انخرط عدد أكثر من ذي قبل من أبناء المهاجرين من أصول عربية ومسلمة في
الحياة السياسية في ألمانيا. وهذا فتح نافذة على أفق لتغيير المشهد السياسي
الألماني، فما هي تجلياته، وهل حضور القادمين الجدد فعّال أم شكلي؟
انتسب الألماني من أب مغربي وأم ألمانية، يونس وقاس (27 عاماً) إلى الحزب
المسيحي الديمقراطي وهو ابن 15 ربيعاً. شغل منصب رئيس "اتحاد تلاميذ الحزب"
على مستوى ألمانيا، ثم رئيس "اتحاد طلاب الحزب" في ولاية تورينغن. وتوج
مسيرته، المستمرة حتى الآن، بعضوية الهيئة القيادية للحزب. أما سوسن شبلي
(36 عاماً)، المنحدرة من أسرة فلسطينية لاجئة بسيطة، فقد درست العلوم
السياسية وانتمت لصفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي. تولت رئاسة قسم حوار
الثقافات في وزارة داخلية حكومة ولاية برلين. ثم عينها وزير الخارجية
الألماني ، فرانك شتاينمير، منذ العام 2014 نائبة المتحدث باسم وزارة
الخارجية. كما انتمى الفلسطيني رائد صالح (38 عاماً)، للحزب الاشتراكي
الديمقراطي، ويشغل عضوية برلمان ولاية برلين منذ العام 2006. ثم ترأس كتلة
الحزب في البرلمان منذ العام 2011. وفي العام 2014 رشح نفسه لمنصب عمدة
ولاية العاصمة برلين.
أما طارق الوزير (44 عاماً)، المنحدر من أب يمني وأم ألمانية، فقد وجد
ضالته السياسية في حزب الخضر، فتولى رئاسة "الشباب الخضر" في ولاية هسن.
يحافظ الوزير منذ العام 1995 على عضويته في برلمان الولاية، وتولى رئاسة
كتلة الحزب في البرلمان. واعتباراً من عام 2014 أصبح نائباً لرئيس وزراء
الولاية ووزيراً للاقتصاد والطاقة والمواصلات والتنمية فيها.
مجموعات عمل للمسلمين ضمن الأحزاب
رائد صالح عضو برلمان ولاية برلين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي منذ 2006 |
تأسست في بداية العام 2007 "مجموعة عمل المسلمين الخضر في ولاية شمال
الراين- فيستفاليا". وعن سبب تأسيسها، قالت هازرت كاراكوبان: "رأينا أننا
بحاجة لإطار خاص لمناقشة قضايا المسلمين، حيث إن اللجان الأخرى في الحزب لا
تتوافر على مساحة كافية لقضايا المسلمين. هدفنا هو المساواة القانونية
والاجتماعية للمسلمين". وقد شاركت المجموعة في الكثير من الندوات التي
تنظمها مؤسسة هاينرش بول، المقربة من حزب الخضر، وفي العديد من التظاهرات.
كما كان للمجموعة حضور إعلامي جيد. وعن إنجازتهم قالت كاركوبان: "تبنت
قيادة الحزب موقفنا من مقتل مروة الشربيني، وكذلك سعينا لإدراج دروس الدين
الإسلامي في المناهج المدرسية. في السنوات الأخيرة ركزنا على مسائل
المساواة القانونية والعنصرية ضد المسلمين والسلفية الجديدة".
في مطلع العام المنصرم تأسست "مجموعة عمل المسلمين في الحزب الاشتراكي
الديمقراطي" لـ "مواجهة كافة أشكال الإيديولوجيا التي تحتقر الإنسان
والعنصرية الدينية وخصوصاً معاداة الإسلام، والصورة النمطية المرتبطة
بالإسلام"، حسب ما هو منشور على صفحتهم على الفيسبوك. وعن بعض الأهداف
الأخرى تحدثنا الدكتورة طوبى إيشك، إحدى الناطقين باسم المجموعة: "منحُ
المسلمين صوتاً في داخل الحزب، حتى لا يتم التعامل معهم من زاويا قضايا
المهاجرين فقط. ونهدف أيضا إلى المساواة والاعتراف القانوني بالإسلام". وقد
عقدت المجموعة مؤتمراً مع كل من "مجموعة عمل المسيحيين" و"مجموعة عمل
اليهود" في الحزب. تمحور المؤتمر حول تحديات التعددية الدينية في المجتمع.
وعن أبرز إنجازتهم، قالت طوبى: "النجاح الأكبر حتى الآن هو تأسيس المجموعة
والاعتراف بها رسمياً من قبل قيادة الحزب".
لا يوجد مجموعات مماثلة خاصة بالمسلمين في الأحزاب اليمينية، ولكن هناك
مجموعات خاصة بالمهاجرين مثل "المنتدى الألماني-التركي"، و"اتحاد التنوع"،
الذي يضم أعضاء من خلفيات مهاجرة من مختلف الأعراق والأديان. وفي تطور
لافت، أسس مسلمون في العام 2010 حزب "التحالف من أجل الابتكار والعدالة "BIG Partei.
غير أن هذا التحالف ما يزال في بداياته؛ فعدد أعضائه لا يتجاوز المئات.
ولم يستطع حتى الآن إيصال أي عضو منه إلى برلمانات الولايات، فضلاً عن
البرلمان الاتحادي.
سؤال الهوية
انضمت طالبة الدكتوراة في القانون إيمان الزين (28 عاماً)، في
العام 2005 إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي بدافع إعجابها بـ "رفض غيرهارد
شرويدر للحرب على العراق"، ولأنها وجدت "من الضروري الانخراط، بدلاً من
الشكوى والتفرج على الآخرين وهم يقررون عنا". وقد لاقت تشجيعاً من عائلتها
وأصدقائها. ولا تشعر إيمان، التي قدمت إلى ألمانيا مع عائلتها قبل ربع قرن،
أنها "سياسية ألمانية، بل كلبنانية تحمل الجنسية الألمانية ومهتمة
بالسياسة".
كذلك يشعر المهندس أحمد الحموي (42 عاماً)، عضو إدارة "مجموعة عمل السياسة
الخارجية والأمن" في الحزب الديمقراطي المسيحي وعضو مجلس الاندماج في مدينة
مونستر، بأنه يمثل خلفيته كمهاجر أيضاً. وقد ساعده "التأهيل العلمي العالي
وإجادة اللغة الألمانية" في مشواره السياسي. غير أنه يرى أن "قلة الوقت"
تشكل عائقاً، لأن"العمل السياسي والطوعي يحتاجان إلى الكثير من الوقت على
حساب أوقات الراحة والعائلة".
"لازلنا في البداية"
بدوره أكد، مازن حسان، الصحفي والخبير بالشؤون السياسية الألمانية، أن
التطورات الآنفة الذكر وتعيين مسؤولين من أصول تركية لشؤون الاندماج
والهجرة هي"مبادرات رائعة ولكنها قصص نجاح فردية توحي بأن الأبواب مفتوحة
أمام الشباب العربي للوصول لأعلى المناصب في ألمانيا. ولكن الطريق في
الحقيقة لا يزال طويلا، والألمان أنفسهم ليسوا مستعدين لما طالب به الرئيس
غاوك عام 2013 بمشاركة أكبر للمهاجرين في السياسة الألمانية، بل وبتقبل
فكرة أن يكون رئيس ألمانيا في المستقبل من أصول أجنبية".
ويضيف حسان، بأن دور ذوي الخلفيات المهاجرة في الأحزاب "ثانوي مع الأسف"
وأن هذه الأحزاب تهدف إلى "مخاطبة قطاع أكبر من الناخبين ذوي الأصول
الأجنبية. بدون شك هناك خلل ما في توزيع الأدوار في المجتمع الألماني، فلا
يصح أن يكون 20 % من السكان من أصول أجنبية، في حين أن نسبة النواب من أصول
أجنبية ستة بالمائة ( 37 من بين 631 نائبا)" يرحب حسان بفتح باب المشاركة
السياسية للشباب العربي والتركي وذوي الأصول الأجنبية، ولكنه يعود ويؤكد:
"لا زلنا في البداية".
المصدر: dw نسخة عربية