حسن أمحاش: خلفيات اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل وتخادل دول الجوار - الإيطالية نيوز
Facebook social icon TikTok social icon Twitter X social icon Instagram social icon WhatsApp social icon Telegram social icon YouTube social icon

آخر الأخبار

حسن أمحاش: خلفيات اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل وتخادل دول الجوار


حسن أمحاش
إذا كان في الأيام المقبلة، كما توحي العديد من القرائن، سيعلن دونالد ترامب عن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، سيكون لدينا تأكيد نهائي على أن النصف الثاني من الحرب السورية بدأت. فإذا اتُخد القرارُ، لن تكون، طبعا، كلمة عفوية من ترمب، ولكن تحركات تمت درساتها ووضع معاييرها جيدا، تحركات ترغب بها الإدراة الأمريكية بناء محور ضروري لاستعادة مكانة القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، الذي تأزم فيه الوضع بقوة بسبب الاندفاع الروسي، وبسبب تمدد التأثير السياسي ـ ديني لإيران، وأيضا بسبب تسوية العلاقات مع تركيا.

وحتى نتمكن من استيعاب ملامح هذه اللوحة السياسية القبيحة لدى العرب والمفرطة للجمال بالنسبة للمحتل الصهيوني، ومسك خيوط اللعبة القدرة في بدايتها، يجب، في المقام الأول، إعادة بناء "قضية القدس الشريف". الجميع يتذكر انتصار الكيان الصهيوني في حرب "ستة أيام"، في سنة 1967، حينها حصلت ما يطلق عليها "إسرائيل" على السيطرة ومراقبة الضفة الشرقية للقدس في حين جرى تقسيم النصف الثاني إلى إثنين في سنة 1948 على إثر إعلان دولة إسرائيل، كما بسبب الحروب التي أعقبت إعلان قيام دولة بن غوريون.  في سنة 1967 أعلنت أن سيطرتها على القدس ومراقبتها لها لا يتعلق بضمها، ولكن، فقط، ذلك كان مجرد "إدماج قانوني و إداري". وهو الموقف الذي سرعان ما تغير حينما أقرت المحكمة العليا الإسرائيلية بأن القدس الشرقية أصبحت "جزء ا لا يتجزأ" من الدولة العبرية. في 1980، أخيرا، يصادق البرلمان الإسرائيلي على قانون بشأن القدس كجزء من القانون الأساسي للدولة اليهودية، باعتبار القدس عاصمة موحدة للدولة العبرية.

أما بالنسبة لبقية العالم، فإن كل ذلك ليس له أي قيمة. لذا، فهيأة الأمم المتحدة اعتبرت القدس الشرقية "تراب محتل"، وهو الوضع الذي دام منذ سنة 1947، حينما تمت المصادقة على المرسوم رقم 181، الذي يقول: "إن القدس ستبقى وحدة منفصلة مدعومة بنظام خاص دولي وتدار من قبل هيأة الأمم المتحدة". وهي الفكرة التي تم تأكيدها دائما، من قبل قرار الجمعية العامة لسنة 1949 ومن قبل التقرير الخاص لحقوق فليسطينيي سنة 1979، ومن قبل قرار 63/30 لسنة 2009، ومن قبل ستة قرارات أخرين لمجلس الأمن، متضمنا بذلك قرار 478 لسنة 1980، الذي يعرّف بأن القانون بشأن القدس المصادق عليه من طرف "كنيست" هو خرق للقانون الدولي.
باختصار، من وجهة نظر الشرعية الدولية، إن ضم الكيان الصهيوني للقدس الشرقية له نفس الخرق الذي ارتكبته روسيا بالاستيلاء على شبه جزيرة القرم، التي كانت تحمل قديما إسم "المسجد الأبيض"، لكنها الآن تحمل قاعدة بحرية روسية.

هكذا يفكر في ذلك العالم قاطبة، مع بعض الفروق الدقيقة، أي مع استثناء جمهورية التشيك والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي وروسيا، والفاتيكان: الجميع واقف على الوحدة المنفصلة إلى غاية وصول دونالد ترمب، الذي لم يعين السفير دافيد فريدمان، بمحض الصدفة، وهو يهودي أرثودكسي، بإشارة غير عادية من الرجل الديبلوماسي، الذي ذهب، بعد انتزاعه الجزية من السعودية بمليارات الدولارات (أكثر من 450 مليار دولار)، للتعبد والصلاة والتضرع في حائط المبكى.

ومن الواضح أن ترمب إذا اتخد قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب (حيث تبقى جميع الدول الأخرى) إلى القدس، سيعترد بضم بضم القدس الشرقية، وسيجعل المستوطنات تتخد الصبغة القانونية والمشروعة، إذن كل شيء سيتغير، من دون أن يجرؤ أي رئيس مسلم أن ينظر عين عين في وجه ترمب أو يستفسره بنبرة أعلى قليلا من نبرته، لأن القوة الأمريكية اطمأنت بعد الجزية السعودية بأن كل شيء ممكن مع ترمب، وأن المجتمع الدولي ليس إلا متفرج، شأنه شأن الثور الأسود عندما أكل الثور الأبيض. لكن لماذا الآن كل هذه التغيرات؟ وفيما تنفع هذه التحركات؟

ليس صدفة إذا "قضية القدس" تفتح من جديد بالضبط بينما الإدارة الأمريكية نفسها تعلن تقديم، مع بداية سنة 2018، خطة سلام بين إسرائيل (الكيان المستعمر) والفلسطينيين (السكان الأصليين). وإذا يكون لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشريف خدمة يراد بها تقوية إسرائيل، فإن خطة السلام ينبغي بها هنا تعزيز موقف المملكة العربية السعودية، التي هي فو الواقع راعي وممون كبير للسلام وللحرب. فالسعوديون، في الواقع، يتوقون إلى خلق تحالف حقيقي (وهو التحالف القائم من قبل) مع إسرائيل، ومن الواضح أنه ذو وظيفة ضد إيران. ومن أجل القيام بذلك التحالف، يجب أن تمنح شيئا ما للعالم العربي، بالأخص، يجب عليهم تفادي أن يشار إليهم على أنهم خونة القضية الفلسطينية.

وهنا بالضبط، أجد نفسي لا مفر لي من أن أذكر جيدا "ياكوف نجيل"، الذي كان إلى حدود الربيع الماضي مستشار الأمن الوطني للووزير الأول الإسرائيلي، نتانياهو، الذي قال بأن السعوديين لم يعد يهمهم شيئا عن الفلسطينيين، وأن ولي العهد محمد بن سلمان يكفيه أن يقول "هناك اتفاق" متحفظا، ربما، عن قناعته الحقيقية وقامعا كلمة الصدق في داخله ممررا الكلمة إلى أبو مازن  وقيادته الفاسدة مع بعض الحقن القوية من المال.

عند هذه النقطة، من الممكن أن يولد المحور الإسرائيسعودي" ويتصدى للتأثير المتنامي لإيران بقوة كبرى وفعالة، مقحما بعض الرفاق مثل رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، الذي لجأ، منذ شهر مضى، إلى السعودية هاربا من تهديدات حزب الله له بالقتل.
وبمباركة من الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة ترمب، الذي تتقلب مواقفه وقراراته بوتيرة سريعة كالحرباء، أمنت السعودية نفسها بما يكفي من الأسلحة الأمريكية، ما يفتح مظلة كبيرة سياسية على إسرائيل وعلى سياسات الإستيطان والتنصل الترمبي من الاتفاق النووي الإيراني الموقع عليه في سنة 2015. ذن، هكذا، سننتظر نشوب الجزء الثاني من الحرب تتركز بشكل خاص على سوريا.