ألقت الشرطة السودانية القبض على الرجل الإريتري ضئيل الحجم صاحب اللحية الخفيفة المشذبة عصر يوم 24 مايو في مقهى بالخرطوم. وبعد أسبوعين نقل الرجل جوا إلى إيطاليا حيث أشاد المسؤولون الايطاليون والبريطانيون بتسليمه ووصفوه بأنه لطمة نادرة لعمليات تهريب البشر.
فقد اعتقدوا أنهم أمسكوا بمدهاني يهديجو مريد الشخصية المحورية المعروفة باسم “الجنرال” والتي لا تعرف الرحمة طريقا إلى قلبها في شبكة غير قانونية حققت ملايين الدولارات من تهريب المهاجرين بحرا إلى أوروبا عن طريق ليبيا.
لكن أصدقاء المقبوض عليه وأفرادا في أسرته يقولون إنهم أمسكوا بالشخص الخطأ وإن الرجل الذي نقل إلى روما على طائرة خاصة هو لاجيء فقير يدعي مدهاني تسفامريم برهي (29 عاما) وكان يعمل نجارا وليس له أي خلفية جنائية وكان يعيش حياة هادئة في الخرطوم سعيا للانضمام إلى أقاربه في الولايات المتحدة عندما قبضت عليه الشرطة في مقهى أسمرة كورنر.
ويقول محاميه الايطالي ميكيلي كالانتروبو الذي التقاه للمرة الأولى في روما يوم الجمعة الماضي إن موكله برهي وليس مريد وإنه بريء. وطلب المحامي الإفراج عنه من السجن ومن المتوقع صدور قرار خلال الأسبوع المقبل.
وحل هذا اللغز أمر في غاية الأهمية لإيطاليا وبريطانيا. فإذا كانتا قد أمسكتا بالرجل الخطأ فقد تكون تلك لطمة كبيرة في معركتهما مع المهربين الذين قاموا بتهريب أكثر من 360 ألف مهاجر إلى ايطاليا عبر البحر المتوسط منذ عام 2014.
وبينما تسعى ايطاليا إلى استيضاح هويته باستخدام برامج التعرف على الأصوات يصر البريطانيون الذين لعبوا الدور الرئيسي في الإيقاع به أنه من الشخصيات الرئيسية في مجال التهريب وقال مسؤول في الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في لندن “نحن نثق في استخباراتنا.”
وتبين وثائق اطلعت عليها رويترز ومحادثات مع مسؤولي العدل والأمن في ايطاليا وبريطانيا أن البلدين يتعاونان منذ مايو آيار عام 2015 للإيقاع بالجنرال من خلال تتبع الهواتف لمعرفة تحركاته.
وقال مصدر بوزارة العدل الايطالية طلب عدم الكشف عن اسمه لحساسية التحقيق إن آخر مرة تم فيها اقتفاء أثره كانت في 23 مايو وأظهرت أنه في الخرطوم.
وحصلت السلطات السودانية التي عقدت اجتماعا مع مسؤولين ايطاليين وبريطانيين في لندن في وقت سابق من العام الجاري لبحث القضية على التفاصيل وألقت القبض على المتهم في اليوم التالي.
وامتنع الجانب السوداني عن الإدلاء بأي تعليق.
* اعتقال
يقول أصدقاء إن ستة رجال بملابس مدنية اعتقلوا برهي في الثالثة والنصف عصرا بمقهى ركن أسمرة الصغير المتهالك الذي يتردد عليه في الأساس إريتريون وإثيوبيون لاستخدام الانترنت في إجراء اتصالات. وقال زبائن كثيرون هناك إنهم يعرفون برهي.
وقال إريتري يدعي اسمروم (29 عاما) لرويترز خارج المقهى “كان يجيء لهذا المقهى كل يوم للتحدث مع أصدقائه وأسرته. أنا متأكد أنه ليس الجنرال. فهو شخص بسيط جدا وفقير.”
وقالت سميرة سلام (24 عاما) التي تعمل في المقهى والمطعم أن برهي “فقير للغاية”.
وأضافت “اعتاد أن يأتي كل صباح إلى المقهى ويطلب أرخص إفطار نقدمه وهو مجرد سندويتش من الفلافل. ومنذ حوالي أسبوع جاء رجال الأمن السودانيون بملابس مدنية وألقوا القبض عليه من داخل المقهى … وفي اليوم الذي اعتقل فيه لم يسدد ثمن الوجبة التي تناولها.”
وكان برهي يعيش في غرفتين مع أربعة رفاق آخرين منهم ارمياس كيداني وقريب له يدعى تيمسجن تسفاي هايلا.
واتصلت رويترز بالاثنين فقالا إن برهي لم يكن له عمل يتكسب منه ويعيش على ما يرسله له سبعة أشقاء ينتشر ستة منهم في مختلف أنحاء العالم.
وإذا أدين برهي فربما يحكم عليه بالسجن 30 عاما وربما يواجه أيضا اتهامات بالقتل بسبب حوادث غرق زوارق في البحر المتوسط هلك فيها آلاف المهاجرين.
وقال ريناتو كورتيز رئيس قوة الشرطة الخاصة إن مريد من قيادات المهربين وكثيرا ما كان صوته يسمع في مكالمات هاتفية تم التنصت عليها وهو يرتب تحويلات مالية بين دول أوروبية مختلفة.
وقال كالوجيرو فيرارا المدعي العام في صقلية لرويترز إن مريد ومهربا آخر كانا يتفقان مع مجرمين آخرين في أفريقيا على إرسال المهاجرين إلى أوروبا. وكانت حمولة الزورق الواحد المكونة من 600 شخص تحقق للمهربين بين 800 ألف ومليون دولار.
* “كل الاريتريين يريدون الرحيل عن بلادهم”
وقالت سيجين تسفامريم برهي شقيقة برهي التي تعيش في الخرطوم إن رجال الأمن ذهبوا به إلى بيته بعض القبض عليه وقلبوا المكان وأخذوا وثائقه وهاتفه.
وأضافت أنها لا تعرف سبب القبض عليه.
وتحدثت لرويترز هاتفيا فقالت إن شقيقها غادر إريتريا في أكتوبر عام 2014 وعاش مع شقيقة أخرى في إثيوبيا قبل أن ينتقل للسودان في مارس آذار من العام الماضي.
ويعيش شقيقان آخران في سان فرانسيسكو وثالث في انجولا ورابع في النرويج. أما الأبوان وشقيقة أخرى فما زالوا في إريتريا.
ورغم صغر مساحة إريتريا الواقعة في القرن الأفريقي على البحر الأحمر ويبلغ عدد سكانها ستة ملايين نسمة فقط فهي أكبر مصدر منفرد لطالبي اللجوء من أفريقيا جنوبي الصحراء في الاتحاد الأوروبي خلال العامين الأخيرين.
وفي العام الماضي قام نحو 40 ألف اريتري بالرحلة المحفوفة بالمخاطر عبر البحر المتوسط إلى إيطاليا من إجمالي عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى ايطاليا ويبلغ نحو 154 ألفا. وكان عدد مماثل من الاريتريين قد هاجر إلى أوروبا في 2014.
ويقول الأغلبية إنهم فارون من اضطهاد سياسي في البلد الذي يحكمه الرئيس اسياس أفورقي منذ أكثر من 20 عاما دون أي معارضة. ويخضع كل الرجال دون سن الأربعين في إريتريا للتجنيد الإجباري في الجيش لفترة غير محددة.
وتقول جماعة هيومن رايتس ووتش الحقوقية إنهم يرغمون في كثير من الأحيان على العمل.
وتقول أيضا أن إريتريا لا يوجد بها مجلس نيابي أو صحافة مستقلة أو أي مظهر من مظاهر منظمات المجتمع المدني منذ حملة تضييق عليها عام 2001 كما أن شعبها عرضة للاعتقال التعسفي وحوادث الاختفاء والتعذيب.
وقالت هيويت شقيقة برهي لرويترز من أوسلو “كل الاريتريين يريدون الرحيل عن البلاد بسبب الوضع السياسي هناك.”
وتمتليء صفحة برهي على فيسبوك بمقاطع فيديو عن نادي برشلونة لكرة القدم ومثلها رسائل شخصية. وفي 23 أكتوبر تشرين الأول 2015 نشر برهي صورة للعاصمة الاريترية وكتب تعليقا عليها “أفتقد أسمرة فعلا”. وتمتليء الصفحة أيضا بكثير من الاشارات المسيحية.
وقد استجوبه محققون من صقلية يوم الجمعة وقالوا إنه نفى معرفته بالجنرال. ومع ذلك فإحدى أصدقائه البالغ عددهم 2030 على فيسبوك إمرأة تدعي ليديا تسفو وهي زوجة مريد وتعيش مع طفلهما في السويد. ولم ترد على الفور على طلب للتعليق.
وقال مسؤول في المخابرات طلب عدم الكشف عن شخصيته إن من الوارد أن مريد يستخدم اسما مستعارا وقال أيضا إن من المحتمل أن تتوصل السلطات إلى أن الرجل المقبوض عليه ليس هو الجنرال.
وأضاف “ومع ذلك لا نعتقد أن هذا الرجل هو الضحية البريئة كما يصوره الإعلام. فهو متورط بشكل أو آخر في التهريب.”
أما أصدقاؤه في الخرطوم فمقتنعون أن براءته ستظهر وإنه يستحق تعويضا كبيرا.