يونس لعبودي |
قلة قليلة من المهاجرين العرب يشاهدون القنوات التلفزيونية الإيطالية، بل إن البعض لا يعلم من وسائل الإعلام في هذا البلد الجميل إلا ما يخصّ مواضيع عن أوراق الإقامة، أو غرق سفينة تنقل مهاجرين، أو متابعة مهاجر في قضية عامة أو خاصة تحدث ضجة فيضطر إلى مشاهدة بعض التقارير الإخبارية من دون أن يفهم مضمون معظمها، فيبني عليها معظم تصوراته عن وسائل الإعلام الإيطالية.
أعرف صديقا عزيزا لا يعلم من وسائل الإعلام بإيطاليا إلا قراءة بعض الصحف على شبكة الإنترنت، وكثيرها يخص الرياضة وكرة القدم على نحو خاص، مع أنه قضى نصف عمره بهذه الأرض ودرس فيها وتعلم، لكن معظم أخباره وهو بهذا البلد يستقلها من وسائل إعلام عربية لها اهتمامات أخرى تخص قضايا كثيرا ما تتصل بواقعه القريب وتهم بلادا بعيدة، أي بلده ووجعه، بل تجد قنواتنا الإخبارية العريقة تسيطر على كل شي يشاهده، فيحمل معه حياته في بلده إلى بلاد الغربة، ويعيش حياتين في آن واحد، أولهما تربطه ببلده وثانيها يعيشها في موطن رزقه.
تجد صديقي العزيز هذا متابعا، على سبيل المثال لا الحصر، برنامج "جاك المرسول" ولا يعرف شيئا عن "تْشي بوسطا بير تي"، مع أن الأول نسخة كربونية من الثاني، لكن ببهاراتنا نحن بكل ما تحمله من غم وهم وحزن فيضيف لغربته وجعا على وجع.
لا يخلو بيت مهاجر عربي بإيطاليا، مثلما في فرنسا ولجيكا، وسائر أوروبا، من جهاز لاقط، أو كما يسميه المشارقة ب"الدش" والمغاربة ب "البارابول"، وغدى تحديد تواجد المهاجرين العرب في مكان ما بكثرة هذه اللواقط على شرفات وسطوح منازلهم، بل يكون تفكير المهاجر وهمه، في بعض الأحيان، هو أين يضع هذا "الدش" وذاك "البرابول"مع أنها، ربما، ممنوعة بقوة القانون وقد تضطره إلى دفع غرامات قاسية في كثيرة من الأوقات، لكن السلطات كثيرا ما تغض الطرف عن هذا كما عن أشياء أخرى إيمانا بروح القانون، وليس بحرفيته، وضرورة لعدم هدم اندماج كثيرا ما يكون مائلا.
ليس خفيا أن ما تعرضه القنوات الإيطالية والأجنبية على العموم يخالف ما تعودنا عليه في أوطاننا، سواء تعلق الأمر بالمواضيع الإجتماعية والسياسية والإقتصادية التي تطرحها، مع اقتحام فجا في كثير من الأحيان لطابوهات كثيرة يخجل بعضنا من مشاهدتها أو الاقتراب منها، إما لأسباب دينية أو تربوية، وفي كثير من الأحيان، نحاول إغماض أعيننا عنها حتى لا نهدم ما تعودنا عليه في بلداننا مع كل ما في ذلك من هروب من مشاكل هي موجودة حتى في بلداننا.
لا يشاهد المهاجر العربي قنوات الإعلام الإيطالي، ربما لأسباب موضوعية تتعلق باللغة وطريقة العيش، أو اختياره العيش في جماعة تنتمي لبلده الأصلي، أو يغامر فينفتح على مجتمع الإيطاليين بكل تناقضاته التي تبدو له، طالما أن اختار العيش بهذا البلد مع استثناء من اختار، منذ البداية، التعرف على هذا البلد وعبر ما يمرر من برامج سواء أحببناها نحن أم كرهناها.
أضف على هذا كله أن جل مغتربينا، خاصة الرعيل الأول، تنقصه الكثير من المعارف، وقلة منهم من تلقوا تعليما يجعلهم يقبلون على فهم مايدور حولهم بلغة المكان الذي يعيشون فيه، فكيف لمن منا لم يتذوق قط طعاما إيطاليا وهو مقيم لسنوات بهذا البلد أن يشاهد قنوات تتحدث لغة أخرى غير لغته! مع أن الأَوْلى أن يقبل على الأولى ويتعلم الثانية.
أما الأسباب الأخرى، فهي قيمة المواد التي تعرضها هذه القنوات ومدى حب هذا المهاجر وانسجام طبيعته معها أم لا، وهي سواء اتفقنا أو اختلفنا معها متنوعة منها قنوات الأفلام والبرامج السياسية والإقتصادية والرياضية خاصة في بلد يتنفس الرياضة كما نتفس نحن الهواء.
للأسف الشديد لا تزال إيطاليا تفتقد لقنوات تنقل المجتمع الإيطالي ليتعرّف عليها المهاجرون كما هو الشأن ببلدان أخرى، ولسنا نعلم إن كان بداعي الخوف من القادمين من الجنوب أم أن هناك نقصا في معرفة إيطاليا بحجم ما تهضره ببعدها عن خلق مثل هذه الطرق لتقريب المهاجرين منها أكثر وتجاوز الفشل الكبير لسياسات الإندماج الذي تعاني منه هذه الأرض الطيبة ويبدو الأسوأ لاقدر الله قادما على الطريق.
المهاجر وأخص بالذكر العرب في هذا البلد يحتاجون مواقع عربية أيضا تنقل لهم إيطاليا بطريقة سهلة وتلامس واقعهم، وإذا اسثنينا بعض المواقع الإخبارية التي طفت على السطح كجريدة "الإيطالية نيوز" و "المهاجر بريس" "مغربيني" و"مغتربي مصر بإيطاليا" ءحيث يحضين بمتابعات جيدة لكنها لا تزال تحبو على طريق صعب ويحتاج إلى رؤوس أموال كما يغيب عنها العنصر البشري فلا يجد المهاجر ركنا إعلاميا يميل إليه.
سيزيل المهاجرون العرب بأوروبا لوإيطاليا خاصة "دواشيهم" و"بارابولاتهم" حين يصبح بإمكانهم مشاهدة قنوات التلفزيون الإيطالي والأوروبي حين يجدون أن هناك مواضيع تلامس قضاياهم بطريقة حقيقية، وليس بمجرد تذكرهم كلما كانت أخبار جرائم قلتهم تسبق جليل أعمال غالبتهم، وقبل ذلك ان تستثمر إيطاليا وغيرها في تعليمهم وترقية مداركهم المعرفية والثقافية، آنذاك سيكون المهاجر اول من يشاهد قنواتها ويحس بأنه جزء منها.