال، الذين قاموا بعمل متميز ناجح أفضى إلى تقرير لمجلس الأمن لم يغير كثيرا من الوضع القائم بالصحرا، وهذا كان الهدف: إطالة الوضع القائم إلى غاية إيجاد حل حتى لا نسقط في توصية أممية بالاستفتاء... فتساءلت حينها عن سبب هذا التخاذل الإعلامي للادجيد: هل هي غضبة ملكية عليهم، أم أنه صراع داخلي بين موظفي لادجيد وبين وزير الخارجية ناصر بوريطة جعلهم يهملون تحركاته!!
ناصر بوريطة: هذا الشاب الذي يبين لأول مرة أنه بإمكان ولد الشعب أن يصل لمنصب سامي مثل منصب وزير الخارجية دون وساطة ولا باك فالعرس ولا كنية!! هذا الشاب ولد الشعب المجتهد الذي لا تظهر عليه آثار النهب والاختلاس والترزق كما ظهرت على سابقيه من وزراء الخارجية الفهريين الطيب الفاسي الفهري والمفعفعين صلاح الدين مزوار. هذا الشاب المجتهد الذي يضع نصب عينيه هدفا واحدا: الالتزام، في خدمة قضية الصحرا، الالتزام، في خدمة الأجندة الملكية الإفريقية... التزام لدرجة فور وصوله للوزارة قام بتصفية أكثر من %60 من المناصب وقطع ميزانيات الريع (ميزانية دعم مؤسسة ابراهيم الفاسي الفهري ولد الفشوش الذي أصبح يتزعم ملفات الديبلوماسية غير حيت باه فالعرس)، وقطع التبزنيس عن الوزارة وقطع المرتزقة الذين يحلبون قضية الصحرا، ومنذ ظهوره لاحظ المغاربة الكثير من الإنجازات التي سطرها الملك محمد السادس تظهر على أرض الواقع، منها العودة إلى الاتحاد الإفريقي، وإعادة العلاقة مع دول إفريقيا الأنچلوساكسونية، وتحسين العلاقات مع دول الأراضي المنخفضة، وتجاوز الأزمات مع الخليج بمرونة، وإقرار سيادة المغرب في قرارات مثل قطع العلاقة الديبلوماسية مع إيران رغم ما يروج عن أنه قرار أمريكي لعب فيه المغرب دور تبعيا... وتغير نظرة المغاربة ونظرة الملاحظين الدولين عن السياسة الخارجية إلى الأفضل. عدم دخول المغرب لمجموعة سيداو لايمكن اعتباره فشل بوريطة لأن المغرب لازال يحاول بهدوء ويحتاج ديبلوماسية النفس الطويل.
لكن يبدو أن هذا لم يعجب الكثير من الفاعلين الديبلوماسيين الذين يفضلون استمرار الوزارة تمشي على يد شي بانضي حتى يستمر بعضهم يرتعون في السلطة والمال والأهواء!! قد يكون لناصر بوريطة الكثير من السلبيات حسب ما لاحظت كمتتبعة جيدة للأحداث، منها أنه شخصية انعزالية ولربما لا يستشير كثيرا من سبقوه خبرة في الديبلوماسية والمخابرات الخارجية ويظن أن تمكنه من ملفاته لا يحتاج الاستشارة والعون، وبالتالي عزل الكثيرين عن أمور كانت لهم فيها كلمة فأحسوا بالإهانة... وقد سمعت هذا من عدد من الصحفيين المطلعين! ولكنه ليس بالأمر الذي يستدعي كل هذا السخط، فربما توصية ملكية واحدة تطالبه بالانفتاح على الآخرين كافية لإعادة المياه إلى مجاريها بين الخارجية ولادجيد خاصة وأنه يوجد على رأس لادجيد رجل يصفه الجميع ب "ولد الناس" البعيد عن الحسابات والأحقاد المجانية: ياسين المنصوري، ولابد أن التعاون بينه وبين بوريطة سيوتي أكله، كلاهما يتصفان بالجدية والاستقامة والتعالي عن الاسترزاق والريع. إصلاح ذات البين بدل إشعال حرب فارغة بينهما والترويج لمقال على موقع مغرب إنتيليجنس بأن الملك سيستبدل هذا بذاك! المنصوري رجل خجول كما يبدو رغم حنكته وكفاءته العاليتين، وبوريطة رجل نشيط وملتزم وكل في مكانه الطبيعي! وإن كان استبدال بوريطة تحصيل حاصل فهل سيجدون مكانه شخصا نشيطا يستمر في تصفية الوزارة وتنقيتها من مرتزقة قضية طالت بسبب البيع والشراء والاستثراء أكثر من الازم!!
في النهاية، أتوقع زلزالا ملكيا حقيقيا، أستبعد أن يكون في الداخلية بسبب رضا الملك عن الأمن. أتمنى أن يستهدف في الخارجية عملاء الريع ولا يستهدف ولاد الشعب المخلصين حتى إن غضب الغاضبون. أتطلع إلى أن ينهي مسيرة أخنوش السياسية المفبركة، أخنوش الذي ثقب جيوبنا ويريد أن يثقب مؤسساتنا ويوصل وضعنا إلى ما لا يحمد عقباه. شكرا للمقاطعين على هذه الحركة الاحتجاجية القوية التي لم تسبق لها مثلة في المغرب!