لم يكن الطفل "سيف الدين أحمد محمد حسن" وشقيقه "باسل" يعرفان أن الزيارة البريئة لوالدهما الذي يعمل في إيطاليا سوف تنقلب إلى دراما مأساوية. لكن القدر رتب لهذين الطفلين أن يشاهدا بأم عينيهما أباهما وهو يلقي بسيدة مغربية من النافذة بعد مشادة كلامية لم يستطع خلالها الأب أن يكظم غيظه، ولم يستجب لتوسلات ودموع وصراخ أطفاله أن يتركها وشأنها.
هذا المشهد العنيف رأته المحكمة صعبا على الأطفال وقررت حرمان أبيهم منهم، وعهدت بهم إلى عائلة إيطالية، علها تنسيهم هذا الألم النفسي الذي حفر في قلبيهما النضرين جرحا قد لا يندمل مع الزمن.
تلقت القنصلية المصرية في ميلانو الخبر، وكان عليها أن تنقذ الطفلين وتعيدهما إلى حضن أمهما التي لا تدري عنهما شيء في مصر.
ولعبت الجهود الدبلوماسية المصرية دورا إنسانيا لانتشال الطفلين من دار الرعاية في منطقة جبلية بضواحي مدينة تورينو حرصًا على مستقبلهما الدراسي حيث إنهم تلاميذ بمصر.
وعلى الفور قام دينامو القنصلية المصرية في ميلانو(بجهة لومبارديا) أحمد الطحلاوي بإنهاء جميع الاجراءات القانونية من أجل استعادة الصغيرين لتسليمهما إلى والدتهم في مصر ومنذ اليوم الأول من وقوع الحادث أصدر القنصل أحمد الطحلاوي تعليماته إلى طاقم القنصلية بإعلان حالة الطوارئ ومتابعة الموقف من أجل استعادة الاطفال قبل فوات الأوان نظرا لعدم وجود أي أقارب للأطفال في إيطاليا لرعايتهم.
الشرطة الإيطالية وهي تحقق في الجريمة لاحظت أن الطفلين يبكيان بهيستريا فقامت بإيداعها دار الرعاية الاجتماعية لحين النظر في أمر والدهما وأخطرت القنصلية المصرية بالواقعة لاتخاذ اللازم، فأصبح الاطفال في يوم وليلة بدون أب، بعد أن تقرر حبسه على ذمة القضية.
ولم ييأس أمام قرار المحكمة الطارئ في البداية بمواصلة إيداعهما في دار الرعاية إلى حين البحث والتحقق من وجود أهل للطفلين بمصر ومدي قدرتهم المادية والمعنوية لتربية الطفلين وتنشئتهما تنشئة سليمة.
ولم يهدأ للقنصل بال من أجل إنقاذهم وإعادتهم إلى مصر ومن خلال سلسلة طويلة من الإجراءات القانونية والدبلوماسية نجح في النهاية في انتزاع تقرير من الأخصائية الإيطالية ورفع التقرير إلي القاضي الإيطالي الذي أصدر حكمه بتسليم الطفلين إلى القنصلية المصرية على أن تتولى تسفيرهم إلى مصر، ثم حصلت قنصلية ميلانو على موافقة رسمية من مساعد الوزير للشئون القنصلية بالخارجية المصرية بتسفيرهم على نفقة الدولة. وقد حضرت مسئولة دار الرعاية التي اصطحبت الطفلين من دار الرعاية إلى مطار ميلانو وتسليمهم للقنصل أحمد الطحلاوي، الذي قام بنفسه بإنهاء جميع إجراءات حجز تذاكر الطائرة، وإعطائهم مبلغً من المال وتم تسليمهم إلى مضيفة الطائرة، ومتابعة خط سيرهم حتى تم وصولهم بسلامة الله مطار القاهرة الدولي.
ومن خلال العمل الدؤوب، للقنصل أحمد الطحلاوي ومتابعة الموقف يوميا من خلال طاقم القنصلية التي جندت لإنجاز مهمة إعادة الطفلين ومواجهة أي محاولة لمنع إعادتهم إلى موطنهم الأصلي وبيان مدي العواقب الوخيمة في حالة الرفض التي يمكن أن تترتب على بقائهما بدار الرعاية الاجتماعية التي يتيح لها القانون أن تمنح حضانة الاطفال المصريين لأحد الأسر الإيطالية وبالتالي فقدانهما إلى الأبد وضياع مستقبلهما الدراسي في مصر.
وفي المطار كان اللقاء الدرامي المثير بين الطفلين والدتهما، وكلهما رجاء أن تخفف المحنة التي وقع فيه الأب ودفع ثمنها سجنا خلف القضبان.
وقد بذل القنصل "أحمد الطحلاوي" جهدا خارقا وهو رب اسرة يعرف جيدا مدي الحرمان التي يعانيه الاولاد التي لا تعرف إلى أين ينتهي مصيرها.
وأخيرا اطمأن القنصل "الطحلاوي" من خلال الاتصال بوالدتهما للتأكد من سلامة وصولهما. وقد أرسلت والدتهما برقية شكر إلى البعثة الدبلوماسية بقنصلية ميلانو ورسالة مماثلة لمساعد الوزير للشئون القنصلية بوزارة الخارجية تشكرهم على الاهتمام ورعاية اطفالها حتى وصلوا سالمين إلى أرض الوطن.