لم يعد أمام المغاربة الراغبين في الهجرة إلا اجتياز البحر بين بلدهم والضفة الأخرى، لم يتبق أماهم إلا حرق المسافات طويلها وقصيرها، فإما وصول إلى الساحل الأوروبي أو عودة إلى الديار، لكن، جسدا بلا روح داخل نعش، هذا إن تم التعرف عليهم أصلا، ومن لم يعرف، فمقبرة الأرقام تغطي سواحل إيطاليا وإسبانيا، ومؤخرا حتى في اليونان.
على أن الوطن في كل الأحوال لا يستقبلنا إلا جتثا هامدة، ليصير مقبرة لكل المهاجرين، طال بهم الزمن فحققوا ما صبوا إليه أو قصر بهم فيلفظ معظمهم أمواتا.
اقرأ الجز الأول: يونس لعبودي في سلسلة حول الهجرة: : "المعذبون في الأرض"
اقرأ الجزء الثاني: يونس لعبودي: يوميات مهاجر.."المعذبون في الأرض"
اقرأ الجزء الثاني: يونس لعبودي: يوميات مهاجر.."المعذبون في الأرض"
في سنوات التسعينيات من القرن الماضي، تأسست أولى الجمعيات التي تهتم بالمهاجرين غير الشرعيين، وانتشرت في ربوع المملكة، بالأخص في مدن الوسط، مثل خريبكة ، وبني ملال، والفقيه بن صالح، والسبت...".
حديثا بدأ الموضوع يجمع الخاصة والعامة، الموتى كل يوم يتكاثرون، وطول تلك السنوات لم يكن يمر يوم دون أن نسمع مركبا قد غرق بمن على متنه من مهاجرين، ومآتم هنا وهناك في كثير من مدن المغرب، والجرح يتسع والمأساة تكبر بينما الحلول تبدو أنها انقرضت.
وفي حالة إذا نجا مهاجر، فهو مرحب به وبأمواله حين يعود، ينفقها كل موسم صيف، في الأعياد والمناسبات الخاصة والعامة، يجود بها في كرم قل وصفه، وفي نظراته حزن كبير، لا يخفيها ملبس أنيق أو سيارة فارهة.
أيها النائمون في أوطانهم ينعمون، هناك في الضفة الأخرى مهاجرون لا ينامون، يعانون، ويكدحون، قد يجمع بعضهم من حطام الدنيا مجمعه، ولكن أغلبهم لا يجمعون، همهم العودة إلى بلدانهم، كتب عليهم الشقاء منذ أن فكروا في الرحيل، فرحتهم حين يعودون لا تعادلها فرحة، ولكن سنوات هجرتهم رغم كل ما يعتقده البعض نعمة تنغصها ذكريات الصبا، وحنين لا ينتهي للوطن.