يونس لعبودي في سلسلة حول الهجرة: : "المعذبون في الأرض" (الجزء الأول) - الإيطالية نيوز

آخر الأخبار

يونس لعبودي في سلسلة حول الهجرة: : "المعذبون في الأرض" (الجزء الأول)


بقلم: يونس لعبودي

اسمحوا لي أن أتقاسم معكم أعزائي قصة مهاجر مغربي قضى قرابة 15 سنة بين إيطاليا وفرنسا يحكي قصصا عن ذكريات الهجرة الأولى، عن زهرة الشباب التي اقتطفتْها غربة لا يعلم إلا الله متى تنتهي. ويشارك متابعي صفحة الإيطالية نيوز
 ما مر به من أحداث تختلف بأختلاف طريقة الهجرة والأهداف، وكذلك النتائج.

أيام ذلك الصيف القائض تبدو بعيدة بالرغم من مرور 15 سنة فقط من وصولي إلى إيطاليا، الحدث الذي لم يكن حلما سعيت لتحقيقه، ولكن كان قدرا أُجبرتُ عليه بعد أن انقطعت أسباب البقاء في وطني الغالي

الكثير من الناس يعتقدون أن الهجرة نعمة، ويجزمون أن المهاجرين في عيشة راضية، وقد يكون في مايحسبون، وبما يجزمون كثيرا من الحقيقة، ولكنها حقيقة تخفي وراءها حزنا لاتداويه الأيام، وتبقي كثيرا من الغصة، سواء بعودة المهاجر إلى بلده كلما سمحت الظروف، أو قضاؤه زهرة شبابه وجزء  قصير، كان أو طويل في بلد المهجر.

وحينما تأخدني الذاكرة إلى تلك السنة البعيدة، لا أكاد أنسى أن بلدا يدفع أبناءه نحو مغادرته، لا يستحق أن تعود إليه، ولكن سُنّة الله في خلقه تُحتم أن يكون لهم أوطان ينتمون إليها، باعتبارها تاريخ المرء كله، حيث يولد ويشب، إلى أن يصير كل هذا مجرد ذكريات شاردة، لا تغادر المهاجر في يومه أو ليله، وتقضُّ مضجعه، وتجعله دائما في حيرة لا يكاد يخفيها، كل مال الأرض،  هذا إذا وجد المال أصلا.
في رأيي الخاص، المرءُ يهاجر لسببين : لحاجة أو لمتعة، فأما هجرة المحتاج فعِلمُُ يطلبُه، أو غِنى يلتمسُه.

وأما المتعة، لا يحتاجها إلا من فُتّحت في وجهه كل الأبواب في بلده، وشُرّعت أمامه بقوة المال والعائلة، وصار تركه لوطنه متعة، يتعرف فيها على ثقافات البلدان، وتسوق، بحيث ينفق فيها مالا غالبا قد يجهل مصدره، ومن فرط الغنى يصبح سفره مجرد متعة، لا يبغي منها تغيير حالة الفقر التي عيشها إلى غنى بل، هو في حاجة لصرف غناه على من هم دونه، ولكن في بلد أخر. فشتان بين من سافر مهاجرا راغبا في لقمة عيش نُغّصت عليه في بلده ، ومن يسافر ببعض من لقمة عيشه، يصرفها في بلدان الناس.

ما يهمني ويهم أغلبيتنا هو النوع الأول، وهي هجرة الحاجة ، فأغلب المهاجرين كانوا فقراء مستضعفين في بلدانهم ،وهم في بلدان المهجر فقراؤها ومستضعفوها ،لا يغادرهم إحساس من ينقصه شيئ، سواء كان في بلده أو بلاد المهجر.
قصتي تشبه إلى حد كبير معظم أبناء جيلي ،ما إن تنتهي حتى تبدأ. أنا، عجلت سنة 1999 نهاية مساري الدراسي العادي كجل أبناء هذا الوطن، وحصلت على شهادة جامعية، شهادة لم تكن حلما في الأصل، ولكنها كانت مجرد تأجيل لولوج عالم العطالة، فلا أفق يبلغه الذين كانوا  في مثل حالتي، شخص ينتمي إلى أسرة ليست فقيرة، وليست متوسطة، لأنني عرفتُ من لم يجد قوت يومه، أما أنا فقد كان قوت اليوم متوفرا والحمد لله؛ ولكن المرء لا يحيى بالخبز فحسب.

أعود إلى موضوع الهجرة، فالهجرة كانت بعيدة كل البعد عن ذهني، لم أفكر فيها أبدا، غير أنه لكل أسرة في الحي الذي أسكن فيه شخص أو شخصان مهاجران في واحدة من بلدان أوروبا ، كما هو الشأن في معظم الأسر المغربية ، وكانت عودة أبناء الحي بسياراتهم الفارهة وملابسهم الملونة الزاهية أثرها على أبناء جيلي، مع ذلك لم تشد انتباهي بقدر ما كنت أتساءل عن مصدر ما يبدو عليهم من نعمة ، لم أكن أعرف أني سأعيش التجربة نفسها التي عاشوها، طبعا، مع اختلاف واضح في الوسيلة  النتيجة .

هاجرتُ  إلى إيطاليا بعد انقطاع سبل العيش بالمغرب، أو هكذا كنت أعتقد حينها، ولم تكن شهادتي الجامعية إلا مصدر تنغيص وألم، وفرصة الذهاب التي توفرت لي بعد مجهود جبار، غاية يضحي من أجلها البعض بكل كل يملك، وأنا وإن ضحيتُ بالمال والصحة، فلعلها لن تكون أبدا كمن ضحى بحياته من أجل مغادرة بلده.


أتفادى التطرق إلى طريقة السفر إلى إيطاليا الآن، فقد يأتي الحديث عنها كاملا بعد حين، ولكني وصلت هذا البلد الأوروبي، وأعلم علم اليقين أني اخترتُ، كما اختار كل المهاجرين منذ الأزل الطريق الخط…