في بعض مناطق روسيا تقوم حياة بعض المسلمين على الشريعة الإسلامية، التي تتناقض أحكامها في الكثير من الأحيان مع القوانين الروسية. لكن السلطات الروسية تغض النظر عن بعض ممارسات الشريعة الإسلامية من أجل أهداف أخرى.
تقييد حقوق المرأة بشدة، تعدد الزوجات، الزواج بقاصرات وما يسمى بجرائم الشرف والثأر: أمثلة على الخروقات التي ترتكب بحق القوانين الروسية في المناطق، التي تسكنها أغلبية مسلمة من البلاد. لكن ممثلي النخب التي تضطلع بمهام قيادية في هذه المناطق تتسامح مع هذه الخروقات للقانون الروسي بحجة أن التقاليد الإسلامية يجب أن تُحترم.
عن ذلك يقول أحمد يارليكابوف من معهد موسكو للعلاقات الدولية، إن "أحكام الشريعة أصبحت جزأً من الماضي في مناطق الفولكا وتتارستان وفي جمهورية باشكورستان، لكنها ما زالت تُطبق في مناطق شمال القوقاز". ويضيف يارليكابوف، إن هناك محاكم شرعية في المناطق الجبلية من داغستان، يُختار قضاتها من قبل المجتمعات المحلية القاطنة هناك، ويُراقب عملهم من قبل مجلس من رجال الدين المسلمين. "في العادة يقتصر اختصاص هذه المحاكم على الجرائم الجنائية الصغيرة أو النزاعات بين الأزواج. كمل تعمل على تقسيم الممتلكات العائلية بعد طلاق الزوجين".
لكن هذه المحاكم تفتقر إلى الأهلية، ففي هذه المناطق لا يوجد سوى عدد قليل من العارفين بالشرع الإسلامي، كما يقول الخبير من شؤون منطقة القوقاز.
قضايا الميراث وقانون الطلاق
وغالباً ما يلجأ السكان هناك إلى الشرع الإسلامي بأنفسهم من أجل حل خلافاتهم فيما بينهم. لكن الكثير من التصورات، مثلاً تلك المتعلقة بقانون الأسرة، تخضع لتباين كبير بين الفقه الإسلامي والتشريعات القانونية الروسية، كما تقول الخبيرة القانونية ليلى جابروفا. وتعمل جابروفا، وهي مسلمة، في إحدى محاكم موسكو، وتضيف: "في روسيا يبقى الطفل بعد طلاق والديه في حضانة والدته. لكن وفق الفقه الإسلامي يمكنه أن يبقى في حضانتها حتى زواجها مرة أخرى".
وهذه الاختلافات موجودة أيضاً في قضايا الميراث، فوفق القانون الروسي يمكن ترك وصية، لكن الشريعة الإسلامية لا تنص على ذلك. "عندما يوجد أولاد للمتوفى، فإنهم يحصلون على الجزء الأكبر من التركة، أما البنات فلا يحصلن على الكثير"، كما تقول جابروفا.
رؤى مختلفة لتعدد الزوجات
تناقض مسألة تعدد الزوجات غير المحرمة في الشريعة الإسلامية التشريعات القانونية الروسية، وفي هذا السياق يؤكد أحمد يارليكابو أن تعدد الزوجات بات من الأمور النادرة بين مسلمي روسيا. "هناك مبالغات حول حجم انتشار هذه الظاهرة، باستثناء جمهورية إنغوشيا، التي ينتشر فيها تعدد الزوجات. لكن حتى في هذه الجمهورية لا تتعدى النسبة السبعة بالمائة من الزيجات، التي لا تعترف بها السلطات الروسية. وفي داغستان تقل نسبة مثل هذه الزيجات".
وبحسب عالم الأديان الروسي رومان سيلانتيف، فإن ظاهرة تعدد الزوجات لا تُمارس إلا في حالات خاصة جداً، "عندما تفقد زوجة زوجها، فيمكن أن يتزوجها رجل آخر كزوجة ثانية، كي يساعدها في حل مشاكلها. وأنا شخصياً أتفهم مثل هذه الحالات"، كما يؤكد سيلانتيف.
وتضيف ليلى جابروفا أن الرجل لا يُسمح له بالزواج مرة أخرى إلا بموافقة زوجته الأولى. "إذا كانت الزوجة مؤمنة، فإنها عادة ما توافق على زواج زوجها بأخرى. ومن الطبيعي ألا تكون لديها الرغبة في تقاسم زوجها مع أخرى، لكن حبهن لله أقوى".
وضع صعب في الشيشان
لكن الشيشان تبرز بشكل خاص في تطبيق الشريعة الإسلامية. "أكبر الخروقات للقوانين الروسية هي اضطهاد المرأة وقضايا الثأر"، كما تقول يلينا بورتينا من منظمة دعم اللاجئين الروسية "دعم مدني". وتضيف أن العديد من النساء الشيشانيات الهاربات من منازلهن يلجأن إلى المنظمة. إذ تكون حياتهن معرضة لخطر "جرائم الشرف"، إذا ما اتهمها أحد أفراد العائلة بارتكاب الخطايا. "في الشيشان لا تتم المعاقبة على جرائم الشرف والثأر. ومؤخراً فقط تمت محاكمة رجل قام بقتل ابنته". وبحسب الناشطة الاجتماعية، فإن الكرملين يتسامح كثيراً مع القيادة الشيشانية، موضحة أن الرئيس رمضان قديروف وبطانته يستخدمون التقاليد الإسلامية لمصلحتهم الخاصة من أجل توطيد سلطتهم والتغطية على التجاوزات.