اسمه عمر المختار بن محمد فرحات ابريدان بن عمر المنفي الهلالي؛ حيث يعود نسبه إلى أولى القبائل الهلالية التي دخلت مدينة برقة. وُلد في الـ 20 من أغسطس من العام 1858 م، في مدينة البطنان ببرقة. كان والده مُهتماً بتعليمه الدين الإسلامي، و التربية الإسلامية الحميدة الممتدة من تعاليم الحركة السنوسية؛ القائمة على القرآن الكريم و السنة النبوية.
توفي والده وهو في طريقه للحج، و كان قد عَهِد لرفيقه الشيخ أحمد الغرياني بتربية ولديه “عمر و محمد” وفقاً لتعاليم الدين الإسلامي. وبعد عودة الشيخ أحمد الغرياني من أداء الفريضة، حقق رغبة صديقه، فأَدخل “عمر و محمد” مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، و أُلحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي؛ لينضم إلى طلبة العلم من أبناء القبائل الأخرى.
قتال عمر المختار ضد الإيطاليين
التحق عمر المختار بعد ذلك بالجيش العثماني في معسكر بنينة، و انضم هو ومن معه إلى الكثير من المقاتلين الآخرين، الذين اتخذوا المعسكر هناك كنقطة تَمَرْكُز ضد الإيطاليين.
أول صلح مع إيطاليا
في عام 1912 م، اندلعت حروب البلقان، و اضطرت الدولة العثمانية لعقد صلح مع إيطاليا، وُقٌّع في شهر نوفمبر في لوازن. و نتيجة لذلك؛ انسحبت القوات العثمانية بقيادة “عزيز بك المصري”، إلى الأستانة. ولم يكن ذلك الانسحاب سهلاً على المقاتلين الآخرين بجوار القوات العثمانية.
فحاولوا الضغط على العثمانيين بالسماح لهم باستمرار القتال، إلاّ أن القوات العثمانية رفضت ذلك وفقاً لمعاهدة الصلح. فلم يكن من المقاتلين سوى أنهم فتحوا النار على العثمانيين؛ و نشبت بينهم معركة سقط خلالها قتلى من الطرفين. فطُلب على إثرها عمر المختار الحضور لفض النزاع؛ ونجح في ذلك.
اندلاع المعارك مع الإيطاليين
في مايو من العام 1913 م، وصل “أحمد شريف السنوسي” إلى درنة، و استلم قيادة المقاتلين بدلاً من عمر المختار، وخلفه بعد الأمير “محمد إدريس السنوسي”. هذه الفترة؛ شهدت أعنف مراحل الصراع مع الإيطاليين، وتركّزت الغارات بقيادة عمر المختار في درنة. أشهر تلك المعارك؛ معركة “هامة” التي دامت لمدة يومين، وقتل فيها 70 جندياً إيطالياً، و أصيب نحو 400 آخرون.
تَسَلّم عمر المختار القيادة من محمد إدريس الذي هاجر إلى مصر، واستمر عمر المختار في دعوة أهالي الجبل الأخضر للقتال ضد الإيطاليين. فوجد عُمر المختار نفسه قائداً يقاتل في سبيل بلاده، و دينه لإخراج المحتلين منها. و كان أسلوب القتال في تلك المرحلة، ما يشبه حرب العصابات.
أصبحت المسؤلية كاملة مُلقاة على عاتق عمر المختار، بعد أن هرب شيخ و قائد الحركة السنوسية “إدريس السنونسي” إلى مصر مُدعياً المرض، بعد أن عقد صلحاً مع إيطاليا في العام 1922 م. اندلعت الحرب مجدداً بعد رحيل إدريس في الجبل الأخضر، و أصبح الشيخ عُمر المختار يجمع المال، و السلاح و يحرّض القبائل ضد الإيطاليين في برقة.
في العام 1923 م، سقطت العاصمة طرابلس في أيدي الإيطاليين. و سافر عُمر المختار هو أيضاً إلى مصر لمقابلة الأمير “محمد بن إدريس السنوسي”، وعرض عليه تفاصيل ما يجري. و أثناء ذلك؛ حاولت إيطاليا عن طريق عملائها في مصر الاتصال بعمر المختار في محاولة لوقف أعماله ضدهم، بواسطة وعود بالرعاية، و الأمان في منزله، و أن تجعل إيطاليا منه شخصاً تاريخياً في بلاده.
تكرر ذلك العرض أكثر من مرة؛ إلاّ أنه رُفِضَ تماماً من قبل عمر المختار، الذي أصرّ على قتالهم لآخر لحظة في حياته.
معركة يوم الرحيبة
في الـ 28 من مارس من العام 1927 م، اشتبك المقاتلون مع الجيش الإيطالي؛ في أشهر المعارك التي عُرفت باسم “يوم الرحيبة”، و تكبّد الإيطاليون فيها خسائر فادحة، حتى أصبحت الحكومة الإيطالية في روما غير قادرة على إخفاء خسائرها في ليبيا.
عقدت الحكومة الإيطالية عدة مفاوضات بعد تلك الخسائر، و استمرت لحينٍ من الزمن حتى عام 1929 م. لكن حين عَلِمَ عمر المختار بنوايا المحتلين بعدم جدوى تلك المفاوضات أو الهدنات؛ فجّر الموقف قبل موعد انتهاء الهدنة بـ 3 أسابيع. هاجم الثوّار دورية إيطالية، و أبادت عناصرها، مما أَرْجَع الأمور للقتال مرة أخرى.
الفريق أول رودولفو غراتسياني
فشل المشير بادوليو الذي كان مسؤولاً عن المفاوضات المتعددة السابقة، و عُيّن الفريق أول رودولفو غراتسياني قائداً للقوات الإيطالية. و في الـ 7 من مارس من العام 1930 م، وصل غراتسياني مدينة بنغازي، واتخذ إجراءات قاسية وقمعية في حق الليبيين، و صلت للإعدام في حق من يتعاون مع الثوّار.
بدأت القوات الإيطالية في حملة اعتقالات عشوائية لمشايخ القبائل، و المدنيين و إرسالهم للسجون. عِلاوة على ذلك؛ وضع الفريق غراتسياني جائزة مالية كُبرى بقيمة “200.000” فرنك، لمن يأتي بالقائد عمر المختار حياً أو ميتاً.
اعتقال عُمر المختار
في أكتوبر من العام 1930 م؛ اشتبك الإيطاليون مع المقاتلين في معركة كبيرة، عَثَر فيها الإيطاليون على نظارات عمر المختار وجوادِه، فكان ذلك دليلاً واضحاً بأن عمر المختار لا يزال على قيد الحياة. حينها أصدر الفريق غراتسياني أمرأ باعتقاله وقال مقولته التي توعد بها الليبيين :
لقد أخذنا اليوم نظارات المختار وغداً سنأتي برأسه
في سبتمبر من العام 1931 م، كان عمر المختار متوجهاً برفقة عدد من رفاقه لزيارة قبر الصحابي الجليل “رويفع بن ثابت” في مدينة البيضاء، حين شاهدتهم وحدة استطلاع إيطالية، فأبلغت وِحدة عسكرية قرب سلنطة، واشتبكوا مع عمر المختار ومن معه. جُرح في تلك المعركة جواد عمر، و سقط أرضاً، و تعرف عليه أحد المرتزقة الليبيين.
يقول أحد المقاتلين الذي شهد تلك الواقعة؛ و يدعى “التواتي عبد الجليل المنفي”:
كنَّا غرب منطقة سلنطة، و هاجمنا الأعداء الخيَّالة، و قُتل حصان سيدي عمر المختار، فقدَّم له ابن أخيه المجاهد حمد محمد المختار حصانه، وعندما همَّ بركوبه قُتل أيضاً وهجم الأعداء عليه
في الخامسة مساءً في الـ 15 من سبتمبر في العام 1931 م، أُحضر الشيخ عمر المختار إلى قاعة المحكمة؛ شيخاً كبيراً مكبّلاً بالسلاسل الحديدية. أُدخل القاعة؛ و تمت محاكمته في محكمة هَزْلية، حيث أُعدّت العدة لإعدامه مُسبقاً، و كانت المحكمة ليست سوى تمثيلية هَزْلية، لإعطاء مزيداً من الوقت ليتناوب عليه أعدائه في كسره نفسياً، في آخر أيامه بين أيديهم.
كان الظابط الإيطالي الشاب “روبرتو لونتانو”؛ مُحامي الدفاع عن عُمر المختار، الذي حاول تخفيف عقوبة الإعدام شنقاً إلى المؤبد رأفةً به وبكبر سنّه. إلاّ أن المدعي العام قاطعه؛ و طلب من المحكمة منعه من إتمام مرافعته؛ و وافقت المحكمة فوراً.
"نحن لن نستسلم .. ننتصر أو نموت"
إحدى مقولاته الشهيرة؛ و بالطبع لم يستسلم هذا القائد لهؤلاء المُحتلين، و في صباح اليوم التالي؛ في الـسادس عشر من سبتمبر من العام 1931 م، استيقظ الشعب الليبي على مأساة حقيقية. لم تكتفي القوات الإيطالية المحتلة بإعدام شيخاً كبيراً فحسب، بل نكّلت به و بالشعب الذي وقف خلفه محارباً.
فأُحضر جميع المعتقلين من السجون كافة، و ما يقرب من 20 ألف مواطن ليشاهدوا تنفيذ الحُكم في قائدهم المناضل، و منعت أي شخص من البكاء أو إبداء حزنه عليه، و إلا سيُقتل، أو يُضرب بالسوط.
أُحضر الشيخ عمر المختار مُكبل الأيادي يسير بين جلاّديه المحتلين، و في تمام التاسعة صباحاً؛ أخذت طائرات العدو تُحلق على ارتفاعٍ منخفض لمنع الأهالي من سماع آخر كلمات قائدهم، إذا تحدث بشيءٍ ما. لكنه لم يتفوه بشيءٍ سوى الشهادتين، و بضع آيات قرآنية في لحظاته الآخيرة؛ و تم تنفيذ الحُكم فيه.
رحل شيخ المُجاهدين عُمر المختار، و توفي شجاعاً قوياً على يد غزاة محتلين استباحوا بلاده، و أصبحوا يروا في أنفسهم مُلَّاك الأراضي و الشعب أيضاً. و لم يكن يُأجج هدوءهم سوى صمود وقوة ذلك الشيخ الواهن الجسد، قوي العقل و الكلمة؛ حتى عند وفاته.
كان لإعدام الشيخ أصداءً كثيرة في العالم العربي، حيث نعته جريدة الأهرام المصرية آنذاك.
أخيراً.. لن تصل إلى هنا إلاّ برفقة دموعك أيها القارئ، و ستستغرب أيما استغراب فيما جرى، حين تدرك أن ذلك الشيخ أُعدم في وطنه، على أيدي غزاه أجانب لا يكادوا يفقهون حديثه. و ليس هناك من كلماتٍ تصف كل ماسبق.
و برغم ما جرى؛ ظلّ الشيخ المجاهد عمر المختار شخصية تاريخية حقاً لا بد أن تُدرّس، و تُحْفَر في ذاكرة الأجيال لنهاية الزمن.
و تكريماً لذكراه؛ قام المخرج السوري مصطفى العقاد بإخراج فيلماً إنجليزياً يروي سيرة هذا المغوار، و سمّي الفيلم بـ “أسد الصحراء“، الذي قام بدور عمر المختار فيه الممثل الأمريكي المكسيكي “آنتوني كوين”، وانتجه “جون شيرلي” في العام 1981 م.