أبرياء من حادثة التحرش الجنسي التي حدثت بكولونيا ليلة رأس السنة الميلادية المنقضية، ذلك ما توصلت إليه التحقيقات بألمانيا مبرئة من دخل البلاد من اللاجئين السوريين الذين قصدوها للنجاة بأرواحهم من آلة القتال والدمار التي سلطها نظام بشار الأسد على رقابهم.
حقيقة استبقها اليمين المتطرف داخل ألمانيا وخارجها بحملة مزاعم كاذبة استعمل فيها كل أدوات التلفيق والتركيب والتزييف حتى يبث في نفوس الأوروبيين -والألمان خصوصا- فوبيا من اللاجئين السوريين، تمهيدا لطردهم إن استطاعت الحركات العنصرية إلى ذلك سبيلا.
حلقة (15/2/2016) من برنامج "الواقع العربي" تناولت توظيف اليمين المتطرف مزاعم كاذبة بتورط لاجئين سوريين في حادثة تحرش جنسي جماعي بكولونيا ليلة رأس السنة في شن حملة واسعة للكراهية ضدهم.
المحاضر في جامعة كولونيا لؤي مدهون قال إن النتيجة التي توصلت إليها التحقيقات ستساهم بتوضيح الصورة التي انتشرت عن حادثة التحرش الجنسي في كولونيا من دون إنهائها بشكل كامل، مشيرا إلى أن ما حدث تم استغلاله من قبل اليمين المتطرف من أجل نشر الكراهية تجاه اللاجئين وبث الإسلاموفوبيا، وإعادة إنتاج صور نمطية تجاوزها المجتمع الألماني بنسبة كبيرة في العقود الأخيرة.
من جهته، قال حميد الهاشمي أستاذ علم الاجتماع في الجامعة العالمية بلندن والخبير في شؤون الهجرة واللاجئين والاندماج الاجتماعي إن هناك عدة أطراف مستفيدة مما يحدث، يأتي في مقدمتها اليمين المتطرف، وكذلك الأطراف المتنازعة داخل سوريا، خصوصا من يرفض التعاطف الأوروبي مع اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى جهات تضررت اقتصاديا من تدفق اللاجئين لأوروبا.
استغلال سياسيوقال مدهون إن هناك قوى استغلت هذه الحادثة للإساءة إلى المهاجرين بشكل عام، ولم يقف الأمر عند حد اللاجئين، مشيرا إلى وجود إسقاطات سياسية للحادث.
وأكد أن اليمين المتطرف لم يستطع حتى الآن تغيير القرار السياسي في ألمانيا، وأضاف أن الخطر الأكبر يتمثل في محاولته تحديد ملامح للخطاب السياسي في ألمانيا، "وفرض مفرداته الكريهة على المشهد السياسي في ألمانيا".
ولم يتوقع مدهون تكرار حادث التحرش مستقبلا، لكنه أعرب عن انزعاجه من تزايد حالات مهاجمة أماكن إيواء اللاجئين، وتزايد نبرة العداء بالخطاب الإعلامي تجاه اللاجئين، وقد كان ذلك من المحرمات سابقا.
وفي حين أشار الهاشمي إلى تأثر جزء من الرأي العام في ألمانيا بمثل هذه الحادثة فإنه لفت إلى أن ألمانيا الرسمية تعاملت بحكمة بتحويل الأمر للقضاء، مؤكدا أن ألمانيا تجاوزت الأزمة، وهو ما يحد من تداعياتها، لكنه لفت إلى أن هناك ما يشبه الشماتة في خطاب بلدان أوروبية أخرى ترفض استقبال اللاجئين.
ولم يكن الاهتمام بحادثة التحرش الجماعي بالنساء قرب المحطة الرئيسية للقطارات بمدينة كولونيا الألمانية حكرا على ألمانيا وصحافتها فقد تابعت وسائل إعلام أوروبية وأميركية الجدل الذي أعقب تلك الهجمات وما شابهها وخرج بخلاصات عدة.
وذهبت صحيفة الديلي تلغراف البريطانية إلى أن أغلبية من الألمان باتت تؤيد لأول مرة إغلاق حدود بلادها. وأكدت الصحيفة أنه سيكون هناك مزيد من المؤيدين لتشديد سياسات البلاد ضد حركة اللاجئين كلما تجددت هجمات كتلك التي وقعت بكولونيا.
من جهتها، ذهبت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية إلى أن الأحداث أثارت جدلا مشحونا بشأن إمكانية نجاح المستشارة أنجيلا ميركل -التي أشيد بقيادتها الأخلاقية- في استيعاب مئات الآلاف الذين سمحت لهم بالدخول لبلادها.