يرى الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني الشهير "يورغن هابرماس" أن على ألمانيا وفرنسا أن تصوغا سياسة أوروبية أكثر فعالية وذات منظور مستقبلي إزاء أزمة اللاجئين الحالية، ويقول في حواره التالي مع الصحفي شتيفان ريكيوس إنه لا بد أيضا من أن ينصب تركيز هذه السياسة على التعاون بشكل أفضل في قضية اللاجئين.
بروفيسور هابرماس، يتعرض العالم الحديث للاضطرابات بشكل متواصل وبالتالي يواجه باستمرارٍ تحدياتٍ جديدةً، لنأخذ موجات اللاجئين الحاليَّة من منطقة الشرق الأوسط وأجزاء من أفريقيا أو من غرب البلقان إلى أوروبا، كيف ينبغي أنْ تكون ردَّة الفعل من منظور فلسفي؟
يورغن هابرماس: حق اللجوء حقٌ من حقوق الإنسان، وكلُّ من يتقدَّم بطلب لجوءٍ سياسيٍ ينبغي أنْ يُعامل بإنصافٍ وأنْ يُستقبلَ، مع كل ما يترتَّب على ذلك. هذا هو الجواب المبدئي، إلا أنَّه ليس لافتًا في مثل هذه الحالة على وجه الخصوص.
الاتحاد الأوروبي منقسمٌ في أزمة اللاجئين كما لم يحدث لفترة طويلة، فهل يهدِّد ذلك بتآكل القيم والقناعات التي تعتقد أنت أيضًا بوجودها في الاتحاد الأوروبي؟
يورغن هابرماس: ما يحدث هو الفصل بين بريطانيا وبعض دول أوروبا الشرقيَّة من جهة ونواة الاتحاد النقدي من جهة أخرى. ولكن هذا النزاع متوقَّع، وللأمر ارتباطٌ بتاريخ الانضمام للاتحاد. وبصرف النظر عن الفوارق الاقتصاديَّة الكبيرة التي لا تزال قائمة، فإنَّ البلدان الشرقيَّة الكثيرة الجديدة المرشحة للانضمام لم يكُن لديها الوقت الكافي لاجتياز عمليَّة تكيُّف سياسيَّة-فكريَّة، بينما كان لدينا (في ألمانيا) بين سنتي 1949 و 1989 أربعون عامًا لاجتيازها. إذن، المدة الزمنيَّة كانت كافية لدينا.
ألمانيا وفرنسا اللتان كان عليهما، قبل اليوم بكثير، أنْ تمارسا سياسةً أوروبيَّةً أكثر فعاليَّةً وذات منظورٍ مستقبلي، ينبغي عليهما الآن المبادرة وتطوير سياسةٍ أوروبيَّةٍ، لا بدَّ وأنْ تشمل في إطارها التعاون في قضيَّة اللاجئين أيضًا! لقد جرى إغفال الأزمة. لكنْ لا بدَّ لي في هذا السياق من أن أقول إنني منذ نهاية شهر سبتمبر (2015) راضٍ عن حكومتنا كما لم أكُن منذ سنوات كثيرة. فاجأتني جملة السيدة ميركل: "في حال كان علينا الآن أن نعتذر إذا ابتسمنا لأولئك الذين يحتاجون إلى مساعدتنا، فهذا يعني أن هذا البلد لم يعد بلدي"، وقدَّرتُ تلك الجملة تقديرًا عاليًا.
عندما يأتي مئات الآلاف البشر، كثيرٌ منهم من عوالم حياةٍ دينيَّةٍ وثقافيَّةٍ مختلفة، إلى بلدٍ في الاتحاد الأوروبي، يكون الاندماج جوهر الخطوة التالية، فهل ثمة مفتاحٌ فلسفيٌ للاندماج الناجح؟
يورغن هابرماس: هناك أساسٌ مشتركٌ يجب أنْ يقومَ الاندماج عليه، ألا وهو الدستور. هذه المبادئ ليست منقوشة على الحجر، إنما يجب طرحها ضمن نقاشٍ ديمقراطيٍ واسعٍ، وأعتقد أن هذا النقاش سينطلق مجددًا لدينا. لا بدَّ لنا من أنْ نتوقَّع من كلِّ شخصٍ نستقبله أنْ يلتزم بقوانيننا وأنْ يتعلم لغتنا. ولا بدَّ لنا فيما يخص الجيل الثاني على الأقل أنْ ننتظر منه أن يكون قد رسخ مبادئ ثقافتنا السياسيَّة عمومًا.
دَافعتَ في سنة 1999 عن تدخُّل حلف شمال الأطلسي في حرب كوسوفو، فهل لديك موقفٌ مشابهٌ إزاء التدخل العسكري الذي يقوم به حلف شمال الأطلسي والغرب ضد نظام الأسد في سوريا أو ضد تنظيم الدولة الإسلاميَّة؟
يورغن هابرماس: هذا سؤالٌ صعبٌ، ولا أستطيع الإجابة عنه بنعم أو لا. حرب العراق، التي انتقدتها من اليوم الأول، وكذلك حروب أفغانستان ومالي وليبيا جعلتنا ندرك أنَّ القوى المتدخِّلة ليست مستعدِّة لتأدية الواجبات المترتبة عليها بعد التدخُّل، أقصد بناء وتعزيز هياكل الدولة في هذه البلدان، الأمر الذي يستغرق عقودًا من الزمن. ونتيجة لذلك، علمتنا التجربة أنَّ هذه التدخُّلات قد زادت من سوء الظروف في البلدان المعنيَّة في أغلب الأحيان بدلًا من تحسينها. كنتُ قد أيَّدتُ التدخُّل في سنة 1999 مرفقًا بالكثير من التحذيرات والتحفظات، الأمر الذي يجري نسيانه مع مرور الزمن. أما إذا كان من شأن موقفي أن يكون مختلفًا إذا قمتُ بنظرةٍ استرجاعيَّةٍ، فذلك أمرٌ يتطلب تفكيرًا مطوَّلاً.
تنبَّأ بيتر شول-لاتور بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر 2001 بأنَّ الصراعات الكبرى القادمة ستكون ذات طابع ديني، ويبدو أن التاريخ يؤكد تنبؤه. لنأخذ تيارات الإسلام المتطرفة مثلاً، كيف ينبغي مواجهتها؟
يورغن هابرماس: هذه الصراعات ليست صراعات دينيَّة في جوهرها، بل يتمُّ تعريف الصراعات السياسيَّة على أنها دينيَّة. الأصوليَّة الدينيَّة هي رد فعلٍ على ظواهر الاقتلاع، التي جاءت عمومًا مع الحداثة من خلال سياسات الاستعمار وما بعد الاستعمار. وبالتالي فإنه من السذاجة بعض الشيء أنْ نقول إنَّ هذه صراعاتٌ دينيَّةٌ بل من الأجدر القول بأنها مشاهد لحرب سياسية تكتسي طابعا دينيا من أجل خداع العالم، وحتى إذا كانت دينية، فإن السياسة والطموحات الاستعمارية تبقى في المقام الأول، أما عن صلة الدين بذلك فإنه تمثل فقط فئة شيعية تطمح إلى تحقيق إمبراطوريتها واسترجاع أمجادها الزائلة التي انهارت على يد السنيين حينما كانت همستهم ترتعد لسماعها الجبال، وبالتالي تحقيق مشروع النهرين..
حاوره: شتيفان ريكيوس
ترجمة: يوسف حجازي