شارك سكان مدينة ستيرلنغ هايتس يومي 13 و18 اغسطس/آب بكثافة فـي اجتماعين عقدتهما البلدية لمناقشة مشروع إقامة مسجد جديد فـي المدينة، حيث تحولت المناسبتان، ولاسيما جلسة المجلس البلدي، الى حفلة مطولة من الشتائم والافتراءات بحق الإسلام والمسلمين ورفضاً لبناء مسجد عند تقاطع شارعي راين والميل 15.
ودعت البلدية سكان المدينة الى جلسة عامة للاستماع الى آرائهم حيال مشروع إقامة مسجد على العنوان «4935 راين» بمساحة 20 ألف قدم، يتبع لـ«مركز المجتمع الإسلامي الأميركي» (AICC)، ومقره ماديسون هايتس، والذي يعمل على إنجاز هذا المشروع منذ قرابة العام.
وستيرلنغ هايتس تعد رابع أكبر مدن ولاية ميشيغن من حيث عدد السكان (130 ألف نسمة)، وتشكل الجاليات العربية المسلمة والمسيحية والكلدانية شريحة أساسية منهم، وتضم حالياً مسجدين، أحدهما مقر «الجمعية الأميركية المسلمة التعدُّدية» (AMADA)، الذي يقع على شارع راين أيضاً (عنوانه 4760).
ومع ان كثير من اعتراضات السكان اتسمت بالموضوعية عبر الاعتراض على مسألة التصنيف العقاري (زونينغ) والإزعاج العام كون المسجد المقترح يقع ضمن منطقة سكنية هادئة، الا أنه طغت على أجواء جلستي هيئة التخطيط المدني والمجلس البلدي مشاعر الكراهية والتعصب ضد المسلمين، وكان بارزاً الحضور الكلداني القوي فـي هذا المجال حيث تولى عدد من أفراد الجالية مهمة رأس الحربة فـي الطعن بحقوق إخوانهم المسلمين.
وكان قد تم التمديد لساعات إضافـية فوق الوقت المتاح لاجتماع لجنة التخطيط المدني التي انعقدت فـي 13 الجاري بعد أن أبدى السكان مخاوفهم مؤكدين استمرارهم في «النضال» ضد السماح بوجود مسجد آخر فـي ستيرلنغ هايتس.
جيف شهاب، عضو مجلس أمناء «مركز المجتمع الإسلامي الأميركي»، قال فـي الاجتماع إن 10 من أصل 12 عضواً فـي المسجد المزمع بناؤه هم من سكان ستيرلنغ هايتس الذين يرغبون في بناء مسجد لهم فـي مدينتهم.
وقال شهاب: "إن المسجد الجديد الممول بالحجم الكافـي سيوفر خدمات الصلاة وإحياء فعاليات شهر رمضان لحوالي مئة شخص"، مؤكداً أنه وزملاءه لا ينوون التسبب بإزعاج أحد وإنما فقط توفـير مكان للعبادة وممارسة الشعائر الدينية، فـي ستيرلنغ هايتس التي تضم جالية مسلمة صغيرة مقارنة بأبناء الجاليات العربية المسيحية والكلدانية واليهودية الذين يشكلون أغلبية سكانية وتجارية فـي المدينة.
وبالرغم من هدوء شهاب وطرحه، إلا أنه قوبل بموجة من الانتقادات والاعتراضات التي وصلت الى حد الخطاب العنصري الصريح.
وتراوحت الاعتراضات بين إثارة الشكوك حول مصادر التمويل والاتهام بالإرهاب، وصولاً الى المخاوف من تدهور قيمة العقارات فـي المنطقة بسبب إقامة المسجد.
وقالت هنا أبونا:" إن الأمر ليس كراهية" وأضافت «خذوا مسجدكم واذهبوا الى مكان آخر، لا نريدكم هنا» مهددة بأنها سترحل عن المدينة لو أقر بناء المسجد.
وردّت فاطمة علي أحمد، وهي من سكان ستيرلنغ هايتس وعضو فـي مجلس أمناء المسجد الجديد، على كلام أبونا بالقول إن «الكثيرين متخوفون من انخفاض أسعار منازلهم» وتابعت «أود أن أطمئنكم بأنه إذا أراد أحد أن يبيع منزله بسبب زحف المساجد فأنا أرغب بشرائه منه».
وتواصل التعصب الأعمى فـي الأسبوع التالي خلال اجتماع المجلس البلدي فـي 18 منه، حيث أقبل السكان بالعشرات من أجل مخاطبة ومناشدة أعضاء المجلس ورئيس البلدية مايكل تايلور، على أمل وضع حد لهذا المشروع.
وانتشر لاحقاً على موقع «يوتيوب»، شريط مصوّر لاجتماع المجلس البلدي الذي عقد الثلاثاء 18 آب، تخللته شهادات مخجلة لشدة تعصبها وجهلها، وأظهر الفـيديو تعليقات من سكان كلدان وأميركيين بيض وهم يعارضون بشدة اقامة المسجد الجديد.
قال الكلداني الأميركي المقيم فـي المدينة، سعد أنطون، مخاطباً أعضاء المجلس البلدي: «أتمنى أنْ يذهبوا الى ديربورن أو أي مكان آخر (لبناء مسجد)، لكن ليس فـي هذه المنطقة»، وأضاف «أنا لا أريد أن أكون قريباً من أناس من هذا النوع (...) هذه ليست إنسانية. وجهة نظري هو أنه ليس من الصواب أن نعيش مع ناس كهؤلاء هذا أمر غير مقبول على الإطلاق. هؤلاء الناس يخيفون العامة».
وشرع أنطون فـي عرض صورة لامرأة فـي «البرقع» (وهو زي تقليدي ترتديه النساء فـي عدد من الدول الإسلامية)، مقترحاً على المسؤولين فـي المدينة تحريم هذا الزِّي وغيره من الملابس الإسلامية مثل الحجاب فـي ستيرلينغ هايتس. واشار أنطون إلى انه يرى السكان المحليين يرتدونه فـي مراكز التسوق ومحلات البقالة، واصفاً إياه بأنه «مخيف ومثير للاشمئزاز».
العديد من السكان المعترضين تحفظوا عن إعطاء أسمائهم وعناوينهم خلال عقد الجلسة العامة، لأنهم حسب زعمهم لا يريدون أن يعرضوا عوائلهم للخطر بسبب آرائهم المعادية للإسلام. وتساءلت إحدى النساء المقيمات اذا كان المسجد المقترح ستكون له يافطة بارزة تعرف عنه، مشيرةً إلى أن «المسجد الآخر على شارع ريان» ليس له اسم ولا إعلان بارز. وإن اجراء بحث بسيط على «غوغل» يكشف عن اسم هذا المسجد.
غير أن المقيم مات وود فكان أكثر شمولية فـي عدائيته للجاليات العربية والكلدانية، حيث أشار الى أن ستيرلنغ هايتس أصبحت تعج بالمطاعم وصالات الأركيلة التي تحمل اليافطات البارزة بـ«لغة مختلفة» ء اللغة العربية ء، معرباً عن اشتباهه «بأن ألعاب القمار غير الشرعية تقام بشكل دوري خلف تلك الأبواب المغلقة».
وأضاف وود أنه إذا تم السماح ببناء المسجد، فعلى البلدية أن تطبق إجراأت أمنية خاصة «لأن الناس خائفون.. وانتم كمشرعين ومسؤولين فـي البلدية، عليكم التأكد من أمن كل مواطن، وليس فقط مراعاة القوانين التي تسمح بممارسة الحريات الدينية».
الا ان التعليق الأكثر اثارة للصدمة، صدر عن رجل شرق أوسطي يتحدَّث بلكنة إنكليزية ثقيلة، قال انه يعارض بشدة بناء المسجد وعرف عن نفسه باسم مستعار «جورج جون» متسائلاً «كيف يمكن لقادة المسجد أنْ يقدروا على جمع ما يكفـي من المال لبناء مؤسسة، فجميع المسلمين الذين يعيشون فـي أميركا هم يعتاشون على طوابع الطعام (فود ستامب). انهم قتلة».
إحدى المقيمات وتدعى زينا، رفضت الكشف عن اسمها الأخير بسبب «الخوف»، كانت حاضرة فـي كل من اجتماع المجلس البلدي ولجنة التخطيط المدني. وعرضت موقفها الثابت ضد المسجد، منتقدةً المسؤولين فـي المدينة لعدم التواصل مع السكان فـي الوقت المناسب لإطلاعهم على خطط البناء.
يُذكَر ان السكان يزعمون انهم علموا بهذا المخطط «الجهنَّمي» من خلال بطاقة بريدية تم إرسالها إلى المنازل فـي الحي الذي سيحتضن المسجد.
وحذرت زينا السكان بأن المسجد سوف يُستخدم لأكثر من مجرد اقامة صلاة الجمعة، مضيفةً أنه «يمكن أن يكون مصدر إزعاج حقيقي لسكان الجوار». وأردفت «أنا أرفض أن أكون مطاردة من مدينتي وبلدي... هذا عملٌ مشبوه... انهم يبنون مسجداً ولكنهم لن يتواجدوا هناك يوم الجمعة فقط»! وتابعت بالقول «لدي خبر عاجل لكم... المسلمون يصلون ست أو سبع مرات فـي اليوم. لا يوم الجمعة فقط، لذا فحركة المرور سوف تتحول الى مشكلة تواجهنا كل يوم. هناك رائحة غير طيبة من كل هذا».
ولكن بعد هذا الكلام العنصري المقيت كان لا بد من وجود أشخاص معتدلين، ولكن للأسف كانوا حصراً من الاميركيين البيض، لا من قبل من هم كانوا شركاء فـي الوطن لمئات السنين. فقد أعرب مايكل ردكي عن اشمئزازه «من كمية العنصرية والجهل التي تم عرضها من قبل سكان ستيرلينغ هايتس فـي الآونة الأخيرة».
«إني أجد التعصب والكراهية والجهل الذي برز هذه الليلة ويوم الخميس الماضي (جلسة هيئة التخطيط) ضاراً بسمعة مدينتنا» أكد مايكل، واستطرد «ستيرلنغ هايتس التي اعرفها هي مكان مرحب ومتسامح، لكن هؤلاء النَّاس ووجهات نظرهم لا تعكس رأي سكان المدينة بشكل عام، الذين آمنوا واتبعوا دستور الولايات المتحدة. هذا بيت مخصص للعبادة لسكان مدينتنا ولا شيء غير ذلك. وانا أجد هذا التمييز ضد مواطنين أميركيين، أمراً دنيئاً».
ويبقى القرار الأخير فـي يد أعضاء المجلس البلدي الذين سيصوتون فـي جلسة لاحقة على إقرار المشروع أو عدمه.
وجدير ذكره أن فـيديو اليوتيوب الذي انتشر على الإنترنت أخفى وجوه وهوية المواطنين الذين تحدثوا فـي اجتماع مجلس البلدية. وهو تحت عنوان:
ولمشاهدة اجتماع المجلس كاملاً من دون رقابة، يرجى زيارة الموقع الرسمي للبلدية على الرابط التالي: