فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله - الإيطالية نيوز

فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله


قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279].

في هذه الأيام تتناقل وسائل الإعلام أنباءً عن انهياراتٍ اقتصاديةٍ مفزعةٍ، وإفلاساتٍ ماليةٍ موجعةٍ، مصارِفُ عالميةٌ تعلن إفلاسها، وأسواقٌ ماليةٌ يشتد كسادها، مستثمرون تذهب أموالهم، ومودعون تتبدد أرصدتهم، وتعقد مؤتمراتٌ لدراسة الواقع المتفاقم، وتبذل أموالٌ للارتقاء بالوضع المنحدر، ويرفع تجارٌ شكاواهم، ويوكِّلون محامين لمتابعة قضاياهم، وتضج الدنيا وترتج، ويدب في النفوس خوفٌ وقلقٌ، ويتملكها ذعرٌ وهلعٌ، بحثٌ في أسباب هذا التدهور ودراساتٌ، واقتراحاتٌ للحلول وتخميناتٌ، ومحاولاتٌ للإنقاذ يائسةٌ، وتصرفاتٌ بائسةٌ، ويخرج قائلون بتأثير انخفاض بعض العمْلات في هذا الشأن، ويغرق آخرون في فلسفاتٍ ونظرياتٍ اقتصاديةٍ ماديةٍ، وفي النهاية ينادي مَن ينادي مِن عقلاء تلك الدول بأن الحل في الاقتصاد الإسلامي، ويدعون إلى الرجوع إلى ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكامٍ لحل ما نزل بهم من كوارث وأزماتٍ.
 ويتذكر المرء ما كان من صغار المساهمين ومتوسطيهم في بلادنا قبل بضع سنواتٍ، ممن أصابتهم حمى المساهمات وتساقطوا في مستنقعاتها الآسِنَة، فغامروا بكل ما حاشته أيديهم في سنين، وبذلوا مهجة أفئدتهم واعتصروا مخ عظامهم، فجعلوه في تلك المساهمات المحرَّمة، وولغوا في كثيرٍ من المعاملات المشبوهة، ولم ينتهوا ولم يتورعوا، وظلوا لا يحلمون إلا بالغنى والثراء، ثم في مثل طرفة عينٍ انهارت أحلامهم وتبددت، وذهبت أموالهم واختَفَت، وكأن الأرض قد انشقت فابتلعتها، أو كأن نارًا قد أوقدت فأحرقتها، ملايين من الريالات بل بلايين، وقيمة سياراتٍ وعقاراتٍ، وحصيلة قروضٍ وديونٍ، وضعها أولئك المخدوعون المغرَّر بهم في شباكٍ قد نصبَت لهم، ليمتصها كبار المرابين فيودعوها في المصارف الربوية العالمية، ظانين أنهم قد حصنوها وحفظوها؛ إذ ابتعدوا بها عن أولئك المغبونين وأحرزوها إلى تلك المصارف، وأن لا قادر على انتزاعها من براثنهم في ظل قوة ذلك النظام الاقتصادي الرأسمالي، وما دروا أنهم قد دخلوا في مواجهةٍ خاسرةٍ، وخاضوا معركةً غير متكافئةٍ، ليست مع قوةٍ أرضيةٍ أو فئةٍ بشريةٍ، وإنما هي مواجهةٌ مع القوي المتينِ، وحربٌ مع العزيز الجبار: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279].

فأين يذهب الإنسان الضعيف الحقير الذليل من تلك القوة الجبارة؟! أين يذهب من تلك القوة الساحقة الماحقة {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276].

أحَسِب أولئك المرابون المخذولون أن الإيذان بالحرب من الله ورسوله قتالٌ بسيفٍ فيتقوه، أو أنه ضربٌ بمدفعٍ فيحذروه؟!

لا، والله، ولكنها الحرب المعلنة من رب العالمين على كل مجتمعٍ يضل السبيل، فيجعل الربا قاعدةً لنظامه الاقتصادي والاجتماعي.

إنها الحرب الشاملة الغامرة، على الأعصاب والقلوب، وعلى البركة والرخاء، وعلى السعادة والطمأنينةٍ، حربٌ يسلط الله فيها العصاةَ بعضَهم على بعضٍ، ويولي بعض الظالمين بعضًا بما كانوا يكسبون.

إنها حرب الغبن والظلم، حرب القلق والخوف، وأخيرًا حربُ السلاح بين الأمم والدول، والمرابون من أصحاب رؤوس الأموال العالمية هم الذين يوقدون هذه الحرب بطريقٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ؛ إذْ يلقون شباكهم فيقَع فيها الأفراد والمؤسَّسات، وتَتَعَثَّر فيها المصانع والشركات، ثم تنشب فيها الشعوب والحكومات، ثم يتزاحمون على الفرائس فتقوم الحرب، أو يزحَفون وراء أموالهم بقوة حكوماتهم فتقوم الحرب، أو يُثقِل الشُّعوبَ سدادُ الدُّيُونِ لأولئك المرابين، فيعم الفقر والسخط بين الكادحين والمنتجين، فيفتحون قلوبهم للدعوات الهدَّامَة فتقوم الحرب، وأيسر ما يقع - وما هو بيسيرٍ - خراب النفوس وانهيار الأخلاق، وانطلاق سعار الشهوات، وتحطُّم الكِيان البشري من أساسه، وتدميره بما لا تبلغه أفظع الحروب الذرية المرعبة.

إنها الحرب المسعَّرَة من الله على المتعاملين بالربا، تأكل الأخضر وتلتهم اليابس، وتقضي على كل ما تنتجه البشرية الضالة الغافلة، من مادياتٍ تعجب بخضرتها وزهرتها وكثرتها، وهي الخضرة والزهرة والكثرة التي كانت حريةً بأن تسعد البشر لو أنها نشأت من منبتٍ زكيٍّ طاهرٍ، ولكنها وقد خرجت من منابع الربا الملوثة، ونبتت على جوانب مستنقعاته الآسنة ء أصبَحَت رُكامًا خنق أنفاس البشرية وسحَقَها سُحقًا، في حين تمتَّعَت شرذمة المرابين العالميين بهذه الأموال الممحوقة البركة، ومضت لا تحس بآلام البشرية المسحوقة تحت هذا الركام، أفترى الحَكَم العدل يقرُّ هذا الظلم، ويرضى بهذا التجاهل لعباده، وقد أخرج لهم الطيبات من الرزق؛ ليستمتعوا بها ويعبدوه، فاستأثر بها ظالمون معتدون وعاندوه؟ لا، والله، لا يرضى العزيز الجبار: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2].

فالحمد لله الذي ألبس هؤلاء المرابين لباسَ الذِّلة والقلة في الدنيا قبل الآخرة، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275].

إنها اللعنة والنقمة؛ عن جابر بن عبدالله ء رضي الله عنه ء قال: ((لعن رسول الله ء صلى الله عليه وسلم ء آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه))، وقال : ((هم سواءٌ)).

إن المجتمع الذي يقوم على الأساس الربوي ء أهلُه ملعونون معرضون لحربِ الله، مطرودون من رحمته، وإذا كان الناس في شك من هذا أيامَ نشأة النظام الرأسمالي الحديث، فإن تجربة اليوم لم تُبْقِ مجالاً للشك أبدًا.

إن عالم اليوم في أنحاء الأرض لهو ء باعتراف عقلاء أهله وعلمائه ومفكريه، وبمشاهدات المراقبين والزائرين لأقطار الحضارة الغربية ء عالم القلق والاضطراب والخوف، عالم الأمراض العصبية والنفسية، عالم الحروب الشاملة والتهديد الدائم، عالم حرب الأعصاب والاضطرابات التي لا تنقطع، إنه الشقاء الذي لا تزيله الحضارة المادية مهمَا تطورت، والسبب هو خواء الأرواح البشرية من زاد الروح، من الإيمان بالله والاطمئنان إلى الله؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ * فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ * ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [يونس: 101 ء 108].