بقلم عبد الرحيم الأنطاكي
حضرتُ صدفة بعض أنشطة جمعية "بيتي" غير الحكومية والمعروفة في مدينة طورينو، شمال إيطاليا، بإسم "A.M.E.C.E" فكانت دهشتي كبيرة مقارنة مع مايحمله عقلي الباطني من أحكام مسبقة، وجاهزة، وصور نمطية سلبية حول صورة تركيب مثل هذه الجمعيات، أي الطاقم التربوي والمشرف وبرامجها وأهدافها، بالأخص في إيطاليا.
أنا هنا لست مؤرخا أروم إلى التطرق إلى نشأة هذه الجمعية ومنعطفاتها التاريخية بل سأسعى لذكر بعض اللحظات المفعَمة بالأحاسيس العميقة التي عشتُها داخل أحضان هذه الجمعية.
بادئ ذي بدء سأتطرق إلى الحديث عن الرئيس والمسمى "محمد بوستة"، هذه الشخصية أعجبتني فعلا بسلاسة أسلوبها اللغوي سواء حينما يتحذث الرجل بالعربية أو بالإيطالية أنه يسلك في خطاباته السهل الممتنع، إنسان مختصر صارم مستمع راكَم خبرات كثيرة في إطار النشاط الجمعوي بحكم أنه يشتغل في الجمعية الخيرية بمدينة طورينو. هوشخص اجتماعي محبوب يتفانى في خدمة الجمعية لدرجة أنه في الأغلب الأعم لايغادر مقراتها إلا في الساعة التاسعة ليلا. تساعده إيطاليية ظريفة ومهووسة بالعمل الجمعوي، تقدّم خدمات جليلة للجمعية في العمل الإداري هذه السيدة الإيطالية تسمى "Elisabetta Lotito" ترتدي غالبا سروال جينز وتظفر شعرها إلى الخلف لتكون متأهبة للعمل سواء إداريا أو ميدانيا، تراها محبوبة من طرف الجميع، شهادة يزكّيها السيد الرئيس. هناك أطر تعليمية وتربوية تشرف على البرنامج التربوي السنوي الذي يطوي في سحناته "بروفيلاته" جملة من الدروس التي يتلقاها المتعلم العربي المنحذر من أصول غالبا مغربية مهاجرة يتعلم أصول النحو والصرف، والقراءة، والتعبير أو ما يسمى في المناهج الحديثة بالدرس اللغوي بالإضافة إلى دروس في التقوية والدعم يتلقى خلالها المتعلم مساعدة غلى ما استصعى عليه من فروض منزلية خاصة بالمقرر المدرسي الإلزامي الذي يُسايره المتعلم في المدرسة الايطالية.
دروس الاستماع: يُشرف عليها المدير بنفسه وبحضور إخصائيين في حقول علم النفس والتربية. هذه الدروس لها فائدة حاسمة لدى فئة المراهقين حيت يُفسح فيها المجال لهذه الفئة للإدلاء بآرائها حول مواضيع معينة والاستماع لشكواها من مواقف داخل الاسرة أو لمعاناة مختلفة، وعلى ضوئها يَكشف المراهق عن بعض جانبياته الشخصية.أعود للحديث عن الطاقم التربوي التعليمي، والذي يشتغل تحت تنسيق السيدة "عائشة منير"، السيدة التي تفضل صفة منسقة على مديرة؛ وللإشارة فهي امرأة طيبة ومثقفة، تساعدها أستاذات كفاءات، وأنّي أقدم اعتذاري لأني وإن نسيتُ ذكر أسمائهن فإني لم أنس ولن أنس أعمالهن الجليلة التي من خلالها بتم ربط جسر التواصل بين الوطن وفلذات أكبادنا. عمل هؤلاء الأساتذة سيصبح قابلا للتقييم والتقويم أثناء الحفل الختامي للموسم الدراسي.
الحفل الختامي للموسم الدراسي: لقد حصل لي الشرف أن أكون أنا المنشط لفقراته الترفيهية والتثقيفية حيث قدمت كل مواده باللغة العربية حينما فاجأني السيد المدير بتكليفي بأمر التقديم، وفعلا قبلتُ على الفور ...قامت الجمعية بكراء مكان مجهز بالإضاءة وبشاشة كبيرة، هو عبارة عن قاعة مسرح ...وهذا هو الموضو ع الذي حفزني على كتابة هذه السطور، وهذا هومربط الفرس، لقد كانت مواد الحفل عبارة عن أناشيد تربوية و دينية كانت تُقدَّم من قبل أطفال براعم بلغة عربية فصيحة، من أفواه وحنيجرات بمخارج أصوات صحيحة، وهنا اكتملت روعة اللوحة وفرادتها إذ اجتمعت في هذه رغبة أطفال حلفوا القسم بأن يكونوا جزءً لايتجزأ من بلدهم على ما بذلوه من مجهودات لكي يعبروا بلغة الوطن رغم بعدهم عنه ورغم ظروف التعليم هنا التي تقدم من خلالها كل الدروس باللغة الإيطالية....والله لقد انتفش شعري وأنا وسط الأغاني المغربية والأناشيد المنبعثة أصواتها من أصوات ملائكية لأطفال ذكور وإنات تتراوح أعمارهم بين الرابعة والخامسة عشر، قلت هنا برز العمل الجبار الذي قام به الأساتذة والذين يستحقون عليه كل تنويه.
بعد سنة حافلة ببرامج التعليم والتربية والدعم بالإضافة إلى إعطاء دروس في الفرنسية للكبار لحاجاتهم إليها في التعامل مع بعض المؤسسات في المغرب كالأبناك وغيرها....تنظم الجمعية مخيمات صيفية للأطفال المغاربة والعرب الذين لم تسعف الظروف أولياء أمورهم للسفر إلى المغرب لقضاء أوقات الإجازات هناك. كما لا يَخفى على المرء ما تتطلبه شروط التخييم من مجهوذات متواصلة في استقطاب متدربين جدد من طلاب الجامعات وتأطيرهم في الجانب البيداغوجي والتربوي والصحي والإداري والقانوني والترفيهي قلت إنه ليس بالأمر الهيّن التخطيط للتدبير الزمني ولملابس المخيمين وطعامهم مع الحرص على سلامتهم وخلق جو المرح والفسحة.
ختاما أريد التنويه بالأعمال الجليلة التي تقوم بها "جمعية بيتي" وأريد التنويه بكل أفرادها وعلى رأسهم السيد الرئيس "محمد بوستة" والسيدة "Elisabetta Lotito".كما أشُد بحرارة على مجموع المتطوعين الإيطاليين الذين يضربون المثل الأعلى في التضامن والتعاون والتآخي بين الشعوب. كما أود أن ألفت اهتمام السلطات القنصلية والسفارة على تشجيع هؤلاء الناس الذين جُبلوا على فعل الخير.