بقلم جمال عمور، شقيق أب الطفلة حنان (في الصورة)
السلام عليكم، سأروي لكم القصة كاملة، سافر أخي صابر إلى إيطاليا سنة 1999 عبر تركيا ، ثم يوغوسلافيا، فالبوسنة، حتى وصل إلى إيطاليا بطريقة غير شرعية بعد سنة كاملة قضاها في الطريق. في سنة 2002 أراد تسوية وضعيته بعد صدور القانون، عندئذ كان أخي يشتغل مع خالي الذى يمتلك شركة مقاولات ومتزوج بإيطالية منذ ثلاثين سنة، ووعد أخي بأن يسوي له وضعيته، لأن الأمر كان أسهل ما يكون، و أن كل الشروط كانت متوفرة، بالأخص، أن خالي يملك منزلا كبيرا في «سوتسارا»، بمحافظة «مانتوفا»، إلا أنه خلف وعده و جعله ينتظر إلى أن أغلقت الترشحات بالملفات. ومنذ ذلك الوقت اصطدم أخي بواقع الغربة وانعزل على خالي و كان ربحه تلك المهنة pavimento، وكان يمتلك مهارات عالية في ذلك العمل، لكنه لا يملك التصريح بالإقامة، فبحث عن فتاة للزواج بها و من تلك الفترة بدأ في الأغلاط، فتعرف على امرأة أصلها من مدينة نابولي جاءت حديثا إلى شمال إيطاليا فأصبح يعيش معها (تعايش) بعدما استأجر سكنا باسمها في بلدة «ريدجولو»، بمحافظة «ريدجو إيميليا» يبعد قرابة 15 كلم على منزل خالي، و كان يستعد للزواج، إلا ان صديقته صارحته ذات يوم أنها حامل، و أنها لا تستطيع الزواج مبررة ذلك بأنها لازالت على ذمة رجل أخر أي على الرغم من طلاقها منه شفويا وفعليا، إلا القانون لم يحسم بعد في هذه القضية، لأن الطلاق لا يكون إلا بعد سنوات و أن زوجها و أبيها في المافيا و هم في السجن في بلدة «كاستيلّاماّري دي ستابيا»، بمحافظة «نابولي», و بما انها في شهرها الرابع لم يجد حلا سوى الانتظار، و في 2004 نشأت الطفلة «حنان الحلوفي»، بالمناسبة هذا لقب العائلة في تونس إلى حدود سنة 2000 ثم استبدل بعامر، الا ان أخي احتفظ بذلك اللقب إلى اليوم، و كانت الصغيرة حنان فاتحة بركة عليه، إذ بحصولها على الجنسيتين الإيطالية و التونسية، تحصل أخي على الإقامة و انتصب لحسابه الخاص عمل حر كحرفي، وكان يسدد الضرائب، ومسجل في "الإنبس" و"إينايل"، أي كل شيء كان قانونيا, و في سنة 2005 قررت السفر إليه لأن والدتي دائمة البكاء تريده أن يعود لزيارتها بعد سبعة سنوات غربة إلا أنه دائما يقوم بمراوغتها، عند وصولي إن لم تخوننى الذاكرة كانت حنان في عمر الزهور سنتين تقريبا، وجدت أخي في رغدة من العيش يسكن في فيلا كبيرة و يمتلك سيارة "جيب" كبيرة رباعية الدفع، كان يوفر كل مستلزمات المنزل و الرضيعة، إلا أن المشكلة الوحيد ة هي الأم Maria Rossi, فهي شديدة الغيرة على أخى، إلى أن وصل الشيء لحد الجنون، فانقلبت حياته تعاسة، حيث تسبب له الفضائح أين حل، في مقهى، في مطعم، في الشارع، فأصبح أخى مدمن على شرب الكحول، حتى احتجزت رخصة سياقته لمدة سنتين، واضطررت للسياقة عبدلا عنه عند ذهابنا إلى العمل، و عملت جاهدا أن أوفق بينهم لكن من دون جدوى، فكانت الأمور تزداد تعقيدا يوم بعد يوم، وكانت زوجة أخي ماريا تذهب إلى بلدية المدينة كل يوم لتشتكي اخى و تقول اننا نحتسى الكحول و السجائر دائما فى المنزل بالقرب من ابنتها حنان، و أننا لا ننفق عليها، و هي تكذب لتتحصل على النقود لشحن رصيد الهاتف و ملاحقة أخى أينما ذهب و تأجير أناس يلاحقونه، حتى اصبح سكان المنطقة يعرفوننا جميعا، ومنذ تلك الفترة أصبح عوني بلدية يزوروننا كل يوم سبت صباحا و يشربون القهوة و يسألون عدة أسئلة و يدونونها شم ينصرفون، وكان أخى يظن أنهم يساعدونه على حل مشاكله كما كانوا يزعمون، إلا أنه تبين بعد حوالى سنة أن كل تلك التقارير ترسل إلى محكمة القاصرين بمدينة بولونيا، من طرف مصلحة الشئون الإجتماعية ببلدية "نوفيلارا"، في محافظة ريدجو إيميليا، حيث إتصل موظفون في تلك المصلحة باخى و طلبوا منه أن يتنازل على ابنته بمقتضى عقد لمدة سنة لتمرير حضانتها لدى عائلة تتوفر فيها كل الشروط و تكون قريبة من محل سكناه، وهو من يختار العائلة ضمن القائمة الموجودة في البلدية، وكان ذلك اجبارا ليس وخيارا. في سنة 2006 احتضنت عائلة ميسورة الحال الصغيرة حنان و كانت تسكن بالقرب منا، وتأتى إلينا يومي السبت والأحد، تقضى معنا يومين كاملين، وكانت حنان تغمرها السعادة عند مجيئها. كانت تحبنى كثيرا لأننى أوفر لها كل ما تريد، تحب والدها حبا جما، أما عندما يحملونها فتبكى كثيرا، إلى درجة اننى كنت لا أحتمل ذلك وأخرج من المنزل قبل ذهابها. في نهاية 2006 أرادت العائلة الحاضنة أن تجدد العقد، حيث تعلقوا بحنان كثيرا خاصة أن لديهم 3 ذكور صغارا و ليس لديهم إناث، إلا ما راعنى إلا و خالى يزورنا في منزلنا صحبة ابنته الكبرى و ابنه الصغير، وبدا في تمثيليته القذرة بأنه هو الأولى بحضانة حنان وأنها في النهاية من لحمهم و دمهم وأن زوجته أسلمت و لا يأكلون لحم الخنزير... فراودني الشك وقلت لاخى ألا يوافق على هذا الطلب لأنني حينها أحسست بأن وراءه مكيدة، لكنه مع الأسف أقتنع بكلام خالى ووافق على اقتراحه. وبعد ابرام العقد مع الأخصائيين الاجتماعيين، انتقلت حنان للعيش في منزل خالي، وقدمت إلينا المرة الأولى باكية راجية أخى، إلا انه امتنع، و منذ ذلك الوقت بدأت معانات فتاة، فكل أفراد العائلة كانوا يتعاملون معها بقساوة عندما تبكى، و كانوا جميعا ينامون في غرفهم في الأعلى، وطفلة افي عمر 3 سنوات تنام لوحدها في الشتاء في الطابق السفلي للمنزل.
حنان كانت طفلة ذكية جدا فهي رغم صغر سنها كانت تعاود لى كل الأحداث و الكلام المتعلق بها، و ذات يوم ذهبت إلى البلدية و استفسرت على كيفية الحضانة، تفاجئت بأن خالي يجني ألف يورو شهريا من الدولة مقابل الحضانة، و كان دائما يأخذ النقود من أخي قرابة 500 يورو، و ذلك هو السبب الذي جاء لأجله، إلا انه تبين بعد ذلك أنه في صورة ما كانت الحضانة من طرف الأقارب فلا يتحصلوا إلا على 400 أورو شهريا، عندئذ تراجع خالى على مطلبه و طلب من أخى أن يبحث عن عائلة أخرى في السنة القادمة متبججا بأنه دائم السفر هو وزوجته وأن وجود الصغيرة حنان يعيق سفرياتهما دائما. في شهر يوليو 2008، بعث خالي رسالة إلى الأخصائيين الاجتماعيين ذكر فيها أنه غير مستعد لتجديد العقد سنت 2009، و كتب برأس القلم :"مع نهاية 2008 لا أريد أن أعرف شيئا عن الطفلة"، عندئذ قررت المحكمة بافتكاك الطفلة بالقوة.
بالقوة العامة في غضون أشهر قليلة، قرر أخى اصطحابها إلى تونس خاصة وأن المحكمة رفعت يد الأم الإيطالية عن الحضانة والرعاية نظرا لتدهور حالتها النفسية وومداومتها لتناول اللأدوية، فاتفق أخي مع خالى بإعطائه الجواز الأخضر التونسي لحنان و لم يعطه الجواز الاحمر الإيطالي، زاعما منه بأن يتظاهر بهروبه مع ابنته إلى تونس، وأن يبلغ السلطات بعد رحيل الباخرة. هنا، تدخلت من جديد وعارضت أخي على هذه المجازفة، إلا انه عزم على تنفيد التي استحوذت على تفكيره وعززها خوفه من فقدان ابنته. في أغسطس 2008 اسطحبتهم بسيارتى إلى ميناء جنوة، و كانت كل الأمور طبيعية لأنه سافر في 2006 صحبة ابنته فقط إلى تونس عندما كانت الأمور طبيعية قبل اندلاع المشاكل، وكان الختم في جوازات سفرهم دخول وخروج من تونس. عند قدوم الباخرة وقف أخى فى الصف لطبع التذاكر، بينما كانت حنان تطير من الفرح لعودتها إلى تونس، وقالت لي: "عمى نحن ذاهبون لرؤية جدتي سلمى"، فرديت عليها قائلا: إذهبا أنتما الإثنان، أما أنا سألحق بكما بعدما أنتهي من عملي".
حنان تتكلم اللغة الإيطالية كلغة أم، كنت اعلمها بعض الكلمات العربية، فمنذ صغرها كانت إسم علي مسمى. كانت حنونة جدا، فعند عودتى من العمل كانت تضمنى بقوة اليها و تقول "عزااااااازة"، هذه الكلمة علمتها إياها منذ الصغر فكانت تحس بها مثلنا نحن أو أكثر، وفي آخر الصف عندما اقتنعت اننى لن أسافر معها قالت لى كلمات ليست كالكلمات، كلمات كانت كالخنجر في صدري: "إذن لنقول كلمة أخيرة، عزازة"!، أى آخر عزازة، وضمتنى إلى صدرها و هي تردد تلك الكلمة، واغرورقت عيناي بالدموع فاخفيتها عنها. في ذلك الوقت لم أكن أستطيع العودة إلى تونس لأننى بصدد تجديد شهادة الإقامة، وفجأة رأيت أخي يتحاور مع أعوان الشرطة في وسط الصف جاءوه مباشرة و قالوا له أين الفتاة، فتجمدت ساقاي حاولت الهرب لكن حنان نادت بابا بابا، فاءنتبه الشرطي وأسرع إليها وحملها وهى تبكي وتقول لهم:"إن الباخرى على وشك الوصول، أريد الذهاب لرؤية جدتي سلمى", ثم جاءت شرطية ترتدي زي مدني حتى تصيب الطفلة حنان بالخوف و اعطتها بعض اللعب و حملتها، أما أخي فقد تم القبض عليه كانه مجرم واقتادوه إلى المركز، و بقيت وحدي كاننى معتوه لم افهم شيئا. بحثت عنهما في كل مكان فى الميناء ولا تسمع إلا كلمة: "كن هادئا، عد إلى منزلك". وفي الليل في طريق عودتي وأنا في الطريق السيارة، إذ بخالي يتصل بي ليخبرنى بالموضوع، من قال له، من أين سمع الخبر، الان اتضحت الحقيقة وبدت واضحة وضوح الشمس، كان هو من أخبر الشرطة وومدهم بكل التفاصيل عن السفر، عن مكان ووقت إبحار الباخرة، وهو بفعلته يضرب عصفورين بحجر واحد، من جهة تخلص من الفتاة. رجع أخي صباح الغد إلى المنزل منهارا بالكامل، بعدها وكلنا محاميين ايطاليين، لكن إلى الآن لم نصل إلى أي نتيجة، ما جعل حالة أخي النفسية تزداد سوء على إثر ذلك.
بعد زيارة أخي لتونس من أجل صلة الرحم والابتعاد قدر الإمكان من الجو المشحون بالمشاكل والضغوطات النفسية، عاد بعد مدة 15 يوما قضاها هناك، في رحلة جوية كان من المفروض أن ينزل في مطار فيرونا، بتاريخ 9 أفريل 2009، الساعة كانت تشير إلي التاسعة صباحا، الطائرة وصلت كل الركاب الذين اقتسموه الرحلة والطائرة نفسيهما غادروا المطار، ، في حين أخي لم يظهر له أثر، حينها سألت ألف مرة كل من يشتغل في المطار، لم أجد أي تفسير، فلجأت إلى فكرة الاتصال بالعائلة في تونس، لكن لا شيء يذكر عنه. في صبيحة اليوم الذي يعقب تاريخ رجوعه إلى إيطاليا رن الهاتف، فظهر رقم متصل من تونس، وعند إجابتي سمعت صوت أخى صابر، صوت مرتعش يائس، وقال لي ان أن أخي، أب حنان وصل الي فيرونا ولم يسمحوا له بعبور المطار، و حملوه غصبا في طائرة متجهة الى مطار جربة/ تونس، و ختموا على جواز سفره بالخط الاحمر مقرونا بكتابة "خطر علي المجتمع الإيطالي". فهل هذا عدل يفتكون فلذة كبده، و يبعدونه عنها غصبا، ثم بعد ذلك علمنا من مصدر من المحكمة أن الطفلة باعوها الى عائلة غنية في محافظة مانتوفا. وعلمنا إلي حد هذا اليوم أن حنان لا زالت تتذكرنا و تبكي ليل نهار على والدها، وهي تبلغ الآن 13 سنة.